فاطمة عطفة
بمناسبة ارتفاع أسعار القمح في مصر الحبيبة وتقنين ربطة الخبز على المواطن السوري، كذلك هناك تساؤلات تطرح نفسها على القارئ أو المستمع لهذه الأخبار التي غزت محطات التلفزة، وتكاثر الشرح عن تكلفة رغيف الخبز على الدولة في مصر أو سورية، والتكلفة التي تتحملها هذه الدول في سبيل رغيف الخبز الذي يوزع على الناس وألف منية تأتي من هذه الدول كيف أنهم يؤمنون رغيف الخبز للناس والفقراء منهم. من يسمع هذه الأخبار يشعر كأن هذه الشعوب هي عالة على حكوماتها حيث تؤمن لهم رغيف الخبر الذي يعود استهلاكه أساسا على الطبقة الفقيرة والوسطى من المجتمع، لأن الأغنياء يأكلون الخبز الفرنسي المناسب لصحتهم ولتسهيل المضغ على أسنانهم، وبين أيديهم كل شيء يوفر لهم الرفاهية والعيش المريح بما يتناسب مع ثرواتهم. أما الفقراء ومحدودو الدخل، فعليهم أن ينتظروا أمام الأفران لعل وعسى أن يفوز الواحد منهم بربطة خبز تسد رمق أطفاله وهي تغمس في كأس الشاي أو تدهن بالقليل من الزيت والزعنر. هذا المنظر أو الصورة أمام أفران الخبز في مصر وسورية أو التعليقات التي تزدحم بها مواقع التواصل الاجتماعي حول تسعيرة ربطة الخبز والتقنين في توزيعها، أعادني إلى تلك السهول الخصبة في سوريا ومحصول القمح الذي كان ينتج فيها، أين هو الآن؟ وكيف ولماذا هذا الفقر في الإنتاج؟ الأمطار ما زالت تغمر الأراضي الزراعية ولم تتغير نعمة الله على عباده، لكن التغير فينا نحن البشر. أين الحكومات التي ترعى مصالح الناس في حماية إنتاج الأرض؟ أين المواسم الزراعية التي تنتج سنويا؟ إذا كانت الحجة أن الناس كثرت. وبالمقابل هاجر حوالي ثلث سكان البلد يعني ذلك زيادة في الفائض الانتاج الزراعي. لكني أعتقد أن سوء الإدارة الزراعية كما هي في جميع المنتجات السبب الرئيسي وراء تراجع منتوج القمح المحلي بحيث الناتج يكفي محليا ويصدر ما يزيد كدخل للخزينة. لكن مع الأسف الشديد لا شيء بقي على حاله، لأنه لا يوجد أي اهتمام في الأراضي الزراعية بل هجرها أهلها سواء للمدينة وطلب الوظيفة أو للهجرة وهذا من أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع المخزون الزراعي في سوريا إضافة إلى الفساد في الإدارة وعلى جميع المستويات.
سأعود مع القارئ إلى سنوات العز والرفاه في سورية قبل الوحدة وبعد الوحدة. كنت طفلة صغيرة أقف أتفرج على تنزيل (شوالات) القمح التي تصل من الأرض في المنطقة الغربية، أو ما يأتي من الأراضي الشرقية من مناطق حمص وحماة وسهول الجزيرة حيث الأراضي الزراعية الغنية التي كانت توصف لنا بوفرة إنتاجها من القمح والقطن وجميع البقول والخضار والفاكهة، كنا نقف كأطفال ننظر إلى العمال الذين يترجلون ليحملوا شوالات القمح التي تقسم لكل عائلة حسب حاجتها، لتجري بعدها غربلته وتعبئته في عنابر مخصصة له بحيث تكفي كل أسرة بما يلزمها من إنتاج القمح بأنواعه المحلي أو المسمى (ايطالي) أو (فرنسي) وهو ذو لون ذهبي مناسب للخبز وأقراص العيد. أما القمح البلدي ذو اللون الأسمر فكان يغربل ويسلق ليصبح برغلا للطبخ، إضافة إلى القمح المقشور الذي يطبخ في عدة أكلات كالهريس أو المتبلة أو السليقة في أيام البرابارة، وعندما تظهر أسنان الطفل يسلق له القمح بركة وفرحة به.
عايشت تلك الفترة الذهبية في سورية حيث كانت الناس تحتفل بتموين القمح وتخزينه، واليوم للأسف مع كل الاختراعات الحديثة في علوم التكنلوجيا والفضاء لكننا نفتقد إلى أهم مكون غذائي في بلادنا وهو رغيف الخبز غذاء الفقراء. هل يمكن أن نسأل المسؤولين الذين أوصلوا بلادنا إلى أن نفكر بتأمين رغيف الخبز لأولادنا، ونتغاضى عما يجري من خراب في أوطاننا.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم