الرئيسية » كتاب وآراء » التخلي الأميركي واللهيب القادم

التخلي الأميركي واللهيب القادم

مصطفى المقداد

نفس الطريقة في التعامل، وذات النتائج والنهايات لكل من يحالف الولايات المتحدة الأميركية ويرتضي لنفسه أن يكون تابعاً وعميلاً، فمهما بلغ شأنه، ومهما قدم من خدمات لواشنطن، ومهما أبدى تابعية وطاعة، فإن نهايته التخلي عنه ولفظه خارجاً ورميه بعيداً بعد انتهاء فترة الصلاحية أو ظهور مستجدات ليست في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.

وكل العالم يستحضر صورة العملاء في فيتنام بداية سبعينيات القرن الماضي عندما كانت الحوامات تقلع من مقر السفارة الأميركية في سايغون تاركة خلفها العملاء يتساقطون وهم يحاولون ركوب الحوامة العسكرية الأميركية المجبرة على الفرار.

المشهد يتكرر اليوم في أفغانستان، فبعد عقدين من الزمن وإطلاق مقولة محاربة الإرهاب تبدأ القوات الأميركية بالانسحاب الفعلي من أفغانستان تاركة قاعدة باغرام الجوية الشهيرة بيد الجيش الأفغاني في رسالة مفتوحة للعالم، مؤكدة للانسحاب والتخلي عن الوعود التي أطلقتها ٢٠٠١ بأنها ستحمل معها انتشار الديمقراطية وإدخال الحضارة والتقانة والاستقرار للبلاد التي استضافت زعماء الإرهاب العالمي، ونفذت عملية الحادي عشر من أيلول ٢٠٠٠ على برجي التجارة العالمية في نيويورك وفق الرواية الأميركية ذاتها، فبدأت وقتها واشنطن مرحلة بسط سيطرتها على قبة آسيا ظناً منها أنها ستتحكم بالقارة كلها وتحد من اندفاعة الصين نحو التطور، وإيقاف التقدم الروسي، العسكري والاقتصادي والسياسي، فكانت النتيجة ما نراه ونعيشه اليوم من إعلان عن انسحاب عسكري منظم، من المفترض أن ينتهي قبل نهاية آب القادم، مع الاحتفاظ بعدد قليل من الجنود الأميركيين لا يتجاوز ستمئة جندي لحماية مقر السفارة الأميركية في كابل وبعض المنشآت الحيوية الأميركية، وذلك بعد اكتمال خروج كل القوات الغربية التي شاركت في التحالف مع واشنطن فيما سمي آنذاك محاربة الإرهاب العالمي.

وبعيداً عن عدم استفادة الأصدقاء والعملاء والمؤيدين والصادقين والمخدوعين في الحلم الأميركي والحماية الأميركية، فإن قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيفتح أبواب جهنم من جديد أمام حالة اشتعال حروب ليس لها نهايات معروفة، وسيسمح للمجموعات المتطرفة والإرهابية بالعودة بقوة للمضي في مشاريع عبور الإرهاب للحدود الصعبة، ووضع العالم على صفيح ساخن مرة أخرى تشابه المرحلة التي سبقت غزو أفغانستان، وربما تزداد ضراوة وعنفاً، بعد اشتداد قوة الإرهاب والسماح له بالانتصار مرة أخرى.

فمع بداية الانسحابات الأميركية تحركت قوات طالبان فوراً للسيطرة على عدة مناطق في ثلاث مديريات من محافظات مختلفة، إضافة لسيطرتها على مناطق مهمة في إقليم هلمند ومركز استراتيجي في محيط العاصمة كابل ذاتها، الأمر الذي لن يتوقف عند حد، إذ يتوقع بعض المراقبين عودة سيطرة شبه كامل لطالبان خلال فترة لا تزيد عن سنة في أبعد تقدير، وسيترافق ذلك مع السيطرة على مقدرات وأسلحة الجيش الأفغاني، الذي جهدت الولايات المتحدة الأميركية في تسليحه وأنفقت أكثر من مئة مليار دولار عليه، ليكون وسائل مساعدة في استعادة السيطرة على ما فقدته قبل عشرين عاماً.

وعلى المستوى الدولي والإقليمي سوف يتغير المشهد وينقلب رأساً على عقب، مع ما تحمل هذه المستجدات من تأثيرات مباشرة على كل من إيران والصين وروسيا، وصولاً إلى تأثيرات ستطول كلاً من سورية والعراق باعتبارهما أكبر من حارب الإرهاب الداعشي وما زالتا مستمرتين في هذا العمل، فتجمع الإرهابيين في معظم أراضي إمارة طالبان المستعادة سيعطي المزيد من الدفع للإرهابيين في كل العالم، والذي سيكون على موعد مع مواجهات مستحدثة وصعبة.

ومختصر القول إن الولايات المتحدة الأميركية التي فقدت قرابة ثلاثة آلاف قتيل من جنودها والتي أنفقت قرابة تريليوني دولار في أفغانستان تنفيذاً لسياسة السيطرة على سقف العالم، تقرر اليوم ترك البلاد تواجه مصيرها بنفسها، مفسحة المجال لاقتتال عنيف على أسس عرقية وطائفية تكون نتيجته إدخال أفغانستان وغيرها من الدول المتأثرة بها في مرحلة زيادة التخلف والتراجع، وعدم التفكير، مجرد التفكير في سلوك درب التقدم والتنمية، وذاك الهدف الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية أولاً، وهو يخدم المشروع الصهيوني في نهاية المطاف.

(سيرياهوم نيوز-الثورة٥-٧-٢٠٢١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إن شانئكم هو الأبتر….

    باسل علي الخطيب   لاتهنوا…. هذه الآية هذا مقامها وهذا زمانها….   يجافيني النوم، يجافيني وأكاد اسمع الأرض والسماء تضجان.. حتى عندما استشهد ...