آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » بصمات مبدعة … محمد الماغوط… الأديب الأكثر سخرية والأكبر ألماً

بصمات مبدعة … محمد الماغوط… الأديب الأكثر سخرية والأكبر ألماً

في الثالث من نيسان عام 2006 توقف قلب محمد الماغوط عن النبض ويراعه عن الكتابة ولكن هذا الأديب الظاهرة لا يقاس وجوده المستمر في حياتنا بموته الفيزيولوجي بل بآثاره الخالدة التي كل ما عدنا لها وجدناها تحكي بلسان الحاضر.

نشأ محمد أحمد عيسى الماغوط في بيئة فقيرة وعند أسرة كادحة فولد في مدينة سلمية التي كانت قرية ريفية وقتها في قلب شتاء صقيعي يوم الثاني عشر من كانون الاول عام 1934 وكان والده فلاحاً يعمل أجيراً عند كبار الملاكين والإقطاعيين وأمل أن ابنه محمد سيساعده في المصروف إن تعلم في المدارس وصار موظفاً ولأجل ذلك أرسله إلى دمشق ليحصل على شهادة البكالوريا من ثانوية خرابو الزراعية.

ولكن محمدا تعرض لموقف هنالك جعله يهجر الدراسة بالمرة ذلك أن والده بعث برسالة للمدرسة يرجوهم فيها مساعدة ابنه لأنه فقير فعلقها مدير المدرسة على لوحة الإعلانات وأثارت سخرية الطلاب فكان رد فعل الماغوط في سن مبكرة يشي بأنفته ورفضه للإهانة فعاد ليعمل فلاحا أجيرا ويساعد والده.

لدى عودته إلى مسقط رأسه انتسب الماغوط إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وصار من أعضائه النشطين وكان يقضي جل أوقات فراغه في المطالعة وقراءة الصحف والمجلات الصادرة وقتها وفي خوض النقاشات السياسية والفكرية والادبية وكان أقصى طموحه أن يتزوج فتاة من أقربائه وأن يقضي بقية حياته في سلمية.

موهبة الماغوط الشعرية التي تفتقت في شبابه الباكر وذهبت به إلى اتجاه موغل في الحداثة وجدت طريقها إلى القراء لأول مرة عندما نشرت له مجلة الآداب اللبنانية قصيدة غادة يافا ما شجعه على المتابعة فأخذ يبحث عن منابر أخرى لقصائده فنشرت له مجلة الجندي خلال أدائه الخدمة العسكرية عدة قصائد منها لاجئة بين الرمال.

وشكل تعارفه على أدونيس نقطة مفصلية في مسيرته على صعد كافة ففتحت له مجلة شعر التي أسسها الأخير أبوابها وصارت تنشر له قصائده التي تعتبر من أولى تجارب قصيدة النثر ثم طبعت له ديوانه الأول حزنه في ضوء القمر.

ورغم تجربة الماغوط الكبيرة والرائدة في الشعر إلا أنه اعتبر تجربته تقتصر على الشعر الفكرة كما كان يسميه بمعنى أنه لم يكن يعول على الصياغة واللفظ والأسلوب وهو لم يتعلم الأوزان ولا العروض وكان يركز على المضمون.

تعرض الماغوط  في عقدي الخمسينيات والستينيات للاعتقال والسجن من جراء انتمائه السياسي ما ترك عنده أثراً لم يمح فهو من جهة اعتزل السياسة ولكنه تحول في أدبه من الرمزية والوجدانية إلى الالتزام المطلق بقضايا الإنسان والوطن والأمة والنقد اللاذع الذي لا يوفر أحداً بأسلوب تهكمي سوداوي.

وبعد أن ارتبط الماغوط بالشاعرة سنية صالح إثر قصة حب هادئة حظي باستقرار عاطفي وراحة نفسية فاخذ قلمه يتدفق بغزارة ونشط ككاتب وصحفي في دوريات وصحف سورية وعربية وترك بصمته عليها في مجلة الشرطة وجريدة تشرين والمستقبل اللبنانية والخليج الإمارتية.

طبع نتاج الماغوط في الستينيات والسبعينيات سمة التنوع والغزارة إذ سعى إلى أن يمزج الشعر بالمسرح بالرواية بالسيرة الذاتية كما في روايته الوحيدة الأرجوحة ولكنه كان دائما تهكميا ذا نبرة عالية من (المهرج) إلى سأخون وطني والفرح ليس مهنتي حتى في عمله التلفزيوني الأول مسلسل حكايا الليل الذي أخرجه الراحل غسان جبري سنة 1971 والذي كان عملاً ناقداً بامتياز وكان أول إرهاصات دراما اللوحات.

الماغوط الذي ارتبط بصداقات مع عدد من كبار الشعراء أمثال أدونيس ويوسف الخال وبدر شاكر السياب تعرف بعيد حرب تشرين التحريرية على الفنان الكبير دريد لحام في مقهى نقابة الفنانين بدمشق وهنالك تحدثا عن دور الفن في المرحلة الحالية وضرورة أن يشغل موقعا متقدما في معركة التغيير ومواجهة كل الظواهر السلبية ليكون هذا اللقاء إيذانا بتعاون فريد ومثمر استمر خمسة عشر عاماً.

كانت أولى المسرحيات التي كتبها الماغوط مع دريد (ضيعة تشرين) وظهر أن الاثنين يكملان بعضهما الأول بحسه الساخر والسوداوي وبنقده الجريء والثاني بميله للأجواء الاحتفالية والغنائية والرقص الشعبي ليصل عدد المسرحيات التي نفذاها مع بعضهما إلى أربع هي ضيعة تشرين وغربة وكاسك يا وطن وشقائق النعمان وهي ما تزال تحظى بنسب متابعة عالية وتعتبر من أيقونات المسرح العربي.

وانتقل تعاون الماغوط مع دريد إلى التلفزيون مع مسلسلي وادي المسك ووين الغلط وفي السينما مع فيلمي الحدود والتقرير الذي كتبه الماغوط منفرداً.

جاء عقد الثمانينيات صعبا للغاية على الماغوط فافتقد فيه كل أحبائه من شقيقته ووالدته ووالده لتكون وفاة سنية زوجته وام بنتيه بعد معاناة مع المرض هي الأشد إيلاما بالنسبة له فانكفأ إلى عزلة شديدة ولم يعد يشارك في نشاطات إلا نادرا وتوقف تعاونه مع دريد من جراء بعض الصحفيين الذين أوقعوا بين الطرفين ونقلاً على لسانهما كلاما يسيء لبعضهما.

غير أن عشاقه من الجيل الجديد الذين كانوا يرون فيه أستاذهم ومعلمهم كانوا الدافع الأكبر له ليعود إلى كتابته وليخرج من عزلته فأنجز في أعوامه العشرة الأخيرة العديد من الأعمال وكأنه يسابق الزمن فأخرج له الفنان جهاد سعد مسرحية خارج السرب سنة 2000 وصدرت له أربعة كتب هي سياف الزهور وشرق عدن وغرب الله والبدوي الاحمر واغتصاب كان وأخواتها والأخير قدم له وحرره الأديب خليل صويلح.

كان آخر عمل للماغوط ينفذ وهو حي مسلسل حكايا الليل والنهار إخراج الراحل علاء الدين كوكش وهو عبارة عن أفكار وضعها وصاغها الكاتبان عماد ياسين وكوليت بهنا.

وقبل رحيله بعام منح الماغوط وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة تقديراً لعطائه الأدبي المبدع حيث تلقاه هو والشاعر الراحل سليمان العيسى والأديب محمد وليد إخلاصي في احتفال احتضنته مكتبة الأسد الوطنية في الـ 2 من أيار 2005.

غير أن هذه الحفاوة الرسمية والأدبية بالماغوط لم تكن كافية حتى تجعل قلبه الكبير والمتعب يستمر بالنبض فتوفي عن 72 عاما كان فيها الأديب الأكثر سخرية والأكبر ألما من بين الأدباء العرب برمتهم.

سيرياهوم نيوز 6 – سانا

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...