أيمن إبراهيم الحرفي:
يقول وليم جيمس: ” الإنسانية لا تفعل شيئاً إلا بمبادرات المبدعين الكبار و الصغار الذين تقلدهم البقية منا، إنه العامل الوحيد الفاعل في التقدم الإنساني، فالأفراد العباقرة يدلون على الطريق الصحيحة، و يضعون المخططات التي يتبناها العامة و يقتفون أثرها “.
فالإنسان كائن مبدع و أعظم إبداع هو الدماغ والعقل البشري، و أعظم ما في العقل البشري هو القدرة على الإبداع و توليد أفكار جديدة باستمرار، و تنوع مفهوم الإبداع كما رآه بعض المفكرين فالإبداع في اللغة هو إحداث شيء على غير مثال سبق، وفي اصطلاح الحكماء إيجاد شيء غير مسبوق بالعدم، ويقابله الصنع وهو إيجاد شيء مسبوق بالعدم.
وقال ابن سينا في كتابه الإشارات والتنبهات:
الإبداع هو أن يكون من الشيء وجود لغيره متعلق به فقط دون متوسط من مادة أو آلة أو زمان، وما يتقدمه عدم زماناً لم يستغن عن متوسط، ثم الإبداع أعلى رتبة من التكوين والإحداث، فإن التكوين هو أن يكون من الشيء وجود مادي، و الإحداث: أن يكون من الشيء وجود زماني، وكل واحد منهما يقابل الإبداع من وجه.
والإبداع أقدم منها لأن المادة لا يمكن أن تحصل بالتكوين، والزمان لا يمكن أن يحصل بالإحداث لامتناع كونهما مسبوقين بمادة أخرى وزمان آخر. فإذاً التكوين والإحداث مترتبان على الإبداع.
والإبداع عند البلغاء: هو أن يشتمل الكلام على عدة ضروب من البديع، والاختراع: هو إيجاد المعاني والتشبيهات الجديدة، وصناعة الأشياء المبتكرة والكلام المشتمل على مثل هذه المعاني والتشبيه يسمى بديعاً ومخترعاً، أما فرويد فيقول إن الإبداع تعبير عن رغبات مكبوتة في اللاشعور، و إن من ألد أعداء الإبداع هو الروتين و التكرار، ففي الإبداع يحقق الإنسان إنسانيته و يبين شأنه في الكون و منزلته في الحياة. يقول فاخر عاقل في كتابه التربية و الإبداع إن الإبداع عمل ذهني يقوم به الفرد باستخدام قدراته للوصول إلى أفكار جديدة، أو استعمالات غير مألوفة، أو تفصيل خبرات محدودة إلى ملامح مفصلة.
يعدد فاخر عاقل مراحل العلمية الإبداعية: المرحلة الذهنيةالمرحلة الاحتضانية، مرحلة الاستشراق و الإلهام، مرحلة الوصول وتنقية الأفكار.
يقول خليل مطران: ونهاية ُالإِبْدَاع ِ مَعْـنىً جَيِّدٌ
تَزْهَى بِهِ قَسِمَاتُ مَبْنـًى جَيِّــدِ.
و يمكن تصنيف الإبداع إلى نوعين، إبداع فني يظهر غالباً عند الشعراء و الأدباء و الرسامين، و هو الذي يتأثر بالصفات الشخصية المبدع و بالبيئة المحيطة و غالباً ما يؤدي هذا الإبداع إلى ظهور نظريات و تطبيقات مادية جديدة، و لهذا غالباً ما يكون المبدع العلمي و هو النوع الثاني واقعياً و موضوعياً يتصدى للمشاكل القائمة و يسعى لإيجاد حل لها أو يسعى لمخترعات جديدة ترتقي به و بمجتمعه نحو الأعلى.
و لقد اهتم العلماء بالذكاء و أوجدوا مقياساً له سمي بعامل الذكاء، و هو نسبة العمر العقلي إلى العمر الفعلي مضروبة بمئة، فمثلاً طفل حاصل ذكائه ١٢٠ يعني عندما يكون في عمر ١٠ سنوات فإن ذكاءه يعادل طفلاً عمره ١٢ سنة، و عندما يصبح عمره ١٥ سنة يكون ذكائه يعادل شاباً بعمر ١٨ سنة و هكذا.
و يرى العلماء أن الإنسان يمتلك ١٢٠ قدرة ذهنية مختلفة، كما يؤكدون أن السنوات الأكثر إبداعاً لدى الأطفال هي ٣ – ٦ – ٩ – ١٧ لهذا فإن الدول المتقدمة تتنافس فيما بينها على التربية و العناية بالأطفال و تنمية قدراتهم العقلية لاعتقادهم بأن المبدعين اصبحوا يصنعون أكثر مما يخلقون، لهذا يمكن اعتبار الإبداع مقياس رقي الأمم، و لقد تضاعفت كثيراً قدرات الإنسان بسبب التقدم العلمي و التقني و المعرفي، و إن قدرات الإنسان أكبر بكثير مما ذكر فهي لا تعرف الحدود و تحتاج الى رعاية و تبنٍ، و يمكن لمراكز البحث أن تلعب دوراً كبيراً في ظهور المبدعين، حيث أصبح المطلوب إيجاد مبدعين بإعداد كبيرة عالمياً و الانتقال من الإبداع الفردي إلى الإبداع الجماعي، و من المواضيع الصغيرة إلى القضايا الكبرى و المعقدة، و من الإبداعات ذات الكلفة الرخيصة إلى الإبداعات ذات الكلفة العالية، و لهذا فالقادم من الأعوام ستكون أعوام العقول المبدعة و الأيدي الماهرة.
و أخيراً نقول إننا بحاجة و أحوج ما نكون في الوقت الحاضر و المستقبل إلى المبدعين في المجال العلمي و التقني، و لن يكون لنا مكان مرموق في العالم من دون الإبداع و المبدعين و خاصة المبدعين الشباب
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة