نعم بكى الفلاح عند نفوق بقرته … فالأبقار معيلة الفقراء في قرانا .. و بسقوطها ينقطع أسباب رزق المربي ورزق أسرته .. فضلاً عن أن قيمتها النقدية تتجاوز المليون ونصف المليون ليرة سورية وهو مبلغ ضخم بالنسبة لعائلة فلاحية فقيرة ، كما تعتبر الأبقار أصولاً ومدّخراتٍ ثمينة ، حيث تعمل كخزان للثروة وتستخدم كضماناتٍ للقروض وكشبكة أمانٍ أساسية في أوقات الأزمات.
هذا ما صرح به المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الإنتاج الحيواني لصحيفة تشرين اليوم وأضاف : الأبقار وحدات إنتاج اقتصادية حيث تخلق كل بقرة حلوب 4-6 فرص عمل بدوام كامل ، كما أنها مورد مستمر للدخل للأسر الريفية وللمشاريع الكبيرة ، وما لا يقل عن 85 % من مربي الأبقار (هم من أفقر الفقراء في سورية )، وهم يمثّلون 80% من مجمل المربين في البلاد . ويتميزون بصغر حجم الحيازة من الأبقار، أي يملكون بين بقرة واحدة و10 أبقار فقط .
والثروة البقرية تنهض بأدوار مهمة في إنتاج الغذاء وتوليد الدخل ، كما تؤدي وظائف أخرى مهمة في مجالات غير مجال إنتاج الأغذية . كالنقل والفلاحة وتوفير الأسمدة العضوية والجلود والعظام.
وقال قرنفلة : تشير البيانات الإحصائية إلى تبدل أعداد الأبقار في سورية من 1.168 مليون رأس عام 2007 إلى حوالي 1.090 مليون رأس عام 2018 وفق قاعدة بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة كما تبدل إنتاجها من الحليب من 1706 ألف طن عام 2007 إلى 1772 ألف طن عام 2018 وفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء.
مبادرات حكومية لتنمية قطاع الأبقار :
وحول الجهود الحكومية في هذا الإطار قال قرنفلة :
أبدت الحكومات السورية المتعاقبة اهتماماً بقطاع تربية الأبقار نظراً للأدوار المتعددة التي يلعبها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وفي مجال توفير الأمن الغذائي للبلاد ، حيث قامت بتشجيع إنشاء مراكز تربية الأبقار ونفذت برامج التحسين الوراثي للأبقار المحلية وأقامت مراكز لتربية ثيران التلقيح وعملت على تحديث طرائق التربية والتغذية والرعاية وقامت بإنشاء مختبرات بيطرية حديثة ومخابر لإنتاج اللقاحات اللازمة لتحصين الثروة الحيوانية ، وشجعت إقامة مصانع الأدوية البيطرية الخاصة وأحدثت مؤسسة مختصة بتربية الأبقار لعبت دوراً تثقيفياً وتعليمياً للإخوة الفلاحين في مجال تربية الأبقار الحلوب كما قامت كليات الهندسة الزراعية وكليات الطب البيطري التي وسعتها الحكومة بتخريج متخصصين في هذا المجال إضافة إلى توزيع مقننات علفية بأسعار مدعومة . ومن جانب آخر قامت الحكومة بتيسير الحصول على قروض بناء منشآت تربية البقر وتمويل عمليات شراء الأبقار إضافة إلى حزمة من الإجراءات التي تهدف بمجملها إلى تعزيز إنتاج الأبقار من الحليب واللحم وقد تم تتويج تلك الإجراءات بصدور المرسوم رقم 30 لعام 2015 القاضي بإعفاء الأبقار المستوردة بقصد التربية من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى لمدة سنتين ، بهدف تعزيز إعادة بناء وتكوين قطيع الثروة البقرية وزيادة إنتاج الحليب ، بعد أن تعرض القطيع المحلي لتدهور شديد من حيث العدد والإنتاج بفعل الأحداث الجارية في البلاد ، كما صدر مرسومان جمهوريان بإعفاء قطاع تربية الأبقار من ضرائب الدخل لفترة خمس سنوات لكل منهما فضلاً عن عدد من الإجراءات التي تهدف في النهاية إلى زيادة عدد القطيع البقري وزيادة الإنتاج من البقرة الواحدة .
