سعاد سليمان
يقف متنكراً بزي بيكاتشو البطل في أفلام كارتون الأطفال .. وحين يحكي فإنه يغير صوته , ويحكي كما بيكاتشو .. هناك على الكورنيش البحري حيث يتجمع الأطفال , وأهاليهم للركوب في قطار الفرح المزين , الذي تصدح منه الأغاني الدارجة اليوم , يصعد المتنزهون , وأطفالهم في رحلة قصيرة عبر طرقات الكورنيش البحري .. اقتربت من بيكاتشو , وحدثته ..في صوته الخاص بالأطفال بدأ الحديث , وسرعان ما عاد لصوته الطبيعي ليخبرني أنه شاب في الثلاثين من عمره .. وأنه أستاذ في الثانوية الصناعية , وأب لثلاثة أطفال وهو من مصابي الحرب حيث كان جندياً في الجيش العربي السوري , وتم تسريحه بعد إصابة بليغة في عموده الفقري في منطقة الرستن .. ولأنه موظف لم يستفد كغيره من المزايا التي تقدم لمصابي الحرب كما يجب .. لذلك وجد لنفسه عملاً إضافياً حين تماثل للشفاء .. ولذلك نراه هنا .. على الكورنيش البحري متنكرا يبيع غزل البنات , والبالونات المنفوخة للأطفال الذين يهرعون إليه حين يرونه بزيه المحبب الغريب اللافت .. وقد يجبر الأطفال أهاليهم في كثير من الأحيان لتنفيذ رغباتهم في الشراء منه .مما قاله : عندي أولاد , وأريد أن أطعمهم .. راتبي لا يكفي ..ولأنني بهذه الظروف تنكرت بهذا الزي الذي اشتريته ب450 ألف ليرة سورية !!
حين سألته عن قدرته على تحمل هذا الزي في عز الحر , والرطوبة في صيف طرطوس المتعب كان جوابه أن أمسك بيدي , وطرق بأصابعي على الرأس .. وكأنه يطرق على باب حديدي !!وقال : لباسي التنكري مزعج , ومتعب لكن يلفت نظر الأطفال فيهرعون إلي ويشترون مما أبيع .. وأضاف : قد يزعج الأهالي إصرار الأولاد على الشراء لكن لا أحد يشتري رغما عنه , فالذي معه لا يقصر على أبنائه .وبألم أضاف حين سألته عن التنمر .. وهل يصادف من يزعجه في عمله هذا حيث يوجد في المكان أكثر من متنكر , وبائع مثله أحدهما يلبس ثوب البطل الدب , والآخر سنفور .. قال : نعم ..نتعرض لمضايقات من شباب يمرون بنا , ينقرون على رؤوسنا بأياديهم , وهم يضحكون .. وهذا مؤلم في ثوب مثل هذا … لكن الحاجة تدفعنا للتحمل .
لم استطع نسيان كلماته حين خرج من دور بطل الكارتون إلى دور البطل في حياة المواطن السوري اليوم بعد حرب قتلت كل خير , وما تزال تقتص , وتقتل .
(سيرياهوم نيوز17-8-2021)