آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » أين الخطر التركي على مياه العراق وسورية؟

أين الخطر التركي على مياه العراق وسورية؟

د.نجاح زيدان-فرنسا

وصل منسوب مياه نهر الفرات الى خمسة أمتار بعد أن أغلقت تركيا بوابات المياه الموجودة على أراضيها، مما أدى الى نقص في ري الاراضي الزراعية وتوليد الكهرباء. وكذلك تهديد أكثر من ثلاثة ملايين شخص بنقص مياه الشرب في الأراضي السورية . وقد تحول قسم من مجرى النهر الى أراض قاحلة نتيجة تراجع تدفق المياه. هذه ليست المرة الاولى التي تسبب سياسات تركيا المائية مثل هذه الازمات لسورية والعراق. قبل الدخول في تفاصيل هذه الأزمة، دعونا نلقي نظرة سريعة على واقع المياه في العالم : · تغطّي المياه ٧٠٪ من الكرة الأرضية إلا أن ٢٫٥٪ فقط منها عذبة وصالحة للاستعمال والباقي ٩٧٫٥٪ مالحة. · ٢٫٥٪ من المياه العذبة ليست كلها متاحة حيث أن ١٪ فقط ميسور الحصول عليه، اما الباقي فعصيٌّ على ذلك لأنه سجين مناطق مستحيلة الوصول اليها أو استغلالها مثل القمم الجليدية. · تبلغ المياه المستهلكة للشرب ٨٪ من المياه العذبة و ٩٢٪ للحياة الاقتصادية أهمها الزراعة باستهلاك نسبته ٦٩٪ وفي الدول النامية تصل هذه النسبة الى ٩٠٪. · ثمة دول مثل أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا تمكلك وفرة من المال ، خلافا لمناطق كثيرة من العالم مثل جنوب الصحراء الكبرى والمغرب والشرق الاوسط. · توجد تسع دول تملك ٦٠٪ من مخزون المياه العذبة في العالم هي : البرازيل- روسيا- أمريكا- كندا- الصين- أندونيسيا- الهند- كولومبيا- الكونغو. · حسب تقارير منظمة الصحة العالمية، فان ثلاثة مليارات نسمة عبر العالم سيعانون في العام ٢٠٢٥ من نقص في المياه. · لم يتم الاعتراف بحق المياه إلا في عام ٢٠١٠. من قبل منظمة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان وينص هذا الحق على: ” يتمثل حق الماء بالامداد الكافي والمتاح والميسور التكلفة من المياه الصالحة للشرب ذات الجودة المقبولة للاستخدامات الشخصية والمنزلية للجميع.” وكذلك نصّت معاهدة نيويورك ١٩٩٥ على استخدام المياه الدولية بشكل متساو ومعقول بحيث لايسبب الضرر للدول الاخرى المشتركة بالمجرى المائي. تركيا والمياه: لم تصدّق تركيا على هذه المعاهدة الدولية ولم تلتزم أيضا بالمعاهدات الثنائية مع جيرانها ، فنهرا الفرات ودجلة ينبعان من جبال طوروس في الاناضول وتتحكم أنقرة ب ٩٨٪ من الأول و ب ٤٥٪ من الثاني. يبلغ طول نهر الفرات ٢٧٨٠ كلم ونهر دجلة ١٩٠٠كم. ثلثا نهر الفرات يقعان في الاراضي العراقية و٦٥٠ كم في الاراضي السورية وتقريبا ٥٠٠ كم في تركيا. بينما قسم صغير من نهر دجلة ٣٢ كم في سورية وفي تركيا ٤٠٠ كم والجزء الاكبر من النهر في العراق ١٤١٨ كم. يساهم كل من نهري الفرات ودجلة بتدفق ما يزيد عن ٥٠ مليار متر مكعب في السنة من المياه العذبة ثم بدأ هذا المعدل بالتناقص اعتبارا من ١٩٧٤ عندما بنت تركيا سد كيبان وقُدّر المعدل في عام ٢٠١٨ ب ٤٧٫١٤مليار م٣ بينما في الفترة الممتدة ١٩٣٣-١٩٧١ قبل بناء السد وصل معدل تدفق المياه الى ٧٩٫٦ مليار م٣ في السنة. باشرت تركيا في بداية الثمانينات من القرن الماضي مشروع (GAP: Great Anatolie Project ) بتكلفة ٣٢ مليار دولار. يتضمن المشروع 13 مشروعا 7 منهم في حوض الفرات و6 في حوض دجلة. يتطلع المشروع الى بناء ٢٢ سدا و١٩ مركزا هيدروكهربائيا وذلك بغية ري ١٫٦٩ مليون هكتار وانتاج ٢٧ مليار ميغاواط. أكبر هذه السدود هو سد أتاتورك الذي انتهى العمل به عام ١٩٩٢ بسعة ٤٨ مليار م٣ ويعتبر خامس سد في العالم من حيث الحجم. مشروع GAP سيمنح