الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
تعيش الدولة العبريّة، قيادةً وشعبًا، أزمةً مفصليّةً بعد اندلاع المُواجهات بينها وبين المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة. وسائل الإعلام الإسرائيليّة على مختلف مشاربها تعكس هذه الأزمة، وتُحاوِل عبثًا دبّ الطمأنينة في نفوس الإسرائيليين، إلّا أنّ الإسرائيليين يرَوْن بأمّ أعينهم كيف تتهاوى دولتهم الـ”عظمى” أمام صواريخ المُقاومة التي ضربت وأصابت منطقة (غوش دان، مركز الكيان، ودُرّة التّاج، مدينة تل أبيب)، وهذه العوامل تؤكِّد بشكلٍ لا لبس فيه أنّ إسرائيل هي أوهن من بيت العنكبوت، كما وصفها الأمين العّام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله بعد انتصار عام 2006.
وفي هذا السياق قال أليكس فيشمان، مُحلِّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، قال إنّ “إسرائيل حطمّت كلّ القواعد: في عمليات “الرصاص المصبوب”، و”عامود السحاب”، و”الجرف الصامد” كان ثمة استفزازات، ولكن الضربة المفاجئة كانت لدى الجيش الإسرائيليّ، أمّا هذه المرة فقد انقلبت الأمور رأسًا على عقب؛ فحماس هي التي بادرت إلى الخطوة الأولى، والتي تضمنت نارًا صاروخية إلى منطقة القدس، وإطلاق صاروخ مضاد للدروع نحو مركبة مدنية وهجمة صاروخية على غلاف غزة.
وشدّدّ الخبيرفيشمان، نقلاً عن مصادره العليمة جدًا بالمؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، شدّدّ على أنّه:”لم تكُن هذه هي السابقة الوحيدة أمس: فقد تأزرت حماس بالجسارة وأطلقت إنذارًا أول من نوعه إلى إسرائيل حول استمرار سلوكها في القدس، ويحيى السنوار يتصرف كلاعبٍ إقليميٍّ مًتصدِّرٍ”.
ولفت فيشمان، وهو أحد الأبناء المُدللين للمؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، لفت إلى أنّ “حماس بدأت عمليًا معركةً إقليميّةً ضدّ إسرائيل لا تتضمّن غزة فحسب، بل تضمّنت أجزاءً من الضفة، وعرب شرقي القدس، وجزءًا من “عرب إسرائيل” (!). وتهدد بتجنيد المنظمات في القطاع بلْ وكلّ المجتمع الفلسطينيّ، بكلّ فروعه في المنطقة.
ومضى قائلاً، نقلاً عن المصادر ذاتها، إنّ “حلم السنوار هذا يجب تحطيمه قبل أنْ يولد. زعيم حماس في غزّة خطط المعركة الحالية كي يُحقِق إنجازًا سياسيًا ويضع حماس ونفسه على رأس الأمّة الفلسطينيّة، وهذا ما ينبغي منعه. هذا هو هدف الكابينت (المجلس الوزاري الأمنيّ-السياسيّ المُصغَّر)”.
وأوضح فيشمان أنّ “هذه المرّة ليست جولةً عاديةً أخرى، بل يجب أنْ تكون معركةً لتصفية تطلعات حماس لقيادة المجتمع الفلسطينيّ. وعليه، فعلى أعضاء (الكابينت) أنْ يضعوا جانبًا الانشغالات السياسية ويوجهوا الجيش لحملةٍ مع أهدافٍ واضحةٍ لا تنتهي بالعقاب والردع، بل شطب حلم السنوار السياسيّ لسنواتٍ عديدةٍ”.
وتابع الخبير فيشمان، نقلاً عن ذات المصادر، أنّه “إذا انتهت المواجهة الحالية في غضون يوم أوْ يوميْن، وحتى لو دمرت في خلالها عشرات الأهداف، وبقيت حماس على قدميها – فستكون هذه حملة ثأر صرفة، لن تحقق إنجازًا سياسيًا ولا ردعًا عسكريً، ولذا على (الكابينت) ألّا يستسلم لضغوطٍ دوليّةٍ أوْ يفزع من وقف التعليم. عليه أنْ يسمح للجيش الإسرائيليّ بأنْ يكمل خطوة لعلها تبني الحائط الحديديّ من جديد حيّال غزة”.
وأشار المُحلِّل إلى أنّه “منذ تسلّم رئيس الأركان كوخافي مهام منصبه وهو يتحدث بتعابير النصر. المعنى العملياتيّ لهذا المفهوم ليس فقط نصرًا في الوعي، بل إلحاق خسائر عديدةٍ للعدوّ كيْ لا يتمكن من مواصلة القتال ويكون الحسم واضحًا، والآن يقف هذا الخطاب عند اختبار الواقع. أولاً، ضربة شديدة لقدرة حماس العسكرية: للزعماء، والنشطاء، والبنى التحتية والقدرات، بما في ذلك المدينة التحت أرضية”.
أمّا “الهدف الثاني فهو منع الإصابات في الجبهة الداخليّة من خلال الدفاع الفاعل والمعالجة الصحيحة للسكان في مناطق القتال، بما في ذلك الاستعداد للإخلاء. وثمة هدف استراتيجيّ، وهو خلق وضع يعود فيه ميزان القوى بين السلطة الفلسطينية وحماس إلى وضعه الطبيعي، وإسرائيل تُدير مفاوضات مع الفلسطينيين من خلال السلطة”.
ونبّه في ختام تحليله، الذي اعتمد، كما أسلفنا على كبار المسؤوليين الأمنيين في تل أبيب، نبّه إلى أنّه “لا يُمكِن تحقيق هذه الأهداف لا في يوم ولا في يومين، فمنذ صَعَدَت حماس إلى الحكم في القطاع فضلّت إسرائيل حلولاً مريحة للمدى القصير، ولم تمتلك طول النفس اللازم كي تحقق نتائج أقل استقرارًا على المدى البعيد. اليوم أيضًا لا توجد حكومة لتتخذ قراراتٍ تسمح بمعركةٍ مع إنجازاتٍ ذات مغزى”، كما قال الخبير العسكريّ الإسرائيليّ في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة.
يُشار في هذا السياق إلى أنّ رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الأمن غانتس، في كلماتهما ليلة أمس، لم يتطرّقا بتاتًا إلى إمكانية إعادة احتلال غزّة أوْ نيّة الاحتلال بتصفية القادة السياسيين لتنظيمات المُقاومة في غزّة.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم