سامي كليب :
” نحن أمة مهذّبة،تأملات في السياسة الخارجية الروسية”، تحت هذا العنوان كتب وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف رؤية شاملة ودقيقة للدبلوماسية الروسية الحالية في العالم، منتقدا بشدة قلب الأنظمة بالقوة، ومتهما الغرب بمساعدة او غض الطرف عن داعش والنصرة، ومتهما أيضا تركيا بتمرير مقاتلي التنظيمين ” الارهابيين” ، ومقدّما رواية لافتة عن الوضعين السوري والعراقي حيث يربطهما ربطا وثيقا، بما في ذلك نظرة موسكو للعلاقة مع الرئيس السوري بشار الأسد ومستقبله على رأس السلطة. الكتاب الذي صدر بلغته الروسية ثم الانكليزية في العام 1920، صار حاليا باللغة العربية في مكتبات كثيرة ( والبعض ترجم العنوان ب نحن شعب مهذّب) ، وفيه اضافة الى ما تقدم، شرح تحليلي لواقع ومستقبل التوازنات الدولية، وقلق لافت على المسيحية وعلى مسيحيي الشرق والذين يعلّق لافروف أهمية لافتة عليهم. أخترت لكم أبرز المقاطع وانشرها كما هي : في محاولة للحفاظ على هيمنتهم، تصرّف شركاؤنا الغربيون للأسف بإسلوب أخرق في العراق ، وتحت ذرائع كاذبة، ثم أطاحوا بالرئيس العراقي صدام حسين، ولم يكن هناك إرهاب ولا داعش في عهده، وظهرت داعش بعد الغزو الأميركي للعراق ، وقد إعترف مؤخرا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأن داعش نشأت بعد التدخل في العام 2003 . أرادوا إعادة تشكيل العراق وفقا لاعتقاداتهم، فنقلوا حميع المهام الى الأغلبية الشيعية، ثم طردوا السنّة من الجيش والأجهزة الأمنية والشرطة ومن جميع مؤسسات إنفاذ القانون وكان معظم المطرودين يمتلكون قيادة ممتازة للأسلحة ولا يعرفون شيئا آخر، لهذا فإن العامود الفقري لداعش هم الضباط السابقون في جيش صدام حسين الذين لا علاقة لهم بالايديولوجيا الاسلامية والراديكالية والتطرف. شركاؤنا الغربيون أرداوا في العراق إيصال الشيعة الى السلطة من أجل الإطاحة بالسنة،وهم يحاولون في سوريا الإطاحة ببشار الأسد من أجل جلب السنة الى السلطة. بينما سورية لا تتكون من المسلمين الشيعة والسنة فقط، وانما هي مهد المسيحية. ان الوضع في سورية والعراق مترابط، ففي كلتا الحالتين، نحن نتعامل مع عواقب ما يُسمى بتصدير الديمقراطية والتدخل الخارجي من أجل القضاء على الأنظمة غير المرغوب فيها. إن عدد المسيحيين يتضاءل بصورة سريعة في سورية والعراق. إننا قلقون للغاية من خروج المسيحيين، وهذا يقنعني مرة أخرى بأن القيم الحالية التي يتم تصديرها من أوروبا هي قيم ما بعد المسيحية، وقد تم التركيز على الإطاحة بما يسمى الأنظمة الاستبدادية التي لا تنسجم مع مفهوم وفئات المصافحين والخاضعين للفلسفة الليبرالية. إن أوروبا التي رفضت ان تشير في دساتيرها الى جذورها المسيحية لا تهتم بالمسيحيين، وإن اعتقادي الراسخ هو أنه بمجرد نسيان جذورك الأخلقية والروحية فأنك ستصبح قريبا غير مبال بالجذور الروحية والقيم الأخلاقية للآخرين. الأسد والمعارضة على الرغم من أن الجميع قد أدركوا بأنه لن تكون هناك عملية سياسية بدون بشّار الأسد، وإن قرار مجلس الأمن والقرارات التي اتُّخذت بشأن سورية منذ العام 2012، بمشاركتنا الفعّالة والإستباقية، لا تحتوي على أي طلب أو تلميح بأن الرئيس الأسد يجب أن يرحل، بل على العكس من ذلك، فقد قيل بأن الشعب السوري وحده هو الذي يقرر مصيره، وان العملية السياسية يجب أن تكون شاملة لجميع قوى المجتمع السوري، دون استثناء عرقيا وسياسيا وطائفيا وكذلك أطياف المعارضة، على الرغم من ذلك فكلما كنت التقي وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان يسألني عمّا يجب القيام به، فاذكّرُه بخطواتنا، ومنها حين اعتمدنا مع وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في حزيران/يونيو 2012 وكذلك مع الأوروبيين والصينيين والعرب والأتراك بيان جنيف، لكن الأميركيين رفضوه الاقتراحات في مجلس الأمن لأنه لم يُذكر فيها بانه ينبغي على الرئيس السوري التنحي والا ستكون عقوبات عليه.. سألتُ :” اين مكتوب ذلك، لقد جلسنا في جنيف لمدة 7 ساعات ولم نذكر شيئا عن هذا ” وخلال المناقشات سألت جون كيري أيضا :” لماذا ترتكبون الخطأ مرتين، في العراق عام 2003 والآن في سورية بعد ليبيا، فأجابني بأنه في خلال غزو العراق كان سيناتورا وقد صوّت ضد الغزو، أنه أمر جيد اذاً، وباراك أوباما كان أيضا ضد ذلك في حينه، لكن ليبيا في خلال حكم كلينتون كانت خطأ ايضا، لقد انتهكوا وثيقة مجلس الأمن، التي كانت تهدف فقط الى أغلاق السماء وعدم السماح للطائرات الليبية بالطيران، لكنهم قصفوا وقتلوا العقيد معمر القذافي بوحشية، والآن هناك أرهابيون كثيرون في ليبيا، ومن هناك يتدفّق المقاتلون، والأسلحة، التي تصل أيضا الى جمهورية مالي وجمهورية افريقيا الوسطى وتشاد..” لم تقترح روسيا على الرئيس الأسد التنحّي، لقد قرأت الشائعات حول أن المرحوم رئيس مديرية المخابرات العامة في ههيئة الأركان العام للقوات المسلّحة الروسية، ايغور سرغون، سافر الى دمشق واقترح على الرئيس السوري التنحي، هذا غير صحيح البتّة. فهذا الحديث مع الأسد لم يكن ضروريا وهو كان يتحادث مع الرئيس فلاديمير بوتين مباشرة . كشف رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين ماهية اتفاقه مع الرئيس السوري، فهو أعلن مرارا وتكرارا، بأن الرئيس الأسد وافق على محادثات مع المعارضة بما فيها المسلّحة، ووافق على تشكيل أوسع جبهة من الجيش السوري ووحداته ووحدات المعارضة الوطنية لمكافحة الارهاب على الأرض، والذين سيكونون مستعدين لمحاربة داعش والنصرة. كذلك إتفق الرئيسان على أن الرئيس بشار الأسد، وفي سياق العملية السياسية التي سيُرسل اليها وفدا، سيكون مستعدّا للنظر في الصلاحيات السياسية، والتي أدرجت في المحصّلة النهائية في قرارات مجموعة فيينا وقرار مجلس الأمن 2254، لذلك نؤكد أنه لم يطلب أي شخص ( الأسد) اللجوء السياسي ولم يقترح أي شخص مثل هذا الأمر. في جميع قرارت الأمم المتحدة التي اتُّخذت بالإجماع في السنوات الأخيرة، ثمة نصوص واضحة تقول ان السوريين وحدهم هم المخولون بتحديد مصير بلدهم في اطار الحوار الشامل وبمشاركة جميع الجماعات العرقية والطائفية والسياسية في هذه الدولة، وان جميع الأطراف الخارجية بما فيها روسيا وأميركا وبلدان المنطقة، هي وفقا لقرارات الأمم المتحدة، مدعوة الى تهيئة جميع الظروف لمثل هذا الحوار الشامل وقد حقّقنا ذلك تماما. نحن نقول ان الحل المثالي بالنسبة لسورية والعراق وليبيا هو بالاتحاد وتدمير الارهابيين وتنظيم انتخابات حرّة، ومن ثم ترك هذه الدول وشأنها، لكن شركاءنا يقولون ( وهو ما قاله لنا مثلا وزير الخارجية الاميركي جون كيري) أنهم يمكن ان يتحدوا معنا في ضرب الارهاب، لكن قبل ذلك يحب الاتفاق على اننا سنزيح الرئيس بشار الأسد، ونحن نسألهم : لماذا؟ فيجيبون: إنه دكتاتور وان 80 بالمئة من السكان لا يقبلون به ويقفون ضده، فنقترح عليهم تنظيم الكفاح سريعا ضد الارهاب وتنظيم انتخابات حرة على الفور ولندع هؤلاء ال 80 بالمئة يزيحون رئيسهم بطريقة ديمقراطية خلال التصويت، فيقولون لنا ان هذا يأخذ وقتا طويلا، ويجب القيام بذلك الآن، لماذا؟ لا أحد يعلم. سالنا شركاءنا من سيكون بديلا عن الرئيس السوري بشّار الأسد، ومن يضمن الآن بأنكم لن تطيحوا به بطريقة ما، ولن يحدث الشيء نفسه الذي حدث في ليبيا، حيث هناك زعيم استبدادي لم يكن محبوبا، ولكن في خلال ولايته لم يكن هناك ارهابيون على الإطلاق؟ صحيح أنه فرض نظاما صارما، ولكن الليبيين ازدهروا اقتصاديا واجتماعيا، فكان هناك بنزين شبه مجّاني، ودراسة مجّانية في أي مؤسسة تعليمية، وكان لديهم الكثير من المال والشعب قليل والنفط كثير، فتمت ازالته. لقد أصبحت ليبيا مرتعا للارهاب، وبلدا يمر عبره المسلحون والاسلحة جنوبا الى افريقيا والى الشمال، هم الذين يقلقون اوروبا والان الجميع يعاني، لأن ليبيا الموحدة ما عادت موحّدة . إن العراق وليبيا وسوريا لم ينكسروا، وعند الأميركيين حكمة تقول :” ان لم يكن الشيء مكسورا فلا تصلحه”، هذه الدول بدأت بالاصلاح، ويقول الأوروبيون انه من اجل حل مشكلة النازحين واللاجئين ووقف تدفقهم فمن الضروري استعادة النظام في هذه الدول، واعتقد انه في كل مكان وجد تدّخل أو محاولات لذلك، وكانت قوية ووقحة، سيكون من الممكن من خلال الحوار ومن خلال اشراك قادة هذه الدول في المحادثات أن يتحولوا بشكل أو بآخر الى شركاء . لقد اعتاد شركاؤنا الأوروبيون حل مشكلات هذه المجتمعات بالطريقة التي اعتادوا العيش بها هم انفسهم، ويعتقدون أن الجميع يجب أن يعيشوا هكذا. وبحسب تقاليد تعود الى قرون غابرة، فان أصدقاءنا الانجلوسكسونيين يقومون بتحديد من هو البلد :” ذو السمعة الحسنة” ومن هو ” المنبوذ” ، وهم يشعرون، بانه حين يصبح العالم متعدد الأقطاب، فانهم يفقدون القدرة على تقدير الآخرين، وهذا سؤال فلسفي، ونحن نتعامل معه بصبر، ولكن الأمر بالنسبة لهم مؤلف للاسف. هذا غيضٌ من فيض الاسرار والتحليلات والرؤى الإستراتيجية التي يقدّمها سيرغي لافروف في كتابه المهم وهو يشرح فيه أيضا بالتفصيل كيف كان يهب الأميركيون ضد روسيا حين تقصف الارهابيين بذريعة انها تطال أيضا المعارضة المعتدلة، ويقول كنا نطلب منهم فصلها عن الارهابيين ونطلب أيضا ان تعطينا أماكنهم لكن نجنبهم ذلك لكن الاميركيين لا يفعلون. الكتاب ممتاز لفهم السياسة الخارجية الروسية بقلم أحد أكثر الدبلوماسيين الروسي حنكة وثقافة وذكاء في تاريخ روسيا، فمن خلاله نكون نظرة عميقة للأوضاع الراهنة أو للمستقبل ورؤية موسكو لها ، لكن المؤسف هو ان الترجمة العربية للكتاب والصادرة عن دار الرافدين في بيروت، زاخرة بالأخطاء وتراكيب الجمل والقواعد والإملاء، حبّذا لو يصار الى تصحيح كل ذلك في نسخة منقّحة خصوصا ان بعض الجمل تبدو وكأنها منقولة بشكلها الأصلي عن الانكليزية او الروسية دون مواءمتها مع اللغة العربية، فيصعب فهمها.
(سيرياهوم نيوز-لعبة الامم7-6-2021)