سعاد سليمان
عندما تزور طرطوس كسائح .. أول ما يخطر في بالك زيارة جزيرة أرواد .. وأنت تنظر إليها من البعيد .. كلغز تريد حله .تركب أحد القوارب من مرفأ يستقبل القادمين , ويودع المغادرين بصبر ..ولأنك لست ابن بحر .. فقد تشعر بالخوف , أو الرهبة .. وقد تشعر بالغثيان بعد الانطلاق فوق موج يعلو , ويهبط .. يلاعب الريح , وتلاعبه .. يرتفع المركب , ويهبط دون انذار.. ترتفع دقات قلبك , نبضاته , وقد يسيطر عليك الخوف .. خاصة إذا كنت لا تعرف السباحة .. وتنتظر الوصول بسلام .. عند محطة الوصول .. تفاجئك الصور المتزاحمة أمامك , والواقع !!
في المكان .. حيث رسا المركب مياه البحر سوداء اللون , والرصيف قذر .. تعلوه المياه , وتنتشر الروائح النتنة في الأفق ..كما تنتشر المقاهي البسيطة مقارنة بما تسمعه عن أهالي الجزيرة الذين يعملون في البحر , يسافرون على متن سفن لشهور طويلة ..وهم أصحاب المقاهي الحزينة . السفر بالبحر .. قد تكون تجربة صعبة , وعملا شاقا لكن المردود المادي جيد بل ممتاز حسب العديد من أبناء أرواد .في الجزيرة .. الشوارع .. ليست شوارع . . هي معابر لم تعرف الاسفلت , وإن عرفته فقد تلاشى بسبب الرطوبة ربما .. وواقع الحال .. أتربة , وقاذورات , وأوساخ حيثما تنظر , وحيث تمضي .
البيوت المتهالكة يبدو بعضها من الداخل , وعبر منافذها المطلة على الأفق ثرية بل مترفة بينما الشارع فقير , معدم ..مفارقات تدعو للعجب !!عند ساحة صناعة السفن يتجمع رجال البحر , وسادته .. يصنعون السفن , ويبدعون ..وحدها الآثار كبرج الأيوبي , والقلعة , والسور , والأفق الواسع لبحر ثري تعيد لروحك بعضا من أمل .في يوم حار من أيام تموز .. كل الأطفال يخرجون من مياه البحر كأبطال مبللين يسرعون إلى نبع المياه النقي الذي يسقط بقوة من أنابيب مفتوحة على الدوام يغسلون المياه المالحة , ويمشون مبللين بثقة , وكأن شيئا لم يكن ..كل الحياة هنا طبيعية بل جميلة لأطفال لم يروا إلا الجزيرة ..
يقول شاب بأسف , وقد عرف أننا في زيارة صحفية للجزيرة : سكان الجزيرة يهربون منها .. وبعد أعوام لن تجدوا ساكنا هنا إلا كزائر .. الخدمات معدومة .. لا طبيب , ولا مركز صحي في – الزيرة – كما يسمونها .وكذلك التعليم .. هو في أسوأ حالاته كما الخدمات العامة من طرقات , وغيرها فأنتم ترون , ولا ضرورة للشرح .حين قلت : أنتم أغنياء كما تقولون فلماذا لا تهتمون بجزيرتكم , وبيوتكم خاصة في سنوات الأزمة التي نعيش ؟أجاب : للأسف .. حين لا نعرف طعم المحبة لا نعرف شيئا .. ونحن كذلك .الأنانية قد تكون سببا , أو قلة الوعي ..يصرخ طفل بصوت مرتفع , وهو ينظر إلينا , وقد خرج من مياه البحر للتو : أنا أحب سورية .. للوهلة الأولى تظنه ابن بحر خرج منه للتو , أو سائح عبر البحار وصل من لبنان مثلا !!
(خاص سيرياهوم نيوز7-7-