بقلم:معد عيسى
خلق الله الطبيعة ووزع الأعراق البشرية عليها، فكل جغرافيا لها ناسها ونباتاتها وكائناتها الحية وغذاؤها، وتكرست العادات والسلوكيات البشرية وفقاً للموارد الطبيعية المتاحة في كل منطقة من العالم، ولكن انفتاح الناس والتواصل ساهم في تبادل السلع والمنتجات، وتم التلاعب بالبيئة بنشر زراعات جديدة غريبة عن موطنها، كان نتيجته خللاً بيئياً، وبدأت الكوارث الطبيعية، وانتقلت الأمراض، وظهرت أمراض جديدة نتيجة ذلك .
ما سبق يقود إلى سلة الدعم الغذائية التي تقدمها الدولة، والتي على ما يبدو تقوم على أسس تجارية بحتة لا اجتماعية، تستفيد منها شريحة من التجار وبعض مفاصل القرار، لأن جميع مفرداتها مواد مستوردة (سكر ـ رز ـ شاي)، ولا توجد مادة منتجة محلياً، هذه المفردات تم تكريسها في أنماطنا الاستهلاكية رغم غربتها عن مجتمعاتنا، وتستنزف من موارد الدولة أرقاماً كبيرة رغم أن عدم إدراجها في سلة الدعم لا يُقلق أحداً، بدليل أن هذه المواد لم يتم توزيعها لعدة أشهر، ولم يُحدث ذلك خللاً في نظامنا الغذائي، ولم يقلق المواطن، لأنها بالأصل غير أساسية، وكان من الأولى دعم منتجاتنا المحلية وبطريقة مختلفة، فالقمح الذي يقوم عليه نظامنا الغذائي من خلال الخبز والمعجنات والمعكرونة وحوالي أربعين صنفاً يُنتج من القمح أولى بالدعم، ولكن ليس من خلال البيع للمواطن بأسعار مدعومة، بل من خلال الشراء من المزارعين بأسعار مرتفعة تجعل كل مَن يمتلك إمكانية زراعة القمح مزارعاً له، وهذا سيحقق وفرة عجزت السياسات الحكومية عن تأمينها خلال عشر سنوات من الحرب، ويمكن تحويل هذه الوفرة إلى قيمة مضافة يُمكن تصديرها إلى عدة دول ومبادلتها باحتياجاتنا، والأمر يُمكن سحبه على عدد من المنتجات المحلية.آلية الدعم المتبعة هي أساس مشكلتنا، وكما أحدث تدخل الإنسان في الطبيعة خللاً بيئياً نحصد نتيجته كوارث طبيعية، أحدثت آلية الدعم ( التجاري ) خللاً في نظامنا الاقتصادي، ووطنت سلوكيات وافدة غريبة ندفع ثمنها اليوم، والغريب أن أصحاب القرار يرفضون حتى اليوم في التفكير بتقديم الدعم النقدي المباشر الذي من شأنه أن يلغي كثيراً من حلقات الفساد والمتاجرة والابتزاز والإساءة لسمعة الدولة، ومن شأنه أيضاً أن يصحح أنماط الاستهلاك، ويرشد الاستهلاك، ويلغي كثيراً من العادات الاستهلاكية السيئة، ويقلل من الاستخفاف بالمواطن .لو تم توزيع نصف ما يخصص لدعم المحروقات والخبز بشكل مباشر، وتم تحرير أسعارها لكان وضعنا أفضل بكثير، ولكانت تغيرت سلوكيات الاستهلاك القائمة على المتاجرة، فالشخص المخصص بالبنزين مثلاً لا يترك مخصصاته، ولو لم يكن يحتاجها، ولكنه يأخذها ويبيعها، ولكن لو كانت الأسعار محررة ويحصل على الدعم المادي فإنه لن يترك مخصصاته فقط، بل سيرشدها وإن اضطر يوقف سيارته ويتخلى عنها .
مشكلة الدعم يتحمل مسؤوليتها أصحاب القرار والذي عبر أحدهم بالرد على سؤال لماذا لا يتم توزيع الدعم بشكل نقدي مباشر بالقول: “إذا وزعنا الدعم بشكل نقدي شو بدنا نشتغل نحنا” هذا القول يختصر مشكلة الدعم، ويعبر عن مكمن الخلل .
(سيرياهوم نيوز-الثورة٣-٨-٢٠٢١)