تركيا السيطرة على ٩٥٪ من مياه الفرات و٥٠٪ من مياه دجلة وبذلك تتحكم بالامداد المائي لكل من سورية والعراق. لم تلتزم تركيا دولة المنبع بمعاهدة ١٩٩٥ لانها تعتبر أن مياه الفرات ودجلة مياه عابرة للحدود وليست مجرى مائيا دوليا كون النهران لا يشكلان حدودا فاصلة بين الدول الثلاث. بينما تعتبر كل من سورية والعراق العكس من ذلك. في العام ١٩٩٠صرح الرئيس التركي السابق توركت أوزال قائلا : ” لاتقبل تركيا بمشاركة مياه الفرات باعتبار الفرات نهرا تركيا”. وقال رئيس الوزراء التركي السابق سليمان ديميريل : ” يمكن لتركيا استخدام مياه الفرات ودجلة كما يحلو لها، فالمنابع المائية تعود لتركيا كما تعود منابع النفط للعرب”. الخطر المائي تستند تركيا الى ما تسمّيه “نظرية السيادة المطلقة الاقليمية” والتي تعطي المكسب لدول المنبع. بينما تدافع كل من سورية والعراق عن موقفهما ضد هذه النظرية بالاعتماد على السلامة الاقليمية بحيث يجب على دول المنبع ضمان تدفق ونوعية المياه التي تجري في أراضي بلاد المصب. هذه الاخيرة لها الحق في الوقوف ومنع السياسة المائية لبلد المنبع إذا كانت تلحق ضرراً بأراضيها. في العام ٢٠١٨ تم الانتهاء من بناء سد اليسو المتعلق بمشروع GAP والذي يقع على الحدود مع سوريا والعراق بقدرة ١٢٠٠ ميغاواط وهو ما سبب المزيد من الضرر للعراق الذي عرف في العام نفسه أكثر السنوات جفافاً منذ ثمانين عاماً، فقد وصل مستوى المياه في دجلة الى الهاوية ولاول مرة في ذاكرة الناس استطاعوا اجتياز النهر على أقدامهم وكذلك انخفض مستوى المياه في نهر الفرات الى حد غير معقول مما سبب ضررا في الزراعة في جنوب العراق. أدى تجفيف أهوار البصرة الى حرمان اعداد من الجاموس من غذائهم الاساسي من القصب الاخضر وحرمان السكان من صيد الاسماك. كذلك فأن صناعة القوارب التي تمتد أصولها لقرون انخفضت الى ثمانين بالمئة. في العام ١٩٨٧ تم الوصول الى اتفاق ثنائي بين سورية وتركيا ينص على أن تضمن تركيا تدفق المياه بمعدل ٥٠٠ متر مكعب بالثانية ولكن منذ مطلع هذا العام انخفض المعدل ليصل الى ٢٠٠ متر مكعب بالثانية مما أدى الى نقص في تشغيل سد تشرين وبالتالي نقص في انتاج الطاقة الكهربائية. واقتصر عمل عنفات توليد الطاقة الى عنفة واحدة فقط في كل من سدي تشرين والفرات. وهو ما تسبب في عدم تأمين الكهرباء لمناطق شرق سوريا، سوى لساعة واحدة . في حال تواصل الشح بهذا الشكل فإن سد الفرات سيتعطل بالكامل عن الخدمة المنطقة بأكملها مهددة بنقص المياه بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة ومعها زيادة التبخر ونقص الامطار واكثر الدول المهددة هي العراق وخاصة منطقة أهوار البصرة. من المعروف أن تركيا تسعى منذ سنوات لتوسيع نفوذها واستعادة أوهام الأمبراطورية العثمانية، وهي تُدرك أن للمياه دورا كبيرا في التأثير على الجوار والتحكم به، اضافة الى المناطق التي تسعى الى تتريكها عبر فرض اللغة التركية وغيرها داخل سورية. والمعروف أيضا أن المياه ستكون أحد أبرز أسباب حروب المستقبل في العالم، فهل يصحو العرب على هذه الكارثة قبل فوات الأوان، أوليس من الأجدر بهم حاليا التضامن مع سورية والعراق ومصر والسودان وغيرها من الدول المُهددة مائيا بأطماع الجوار؟

(سيرياهوم نيوز-موقع 5نجوم17-5-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مسيرات اليمن في 460 ساحة.. تحت شعار “مع غزة ولبنان.. دماء الشهداء تصنع النصر”

  خرجت مسيرات حاشدة، اليوم الجمعة، في محافظات صعدة ورَيْمَة ومأرب وعدد من مديريات محافظات عَمْران وإب وتعز وحَجَّة وذَمَار والجوف والمَحْوِيت نصرة للشعبين الفلسطيني ...