الرئيسية » ثقافة وفن » الصراع الموسيقي المتجدد بين القيمة والرواج

الصراع الموسيقي المتجدد بين القيمة والرواج

علي الأحمد:

هو صراع مصيري قد لاينتهي، لطالما تتحكم فيه الايديولوجيات والتحزبات المريضة. فعلى مر التاريخ شهد هذا الفن صراعات وحروب فكرية وثقافية ،مابين قيمة ودور هذا الفن في الحياة البشرية ،ومابين مقولات الفن للفن ومحاولة إخراج هذا الفن من دوره التربوي والاخلاقي ،ورسالته المهمة والرائدة في تجميل وإغناء هذه الحياة عبر مؤلفات موسيقية استطاعت ان تغّير سمت ومسار الذائقة نحو ضوء الموسيقى الحقة ،الموسيقى التي تقرأ دواخل النفس البشرية وتأخذها الى تلك الضفاف الهانئة التي لطالما بحثت عن أسرارها الخبيئة في جوهر وكنه هذا الفن العظيم الذي صيغ على مبدأ الانسجام الكوني كما رأت الفلسفات القديمة وعلماء وحكماء هذا الفن الانساني النبيل .
إذا هو صراع فكري وايديولوجي قديم متجدد، ، ماكان ليتوسع ويتمدد لولا عوامل سياسية واجتماعية ألقت بظلالها على ترسيخ هذه الحروب الدونكيشوتية المريرة ،التي لم تؤدي إلا الى مزيد من الخراب والبؤس الروحي والوجداني خاصة مع التحولات العميقة في بنية الكتابة والتأليف ،والذهاب بعيدا في متاهات التقليد واستنساخ الآخر المغاير فكرا وممارسة ،وبالتالي تم تبديد الكثير من مفردات الهوية الموسيقية الوطنية بموروثها وخزينها الابداعي المهم،ليبدأ عصر الفن السلعة ومفهوم الرواج والنجاحات الجماهيرية العابرة، الفارغة من أية معانٍ او قيمة جمالية ذات معنى ولعل المتلقي العربي اليوم بات أكثر إدراكاَ وتفهماً لمسارات التقليد التي تعني فيما تعنيه خواء الروح الموسيقية وإنطفاء جذوة الابداع عند الموسيقي العربي المعاصر وبالطبع التعميم هنا لايلغي او يحجب الإستثناء وهو موجود لحسن الحظ بفضل وجود فرسان نبلاء يجوبون آفاقا موسيقية مغيّبة، تراهم هائمين على الدوام في ميراث وإرث تلك الأزمنة الموسيقية الابداعية ينقبون في “تضاريسها” وآثارها الخالدة، عن كل ماهو نبيل وجليل في هذا الفن ،وهؤلاء على قلتهم باتوا خط الدفاع الأول في مواجهة أية محاولة لتسفيه وتقزيم هذا الدور والرسالة الانسانية العالية ،ولهذا تحاربهم مؤسسات الرواج والتسويق المعلب وتسليع الانسان المعاصر، التي تنتج فنا كسيحا لقيطا، لايقوى على الحياة يموت لحظة ولادته ،كونه يعتمد الإبهار والإستعراض الفارغ بعيدا عن المطالب الوجدانية التي وسمت نتاجات هذه الأزمنة ومنحتها القدرة على مقاومة القبح والرداءة والسطحية وفي كل العصور ،هذا مانجده ماثلا في كتابات الأقدمين من مؤرخين موسوعيين لحظوا عمق التفاوت مابين القيمة المثلى للفن ومابين الرواج والتسويق الذي يتعارض كليا مع البعد الرسالي والجمالي خاصة في عصر صعود وهيمنة، المادة وكل ماهو مادي رخيص.
ومابين المادي والروحي يحاول الموسيقي العربي اليوم، من ان يقول كلمته في معارضة ونبذ، كل ماهو حسي مبتذل، في منتوج هذا الفن ،وهو في مسيره الابداعي هذا يؤكد من جديد على إبقاء جذوة الروح وشعلة الخلق والابداع مضيئة على الدوام بالرغم من امتداد واتساع العتم في المشهد الموسيقي المعاصر وتسيّد البعُد التجاري الفقير فيه، حيث من الضروري، تجاوز كل هذه العربدة والهرطقة باتجاه التسامي والجمال ،وتكريس لغة موسيقية بديلة ومغايرة للسائد المطروح وخلق حالة ابداعية أسمى وأنقى، تعيد للذائقة العربية المستباحة بعض من ألق وصفاء مفقود ،عبر نتاج موسيقي حداثي ومعاصر بالمعنى الابداعي الذي بتنا نتلمسه ونلمسه في العديد من الأعمال الناهضة ،فكرا وتأليفا وممارسة حيث البُعد الكلاسيكي التعبيري يقف وحده في مواجهة الحضور الطاغي للمنتوج الاستهلاكي وهوامشه التي كرست الخواء في طقوس التلقي ،كما كرست مفهوم الرواج بحكم التعود والتكرار على نمطية معينة من الأعمال الكسيحة ذوقا وجمالا ،بما تفرضه مؤسسات الاقتصاد والاعلام والاعلان ،حيث إغراق السوق بالمنتوج الحسي العابر الرخيص ،هذا المنتوج الذي تشكله منظومة العولمة من اجل ترسيخ قطيعته مع كل أشكال الماضي ،بما يؤكد على الدور الخبيث الذي تلعبه ايديولوجيات ماكرة تريد النيل من الهويات الوطنية وتبديد عناصرها وتقاليدها الراسخة عبر سلخها من نسيجها الاجتماعي ومحوها من الذاكرة الجمعية بحجة تقديمها ونشرها للعالم عبر قنوات ومنصات هذه المنظومة بالطبع بعد إفراغها من رسالتها ورمزيتها الثقافية، ودمجها في أتون السوق التجاري، لتصبح سلعة جديدة لاروح فيها ولاحياة ،المهم في كل ذلك ان تكون هذه السلعة مغرية وجذابة، حتى وإن كانت فارغة المضمون والجوهر!!

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...