الأوبئة الحيوانية تبدد الجهود الحكومية وتقهر الفلاح
وعن تأثير انتشار الأوبئة والأمراض الحيوانية السارية والمعدية والتي تسبب نفوق الأبقار أضاف قرنفلة : إن تلك الأمراض تشكل ضربة قاسية تطيح بالجهود الحكومية التي تسعى لزيادة عدد القطيع وترميم ما تم فقده خلال سنوات الأزمة ، كما أنها مصيبة كبيرة تحل بالمربي تقهره من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية .وفي الأشهر الأخيرة تعالت أصوات مربي الأبقار وخاصة في المنطقة الساحلية عقب حدوث موجات نفوق بين أبقارهم نتيجة مرض اصطلحوا على تسميته بجدري الأبقار ، وتنتشر تربية الأبقار في محافظتي طرطوس التي تضم /31928/ رأساً من البقر ومحافظة اللاذقية التي يقدر عدد الأبقار فيها بحوالي /30000/ رأس . وتساعد طبيعة المنطقة الساحلية بما فيها الغطاء النباتي والرطوبة العالمية والمسطحات المائية على تكاثر الحشرات التي تعتبر الناقل الأساسي لمسبب المرض وبالتالي حدوث العدوى .
وأوضح قرنفلة أن البيانات المتاحة تشير إلى إصابة حوالي 314 رأساً في محافظة طرطوس منها 145 تماثلت للشفاء و120 قيد العلاج ونفوق حوالي 20 رأساً حتى الشهر الماضي ، وأشار أطباء بيطريون إلى أن النفوق حدث عند الأبقار الهزيلة التي لا تستطيع مقاومة المرض بينما فرصة الشفاء كبيرة للأبقار ذات المناعة الجيدة التي تتغذى بشكل جيد ، وفي اللاذقية أكدت مصادر مديرية الزراعة أن المعدل العلميللإصابات الطبيعية يتراوح ما بين 5 – 15 % من إجمالي القطيع وقد يصل في بعض الأحيان حتى 50 % حسب العامل الناقل للعدوى. وأضافت تلك المصادر إلى وجود تهويل في أرقام نفوق الأبقار من قبل المربين, فمثلاً في 8 قرى في اللاذقية التي تصل فيها عدد الحيازة إلى 1160 كانت أعداد الإصابة فيها 103 وعدد النفوق 23 حالة أي بلغت نسبة الإصابة 8.7 ونسبة النفوق العامة 1.98. وأكدت أن المرض لا يزال تحت السيطرة، ونسبة شفاء الأبقار عالية وتصل حتى 70 % مقابل نفوق 100 رأس فقط منها عدد من الأبقار المصابة تم بيعه للذبح من قبل المربين خشية النفوق .
اتهامات فلاحية ونفي حكومي
منذ بداية ظهور المرض توجهت أصابع مربي الأبقار إلى وزارة الزراعة لاسيما أن المرض تصادف ظهوره بعد فترة وجيزة من قيام السلطات البيطرية بتحصين القطيع البقري ضد مرض الحمى القلاعية وتزامنت هذه الحملة مع فترة نشاط الحشرات الناقلة لمسبب مرض التهاب الجلد العقدي ، ما أثار مخاوف بعض المربين وقاموا بالربط بين عملية التحصين والإصابة بمرض التهاب الجلد العقدي ، وقد أصابت الفلاحين حالة من الخوف والذعر وجعلتهم يمتنعون عن تلقيح أبقارهم وتحصينها ضد مرض التهاب الجلد العقدي وخاصة أن أغلب الفلاحين قد ماتت أبقاره بعد تلقيحها ضد الحمى القلاعية رغم عدم وجود رابط بين ذلك اللقاح وحالات النفوق التي نتجت عن الإصابة بالتهاب الجلد العقدي ، ما جعلهم يتكهنون بفساد صلاحية اللقاح أو عدم كفاءته ، بينما نفى مصدر مسؤول في اتحاد الفلاحين نفياً قاطعاً أن يكون اللقاح هو السبب في نفوق الأبقار.
مصادر بيطرية أكدت أن اللقاحات التي تستخدمها في تحصين الأبقار هي من أفضل أنواع اللقاحات في العالم وتخضع لاختبارات مستمرة ، إلا أن المشكلة الأساسية في انتشار هذا المرض تكمن في تقصير المربين في موضوع نظافة أبقارهم ومكافحة الحشرات ، إضافة لعدم تطبيق الشروط والتدابير الصحية البيطرية الواجب اتخاذها وعدم تعاونهم مع السلطات الصحية البيطرية من ناحية التبليغ والحجر والتخلص من جثث الحيوانات النافقة ما زاد رقعة التفشي .
واقع وطبيعة المرض
حول واقع وطبيعة المرض يقول المهندس قرنفلة : إن الحالات التي تمّ تشخيصها بين الأبقار في المنطقة الساحلية تشير إلى أن المرض هو التهاب الجلد العقدي وهو مرض جلدي فيروسي معدٍ خطير يصيب الأبقار، ينتقل بشكل أساسي عن طريق لدغ الحشرات . ويتميز إكلينيكياً بالحمى والظهور المفاجئ لعقد على معظم أنحاء جلد الحيوان تقريباً مع التهاب الأوعية اللمفاوية وأوديما بالأرجل ومقدم الصدر.
وأضاف : دورة المرض الطويلة تسبب إهداراً متصاعداً لحالة الحيوانات المصابة مثل الهزال وانخفاض إنتاج الحليب وكذلك العقم والإجهاض ، كما يسبب تلف الجلود. ومرض الجلد العقدي ظهر للمرة الأولى في زامبيا عام 1929 ثم واصل انتشاره في القارة الإفريقية جنوباً في زيمبابوي ثم في جنوب إفريقيا ثم في كينيا ثم اتجه شمالاً حيث ظهر في السودان عام 1970 و ظهر للمرة الأولى في مصر عام 1988 وامتد انتشاره خارج إفريقيا فظهر في الكويت عام 1986 وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1989. و انتشر و استوطن في معظم أنحاء القارة الإفريقية بما فيها مصر وفي بعض أقطار الشرق الأوسط مثل الكويت و الأراضي الفلسطينية المحتلة وتركيا ويعتقد انه انتقل منها إلى سورية حيث تتمكن الحشرات الناقلة من الطيران لمسافة 60كم . وقد تم تسجيل المرض أول مرة في سورية عام 2016 في منطقة كسب القريبة من الحدود التركية .
ومسبب المرض فيروس يقاوم الحرارة والمؤثرات البيئية إلى حد ما ويمكنه البقاء حياً في القشور الجافة للآفات الجلدية وفي الجلود المملحة لفترة طويلة قد تصل إلى 33 يوماً . يتأثر الفيروس بالإيثير والكلوروفورم و الفيروس حساس للمطهرات الآتية: محلول هيدروكسيد الصوديوم 2 % ومحلول كربونات الصوديوم 4 % والفورمالين 2 % والليزول 2 %.
مصادر وطرق نقل العدوى
واشار قرنفلة الخبير في الإنتاج الحيواني إلى أن المرض ينتقل عن طريق لدغ الحشرات مثل الذباب والناموس كما أن بعض الحشرات الأخرى يمكنها نقل المرض ميكانيكاً ومن غير الشائع انتقال المرض عن طريق التجاور المباشر أو الماء و الأعلاف رغم تواجد الفيروس في الإفرازات الأنفية والدمعية وفي اللعاب والسائل المنوي كما في الآفات الجلدية.
العوائل
يعتقد أن الأبقار هي العائل الطبيعي الوحيد الذي يتعرض لإصابات شديدة والإصابة تكون أكثر شدة و مصحوبة بنسب نفوق أعلى بين العجول حيث يظهر المرض بصورته النمطية غالباً و الأوبئة عادة ما تحدث في موسم انتشار الحشرات كما حدث في محافظتي اللاذقية وطرطوس حيث ظهر المرض بداية الربيع .
المناعة
وحول امكانية اكتساب الأبقار مناعة ضد المرض قال قرنفلة : يعتقد أن معظم الأبقار التي تشفى من المرض تكتسب مناعة قوية والعجول التي تتناول السرسوب من أمهات مطعمة تقاوم العدوى لعدة أشهر.
العلاج
وحث قرنفلة مربي الأبقار على ضرورة إبلاغ أقرب وحدة إرشادية أو بيطرية عن أي إصابه يشتبه بها لكي يتسنى للجهات المسؤولة اتخاذ الإجراءات اللازمة ، والمرض ليس له علاج نوعي خاص به ولكن المضادات الحيوية تحدّ من المضاعفات البكتيرية ، هذا إلى جانب العلاج العرضي و الداعم.
طرق التحكم والسيطرة على المرض
في البلاد التي يتوطن بها المرض أكد قرنفلة أنه يجب أن يتم اتخاذ العديد من التدابير للحدّ من وجود خسائر المرض تتلخص بالتالي :
• الحيوانات المشكوك في إصابتها يجب عزلها في حظائر محمية من الحشرات وتطعيم الحيوانات المخالطة والمجاورة
• التخلص الفني والصحي من جثث الحيوانات النافقة والجلود المصابة بالحرق أو بالدفن للحدّ من انتشار العدوى.
• رش الحيوانات بالمبيدات الحشرية الفعالة وتطهير الحظائر بمحلول هيدروكسيد الصوديوم 2 %.
• السائل المنوي يجب أن يجمع من طلائق خالية من العدوى وبدون أعراض لمدة لا تقل عن 28 يوماً بعد التجميع.
• تطعيم كل الأبقار التي تزيد في العمر عن 6 شهور ما يعطيها مناعة لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات ، وهناك نوعان من اللقاح يمكن الاعتماد عليهما وهما : لقاح فيروس الجلد العقدي الحي المضعف وهو لقاح مؤثر ويحقن تحت جلد الأبقار ولقاح جدري الأغنام المضعف والذي يستخدم بكفاءة في الوقاية من فيروس التهاب الجلد العقدي ولكن لا يجب استخدامه إلا في البلاد التي يتوطن فيها مرض جدري الأغنام والماعز، لقاح جدري الأغنام هو المستخدم حالياً في تحصين قطعان الأبقار في سورية بجرعات مضاعفة
وفي نهاية تصريحه أكد قرنفلة ضرورة زيادة مستوى الرعاية البيطرية للأبقار ، وتوسيع الخدمات الإرشادية الزراعية في جوانب تغذية ورعاية وصحة وإدارة الأبقار الحلوب ، وإحداث مراكز تجميع الحليب في القرى المنتجة ، وإلغاء الرسوم الجمركية على واردات القطر من الأعلاف لمدة خمس سنوات على الأقل ، وإحداث اتحاد نوعي لمربي الأبقار ، وكذلك المجلس السوري للحليب بهدف تنظيم وضبط العلاقة بين منتجي الحليب ومعامل تصنيعه والعاملين في السلاسل التسويقية ، والإشراف على سلامة تداول منتجات الألبان لاسيما أن 90% من منتجات الحليب يتم إنتاجها تحت شروط غير آمنة صحياً وتشجيع المستثمرين على إقامة مشاريع كبيرة لتربية الأبقار الحلوب ومصانع حديثة لتصنيع منتجات الحليب ومنحهم مزيد من الإعفاءات . لاسيما أن منتج حليب الفلاح السوري يعتبر من أكثر منتجي العالم نشاطاً ، وأن توفير الحزمة المقترحة من الإجراءات سوف ينتقل بسورية إلى دولة متقدمة في مجال إنتاج وتصنيع وتصدير الحليب ومنتجاته .
(سيرياهوم نيوز-تشرين)