- علام العبد
- 18 آب 2021
على بعد ما يقرب من 90 كم شمال العاصمة دمشق حيث القلمون الغربي في محافظة ريف دمشق، وعند الدخول لمدينة دير عطية، تتداخل الطرق الفرعية بين الأشجار، التي تؤدي في نهايتها إلى قرية (ذوي الاحتياجات الخاصة)، تلك القرية التي تتوسط واحة جميلة خضراء حيث يستمتع زوّارها بجمال الطبيعة وبالتضاريس الجبلية المدهشة، ويزورها الكثير من الوفود للاطلاع على أحدث طرق العناية بذوي الاحتياجات الخاصة.
اليوم باتت القرية ملاذاً للكثير من العائلات في “دير عطية” والقرى المجاورة، التي يوجد لديها حالات إعاقة بين أفرادها، وخصوصاً تلك التي منعتها الظروف المعيشية الصعبة من زيارة مراكز العلاج المتخصصة في دمشق وريفها.
عن كثب
” مدوّنة وطن ” زارت القرية خلال جولة إعلامية في القلمون الغربي، واطلعت عن كثب على الخدمات المقدمة، وكيف أضحت أنموذجاً فريداً من نوعه على مستوى الشرق الأوسط والعالم أيضاً.
يقول مدير القرية السيد “أحمد العاقور” في حديثه لــ ” مدوّنة وطن “: إن القرية وجدت انسجاماً مع التوجهات العامة حيث تولي “سورية” اهتماماً خاصاً للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وتعدّهم جزءاً مهماً من المجتمع، لهذا رأت جمعية الوفاق الخيرية في مدينة “دير عطية” التي كانت ترأسها قبل وفاتها السيدة “ازدهار الحاج إبراهيم”، ضرورة إنشاء قرية خاصة تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، لتكون الملجأ للعائلات التي يعاني أبناؤها من إعاقة خاصة، حيث وفرت الجمعية كل المستلزمات اللازمة للنهوض بهذه القرية فكانت انطلاقتها الأولى سنة 2011 بــ 20 طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة.
صرح معماري
تبدو القرية للوهلة الأولى كقلعة من القلاع التاريخية، فقد تميزت بطراز معماري فريد تندمج فيه عراقة الماضي مع جمال الحاضر، وهي مسجلة أصولاً في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وقد بنيت وجهزت بما يتناسب مع الإعاقات الجسدية، ويضيف “العاقور” : “بنيت القرية على مساحة 50 ألف متر مربع وتضم بناءً رئيسياً مساحته 5000 متر مربع، وملاعب وحدائق وأبنية خدمية، فالطابق الأرضي مؤلف من 12 غرفة للتدخل ومطعمين وقسم معالجة فيزيائية وغرفة اجتماعات صغيرة وقاعة مؤتمرات حديثة، فيما يحوي الطابق العلوي 12 غرفة منامة وغرفتين للمناوبين ومطعمين وخمس غرف للمعالجة الفيزيائية والمعاينة الطبية وغرفة (ساونا وجاكوزي)، أما القبو فيضم مسجداً ومكتبة تحتوي رفوفها على ما يقارب من 15107 كتب، إضافة إلى المستودعات والمطابخ وأجهزة التدفئة والمصبغة وفرن شوي الصلصال والوحدة الرئيسية للكهرباء.
خدمات إضافية
ويشير مدير القرية إلى خدمات النقل حيث جرى تأمين الأطفال المنتسبين إليها بحافلات نقل خاصة منها وإليها، إذ باتت نموذجية في تخديم ذوي الاحتياجات الخاصة فهي تتحول الى خلية نحل خلال أيام الأسبوع نظراً لما تقدمه من خدمات علاجية وتعليمية لحوالي 300 طفل في جميع الأقسام، لافتاً إلى أن قسم الأطفال تصل ساعات الدوام فيه إلى 5 ساعات يومياً، وقسم العيادات الخارجية يضم عيادة العلاج الفيزيائي وأخرى لتقويم الكلام واللغة وعيادة للعلاج النفسي.
وتعمل القرية -حسب قول العاقور- على تأهيل ما يقارب من 5 أطفال سنوياً للعودة للمدارس الرسمية لمواصلة التعليم مع أقرانهم، حيث تم دمج طفلين في المدارس الرسمية من ذوي أطراف النمو لمتابعة تعليمهم كما تم دمج طفل من ذوي متلازمة داون، كما تؤهل القرية بمعدل 7- 10 أطفال سنوياً وتمكنهم من المشي حيث استطاعت القرية تأهيل بعض الشباب ومكنتهم من المشي بعد سنوات من العجز والشلل وأبرزهم، “رؤوف الرحمن” البالغ من العمر 19 عاماً.
حضور علمي ورياضي
وحققت القرية حضوراً لافتاً على الساحة العلمية، بفضل التعاون القائم بينها وبين جامعة القلمون وهو ما أثمر عن استضافة الأولمبياد الخاص السوري الثاني الذي شارك فيه ما يقارب من 1000 متسابق، فضلاً عن المشاركات العلمية لأطفال القرية في العديد من المسابقات العلمية المحلية والعالمية، وفي هذا الصدد يشير ” العاقور” إلى أن القرية شاركت في المسابقة العالمية للتزلج على الجليد التي أقيمت في “النمسا” وقد حصدت فيها ميداليتين، فضية وبرونزية، كما حصدت القرية 8 ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية في البطولة العالمية لألعاب الدراجات والتزلج والبوجي التي أقيمت في “أبو ظبي” بدولة” الامارات العربية المتحدة” وكل ذلك تحت مظلة الأولمبياد الخاص السوري، مضيفاً: إن إنجازات القرية لم تتوقف عند هذا الحد فقد أضافت إلى رصيدها ما حققه أطفال القرية من ذوي الإعاقات الذهنية في الحساب السحري وفي رياضة الكاراتيه إذ حصلوا على عدة أحزمة في هذه الرياضة ومنها البرتقالي والأصفر والأخضر، الذي أثبت فيه الشاب البطل “حسان دعبول” من ذوي اضطراب طيف التوحد قدرته على استحواذه، هذا فضلاً عن المشاركة في تمثيل وإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية .
ويختم “العاقور” حديثة مؤكداً أن القرية تسعى لأن تكون مركزاً استشارياً ذا مهنية عالية، وتنال الثقة على مستوى الوطن العربي، كما تسعى لبناء علاقات مع المؤسسات ذات المصداقية كمنظمة “آمال” وجامعات دمشق والبعث والقلمون، للاستفادة من الخبرات في تطوير الكادر الذي يدير القرية، و يقدر بــ70 عاملاً، بين إداري ومهني يحملون اختصاصات متعددة في: الطب النفسي – طب أطفال – علم نفس – إرشاد نفسي – تربية خاصة – رياض أطفال – نطق وكلام – معالجة فيزيائية – معالجة نفسية حركية.
قصص تميز
السيدة “شفيقة درويش” التي التقطتها المدوّنة أثناء جولتها في القرية، وهي والدة الشابة “خزامى” 1992 التي كانت تعاني في صغرها من نقص في الأكسجة تقول في تصريح لــ “مدوّنة وطن”: إنّ القرية استطاعت أن تترك أثراً إيجابياً لدى جميع الأطفال المسجلين لديها من خلال العلاجات المقدمة، التي يشرف عليها مختصون أكفاء، ونوّهت بأن ابنتها ” خزامى” وبفضل الرعاية الأسرية والعلاجات والعناية التي تلقتها على مدى عشر سنوات ماضية في القرية، أضحت في أفضل حال حيث باتت متعاونة تحب التشاركية.
من جانبه يشير المهندس “مروان الكمار” إلى أن شقيقته “خزامى” باتت لديها التزامات عائلية في مناسبات الأعياد حيث تقوم بإعداد وتحضير بطاقات معايدة لتقديمها لأفراد العائلة وهذا مؤشر إيجابي كبير على تحسن حالتها.
في حين يفتخر السيد “محمد عبد المولى دعبول” والد الشاب “حسان دعبول” من ذوي اضطراب طيف التوحد، بالجوائز التي حققها ابنه في رياضة الكاراتيه ويقول: ما كانت هذه الجوائز والمشاركات الرياضية لولا الرعاية والعناية التي نالها في قرية ذوي الاحتياجات الخاصة في “دير عطية” التي نالت سمعة محلية وعربية وعالمية
(سيرياهوم نيوز-مدونة وطن ١٧-٨-٢٠٢١)