رندا حتاملة
هل نصل إلى يوم تصير فيه رؤية أحدهم يطالع جريدة ورقية على كرسيّ في مقهى من كلاسيكيات المشاهد؟..
قفز هذا التصور إلى ذهني وأنا أطالع موجة السقوط التي داهمت الإعلام الورقي، إذْ أعلنت أكثر من صحيفة وجريدة ورقية وفي أكثر من دولة عن قرار اختفائها لتقتصر إطلالتها على فضاء الانترنت، ففي مصر التي تعتبر رأس الصحافة العربية تحوّلت صحف ورقية مثل الأهرام المسائي والأخبار المسائي والمساء إلى مجرّد مواقع على فضاء الانترنت كما قصرت مؤسسة الإندبندنت البريطانية إطلالتها بصحيفتيها الورقيتين ” ذي إندبندنت ” و ” إندبندنت أون صنداي ” على إطلالة بنسخة رقمية، الحكاية ذاتها تتكرّر مع صحيفة لبنانية عريقة هي السفير التي تستعد أيضا للاحتجاب لتبقى الأمكنة المتاحة الفضاء الالكتروني بكل ما يحويه من شدّ وجذب.
هذا الواقع المرّ الذي فُرض على الصحافة المكتوبة لم يستثن دول الشرق دون الغرب ولم يأبه لمسألة الاقتصاد، ولكنها في النهاية حركة التاريخ وما ينتج عن هذا التاريخ من تحوّلات تُخْضِعُ عالم الصحافة لميكانيزمات جديدة.
لقد اكتسح فضاء الانترنت كل شيء وأيّ شيء، ومنه فقد جرف أمامه بعض الواقع ليتحكّم فيه، فالصحف التي لا تستطيع أن تغذّي حاجاتها وتفتح آفاقها وتبني توجهّها الإعلامي سوف تفشل في النهاية، لأنّ سوق الصحافة يعتمد على الفارق بين مصاريف ومداخيل هذه المؤسسات، خصوصا حين لا تنتمي هذه المؤسسات إلى سندٍ معيّن كالقطاع العام، فهي لا تملك ساعتها أدوات الاستمرار والدعم.
وفي الأردن الصحافة الورقية تتنفس الصعداء في ظل توغل وتغول مؤسسة الضمان الإجتماعي عليها وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة بفرضها سياسات إدارية وتدخلها بالشؤون التحريرية، ومع غياب الدور الحقيقي لنقابة الصحفيين في التخطيط لمستقبل الصحافة الورقية وضمان ديمومتها، وغيابها عن الواقع المعيشي للصحفي الذي بات لايقوى على سداد أدنى إلتزاماته المعيشية وبدلا من أن يسعى لممارسة دوره في السلطة الرابعة بات يلهث خلف لقمة عيشه مجبراً على سلوك طرق تتنافي والمهنية الصحفية، إلا من رحم ربي.
غير هذا فإنّ الصحف والجرائد تفتقد أغلبها إلى صوت المواطن الحقيقي، فهي صحف مدجّنة، لا تقدّم من المعلومات إلّا ما تبيحه الدول، ولا يقوم إعلام هذه المؤسسات سوى على ما يرضي المؤسسات الحاكمة، وبهذا تتحوّل المعلومات ومنه وجه الإعلام المكتوب إلى مجرّد توصيّات باهتة، وبالتالي يخبو دور الإعلام كسلطة رابعة لها من فرضية الأداء الشيء الكثير.
هل نردّ الأمر إلى حركة التاريخ والتطور التكنولوجي أم إلى خفوت صوت الإعلام الحرّ الذي يقدّم ما يحتاج إليه المواطن العربي أم أنّ الأمر يعود أساسا إلى علاقة المال بالصحافة في تفاعلها الطردي؟ هي أسئلة تبحث في اختفاء الصحافة المكتوبة الورقية، لكنها في المقابل لن تغني عن سؤالي الأول مفتاح هذا المقال الذي يجعل من رؤية أحدهم وهو يطالع جريدة ورقية على كرسيّ مقهى من كلاسيكيات المشاهد التي تحتفظ بها الذاكرة؟!
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم