آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » القطاع العام في مرحلة ما بعد الحرب: رافعة اقتصادية واستمراره ضرورة أكدتها ظروف المرحلة

القطاع العام في مرحلة ما بعد الحرب: رافعة اقتصادية واستمراره ضرورة أكدتها ظروف المرحلة

 محمود ديبو:

من خلال السياق التاريخي لتطور البلدان يعد القطاع العام من أهم القطاعات الحيوية والمهمة التي تأخذ على عاتقها خدمة المجتمع، لأنه يهدف إلى تحقيق أقصى المنافع الممكنة للسكان وبأقل التكاليف الممكنة. لذلك كان وجود القطاع العام في المجتمعات ضرورة قصوى، وخصوصاً عندما يتبنى القطاع العام كافة المشاريع الحيوية الهامة واللصيقة بحياة السكان.

وتندرج تحت تسمية القطاع العام جميع المنشآت والشركات والمؤسسات التي تتولى إنتاج السلع والخدمات، وتعود ملكيتها للدولة بصفتها متدخلة في الحياة الاقتصادية. فالقطاع العام ظاهرة اجتماعية اقتصادية موضوعية ولدت مع ولادة الدولة وتستمر معها بغض النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم.

مشكلة القطاع العام..

يقول الدكتور أحمد أديب أحمد، أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين: إن أهمية القطاع العام تتمثل في أن مؤسساته لا تهدف دائماً إلى الربح، بل غالباً ما تكون مدعومة من قبل الحكومة دعماً مباشراً بعيداً عن الاستغلال، وقد أثبتت الظروف والوقائع أن الحاجة للقطاع العام في سورية أصبحت أكثر أهمية، خاصة بعد الحرب العدوانية الإرهابية التي شنت على البلد منذ أكثر من عشر سنوات، وسعت إلى تدمير البنى التحتية ومؤسسات الدولة، وذلك لأن القطاع العام أثبت خلال الفترة السابقة للحرب- وخاصة في مرحلة ما بعد الثمانينيات- كفاءته في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى الأمام، ورفع وتائر التطور ودعمها، رغم الفساد والروتين والبيروقراطية التي طالت جسم القطاع العام.

أسئلة برسم المعنيين..
وإذا كانت المشكلة- حسب تعبير الدكتور أحمد – هي الهوة الكبيرة بين ما هو منوط بالقطاع العام وما هو متحقق على أرض الواقع، فإن هذا يدعو للتساؤل والبحث والتحليل: لماذا هذا الواقع المتردّي للقطاع العام؟ ولماذا تخطئ مؤسساته في بلوغ أهدافها المرسومة؟ ولماذا تتكبد هذه المؤسسات خسائر فادحة رغم دعم الحكومة لها؟ وما هو السبب في هذا الأمر؟ وكيف يمكننا مناقشته والتوصل إلى الحلول؟
نجاح القطاع العام بيد القائمين عليه
يضيف د. أحمد قائلاً: إن المشكلة في الحقيقة ليست بالقطاع العام ككيان اعتباري، بل بالمدير المتسلط والموظف الضعيف والروتين القاتل والبيروقراطية المدمرة والفساد المستشري، علماً أن المواطن عندما يدافع عن حقه وكرامته، لا يستطيع أكبر فاسد أن يأكل حقه أو يمتهن كرامته، وهذا يعني أن نجاح القطاع العام بيد القائمين عليه، كما أن بيدهم فشله، لذلك يجب على الفريق الاقتصادي السوري أن يقف على هذه المشكلات ويسعى لمعالجتها بدلاً من الهروب بالدعوة- بشكل مباشر أو غير مباشر- لخصخصة مؤسسات القطاع العام التي لا طائل منها، والمدمرة لاقتصاد البلدان النامية- خاصة الخارجة من الحروب- لأن الخصخصة تعزز التبعية لرؤوس الأموال الخاصة والدول الكبرى المهيمنة على اقتصاد العالم، وهذا الطريق للأسف- أي الخصخصة- فتحت لها الطريق إجراءات حكومية سابقة قبل أكثر من عشر سنوات الأمر الذي أساء لمسيرة عمل الاقتصاد السوري ككل.

نشوء القطاع العام في سورية..

وقد جاء في دستور الجمهورية العربية السورية لعام 1973 أن الاقتصاد السوري، اقتصاد اشتراكي مخطط، يهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال، ويتكون من ثلاثة نماذج للملكية هي: ملكية الشعب، ملكية جماعية، ملكية فردية.

ويتابع أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين قائلاً: منذ استقلال سورية لم تتغير طبيعة الاقتصاد السوري الذي بقي متميزاً بالطابع الزراعي التجاري، ولكن تلك المرحلة اتصفت بالنزعة الإقطاعية- التجارية، حيث سيطر مُلاك الأراضي على أجهزة الدولة ومؤسساتها، وصاغوا القوانين والأنظمة لتأمين مصالحهم الخاصة، ولم يستطيعوا نقل المجتمع السوري إلى مجتمع صناعي كما كان الحال في أوروبا، لأنهم مقلِّدون وليسوا مبدعين، وقد أطلقت عليهم تسمية (البورجوازية الوطنية) ليس لأنهم وطنيون، بل لأنهم محليون.
مرحلة الاقتصاد المخطط
ثم تحولت السياسة الاقتصادية إلى سياسة لا رأسمالية بعد ثورة الثامن من آذار، واعتمدت على القطاع العام والقطاع التعاوني. وتميز الاقتصاد السوري منذ ذلك الحين بأنه اقتصاد مخطط بعد أن تمت مصادرة الأراضي الزائدة عن حدود الملكية وتوزيعها على الفلاحين غير المالكين، وضُرب بذلك نفوذ الإقطاع، وانتهت سيطرة مُلاك الأراضي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقامت الدولة بتأميم البنوك وشركات التأمين، فقويت الدولة وسيطرت على كل مفاصل الاقتصاد.
مرحلة التعددية الاقتصادية..
ثم تم اعتماد التخطيط الشامل والتعددية الاقتصادية، وتم الإقرار بوجود قطاع عام تملكه الدولة باسم الشعب، وقطاع خاص يملكه الأفراد بشكل شركات ومنشآت صناعية وتجارية وخدمية، وقطاع مشترك بين القطاعين العام والخاص، وقطاع تعاوني يمكن اعتباره قطاعاً خاصاً جماعياً. وركزت الدولة في خطط التنمية على إعطاء القطاع العام صفة القطاع القائد والرائد للاقتصاد الوطني

البورجوازية الحالية..
ويرد الدكتور أحمد أديب أحمد قائلاً: هناك مَن يستهجن دعوتنا لتأميم أملاك أصحاب رؤوس الأموال وتجار الأزمة، وذلك لعدم ثقته بالقطاع العام، لكننا نؤكد أن تلك البورجوازية السابقة المقلدة عادت للظهور بهيئة تجار أزمات سيطروا خلال الحرب على القرار الاقتصادي وامتهنوه، حتى صارت القرارات تصاغ على مقاس مصالحهم وتنمية رؤوس أموالهم، في مقابل محاولة تدمير كل القوى العاملة في القطاع العام، وصولاً إلى محاولة تدمير كيان الدولة ومؤسساتها.

سؤال مشروع..
وهناك الكثيرون الذين ينادون بالتغيير، ولكنهم يستنكرون دعوتنا لإحياء القطاع العام وتقويته، وهنا نطرح عليهم التساؤل الآتي: أيهما أرحم قطاع عام يمكن إصلاحه وتقويته أو تاجر لا نستطيع السيطرة عليه؟

الإصلاح ممكن..
إن فساد القطاع العام يمكن إصلاحه بالقانون الصارم، خاصة من خلال الأتمتة التي يعمل السيد الرئيس بشار الأسد على إدخالها في كل مفاصل الدولة، لكن حكم التاجر لا يمكن السيطرة عليه، إذ أثبتت التجربة خلال فترة الحرب العدوانية على سورية أن بعض أصحاب العمل الخاص (تجار) والإرهابي وجهان لعملة واحدة.

الخصخصة ليست حلاً..
ورداً على سؤالنا: هل الخصخصة التي يتم الترويج لها اليوم هي الحل؟ أجاب الدكتور أحمد أديب أحمد قائلاً: كان من أهم مظاهر توجهات التنمية المعاصرة في الدول النامية هو خصخصة القطاع العام الذي كان قد لعب دوراً هاماً في المراحل الأولى للتنمية بعد استقلال معظم بلدان العالم الثالث، خصوصاً تلك التي اتبعت منهج التنمية اللارأسمالية.
لكن في الوقت الحاضر ثبت أن هناك صعوبات واجهتها تلك البلدان في عدم قدرتها على الصمود في وجه الدول الكبرى التي توجه دوماً إصبع الاتهام إلى شكل الملكية العامة السائدة في البلدان النامية، مستخدمة كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لبث دعايتها الرأسمالية وتأكيد التهم الموجهة للقطاع العام وتضخيمها، ونشر الإشاعات التي تدفع بالدول بمختلف السبل والوسائل- ترغيباً أو ترهيباً- لبيع الملكيات العامة وتحويلها إلى ملكيات خاصة، وهذا ما سمي بعملية الخصخصة.

أشكال الخصخصة..
علماً أن الخصخصة لها أشكال متعددة قد تكون إجراءات نقل ملكية كاملة أو جزئية، وإن كان البعض يؤيدها لأنها تقلل- حسب ادعائه- من الخسائر الناتجة عن دعم مؤسسات القطاع العام الفاشلة، إلا أنها في الحقيقة قضت على الطبقات المتوسطة في كل الدول التي طبقت فيها، فلم تكن حلاً لمشكلة القطاع العام بقدر ما كانت مدمرة للمجتمعات الفقيرة، فتخلف إدارة القطاع العام والهدر الكبير في الطاقات والموارد الوطنية لا يعالج- وفق رأينا- بالخصخصة، بل يتطلب تنمية متسارعة ذات إدارة حكيمة اقتصادياً لتجاوز الفجوات، خاصة أن المؤيدين للخصخصة الذين يطرحون فكرة تصفية القطاع العام وتحويل إدارته إلى إدارة خاصة عن طريق نقل الملكيات من القطاع العام إلى الخاص، هم أصلاً من أصحاب رؤوس الأموال التي تعود أصولهم للبورجوازية المحلية التقليدية، يضاف إليهم مؤخراً محدثو النعمة من تجار الأزمات.

حلول لإصلاح القطاع العام..
وطرح أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين مجموعة من الحلول لإصلاح القطاع العام، أهمها ‌وضع الشخص المناسب في المكان المناسب من خلال شغل المناصب الإدارية من قبل الإنسان المناسب علمياً واجتماعياً، وليس على أساس المحسوبيات والواسطة.
ووضع نظام جيد للحوافز يشجع العمال على

4.jpg

الاهتمام أكثر، وربط الأجر بالإنتاج.
و‌محاولة الحد من الروتين والبيروقراطية المسيطرة على كل ما يتعلق بالقطاع العام.
والعمل على تحسين المستوى التكنولوجي والتقني من خلال تزويد القطاع العام بآلات جديدة، وإدخال تقنية الحاسب بشكل مدروس وليس بشكل اعتباطي (للعب الورق والسوليتير).
ومراقبة الجودة على المنتجات، مع لحظ مسألة أن يحق للمؤسسة التصرف بالأرباح والفوائض المتحققة لها من أجل دعم هيكلها الإنتاجي.
وتوفير القطع الأجنبي اللازم لتشغيل منشآت القطاع العام بأكمل طاقاتها.
و‌القيام بدراسات تسويقية لأوضاع السوق المحلية والعالمية من أجل ربط كمية بالإنتاج بكمية المبيعات المتوقعة، وبالتالي تجنب حالات الكساد.
و‌تنظيم عمليات الرقابة، والاهتمام بالرقابة على تحقيق الأهداف المخططة وليس على تنفيذ القوانين واللوائح بشكل إداري روتيني.
و‌إتاحة الفرصة أمام كل مؤسسة بوضع الخطة التي تراها مناسبة وفقاً لقدراتها الإنتاجية وسعة سوق تصريفها، بدل أن تجبر على تنفيذ الخطط المركزية.

الترميم غير ممكن..
وختم الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد أديب أحمد بقوله: لا يمكن تصحيح الواقع على حاله فهذا ليس إصلاحاً بل مماطلة، إذ لا يمكن ترميم بناء أساسه غير صالح وغير متين، فلكي تقوم بالتصحيح عليك أن تهدم الواقع الذي يحكمه التجار، ومن ثم تبني مكانه واقعاً يحكمه الشعب.

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تحديد سعر طن الذرة الصفراء بمبالغ مقاربة للأسواق المحلية … شباط لـ«الوطن»: لا نستطع رفع الأسعار لكي نتمكن من التصريف.. والفلاح مخيّر بيننا وبين القطاع الخاص

أكد مدير المؤسسة العامة للأعلاف عبد الكريم شباط، أن المؤسسة حددت سعر الطن الواحد من مادة الذرة الصفراء المحلية المجففة طبيعياً ضمن المواصفات العالمية «دوكمة» ...