| حسن م. يوسف
الأحد, 02-05-2021
أمس وجدت نفسي في مواجهة السؤال التالي: أيها أكثر خطورة، القليل من التَّعَلُّم أم الكثير من المعرفة؟
في عام 1711 كتب الشاعر الإنجليزي ألكسندر بوب (1688- 1744) قصيدة بعنوان «مقالة عن النقد» ورد فيها البيتان التاليان: «القليل من التَّعَلُّم، شيء خطر. اشرب بعمق، أو لا تتذوق نبع بيريان». ونبع بيريان هذا موجود في مقدونيا وتعتبره الأساطير اليونانية مقدساً تشرب منه ربات الإلهام، ويعتبر مصدراً مجازياً لمعرفة الفن والعلم.
قد يكون مثيراً للضحك أن يشغل واحد مثلي نفسه بمستقبل الكرة الأرضية والتحديات التي تواجهها البشرية، في هذه الظروف الاستثنائية التي أنتظر فيها رسالة استلام عشرين ليتراً من البنزين بشوق ولهفة لا يقلان عن شوق ولهفة المراهق الذي ينتظر الرد على رسالته الأولى! لكن شعوري بالخديعة يزداد يوماً تلو الآخر وقد أصبح ذلك الشعور مضاعفاً ويشبه إلى حد بعيد شعور من سكت على إهانة كرامته، خوفاً من المسدس الذي يحمله غريمه، ثم اكتشف في النهاية أن مسدس ذلك الغريم ما هو إلا مسدس دمية يصلح لإشعال السجائر لا لإطلاق الرصاص!
تذكرون الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الذي أخرجته احتكارات صناعة السلاح من البيت الأبيض لأنه أنهى العدوان الأميركي على فيتنام عام 1973. لكن هذا الـ نيكسون الذي أنهى حرب فيتنام شن حرباً اقتصادية على العالم برمته عندما قام في عام 1971 بقطع كل علاقة بين الدولار والذهب. ومعنى هذا أن الدولار الذي تحصل أميركا مقابله على الحصة الأكبر من خيرات العالم، والذي تقاس قوة بقية العملات إلى قوته، ما هو في الحقيقة سوى عملة عارية، أي عملة بلا رصيد، لا تكلف طباعتها أميركا سوى ثمن الحبر والورق! ففي عام 1971 لم تكتف الحكومة الأميركية ببيع احتياطيها من الذهب فقط، بل قامت بسحب كل مدخرات مواطنيها من الأصفر الرنان، وفرضت غرامات كبيرة وعقوبات تصل إلى عشر سنوات، على من يتعاملون بالذهب. وهذه فضيحة بحجم الكرة الأرضية، تجعل الكرة الأرضية أشبه بمركبة فضائية اختطفها زعران البشرية، وهم يركبون في الدرجة الأولى ويتمتعون بألذ ثمار الكوكب وأجمل نسائه ويقطنون أروع بقاعه من دون ثمن ومن دون وجه حق.
تقتضي النزاهة أن نعترف أن سرقة أميركا لخيرات العالم مقابل الورق الأخضر الذي تطبع منه يومياً 196 مليون دولار، لم تمر من دون مقاومة. إلا أن أميركا كانت تشعل النار في كل بيت يحلم ربه بزعزعة هيمنتها الاقتصادية. فقد كشف تقرير صيني نشر مؤخراً، أن العالم في الفترة ما بين عام 1945، أي نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى عام 2001، قد شهد 248 نزاعا مسلحا في 153 منطقة من العالم، منها 201 صراع بدأته الولايات المتحدة. أي إن أميركا شنت ما يقرب من 81 بالمئة من العدد الإجمالي للنزاعات خلال النصف الأخير من القرن العشرين. والطريف في الأمر هو أن أميركا لم تخرج منتصرة من أي حرب من هذه الحروب.
دعونا نعترف أن كل من تجرؤوا على القول علناً إن الدولار عارٍ، أنشب أسيادُ الورق الأخضر مخالبَهم في عنقه. فقد اغتر صدام حسين بقوته وطالب بدفع ثمن البترول بالذهب، فكانت النتيجة أن قامت أميركا بغزو العراق وشنقه صبيحة عيد الأضحى! ولم يلتقط القذافي الرسالة فطالب مجدداً بدفع ثمن البترول بالذهب، فحكم عليه بأن يقتل بأشنع طريقة ممكنة كي تكون الرسالة واضحة تماماً!
صحيح أن الدولار عملة عارية ومسدس دمية، لكنه محمي بزنود أشرس عصابة من البلطجيين في التاريخ.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)