بقلم:علي عبود
يتحفنا بعض الأكاديميين بين الحين والآخر بتحليلات عن أسباب ارتفاع الأسعار أو تراجع سعر صرف الليرة ، ويشددون على مبدأ السوق الأساسي :العرض والطلب!ونادرا جدا (ماينزل) أكاديمي عن برج التنظير ليقارن مابين الواقع والنظريات الاقتصادية التي وضعها أربابها لبلدانهم أي للأسواق الرأسمالية الغربية المتوحشة!والملفت جدا أن بعض الأكاديميين سبق وشغل مواقع حساسة سواء وزارية أوحكومية لها تأثير مباشر على حركة الأسواق وأحوال الناس دون أن يبادروا إلى ترجمة مايكتبونه ويؤمنون به ، قبل أن يغادروا مناصبهم إلى .. أفعال!
لايشير أي أكاديمي إلى صحة ما يروج له من نظريات لم تثبت فعاليتها في أي بلد نام حتى الآن!نظريا .. إن زيادة عرض الكتلة النقدية يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع قيمة السلع ، ولكن هذا الأمر يصح في بلد مستقر وليس في بلد منخرط في حرب عالمية استهدفت تدمير مؤسساته الخدمية والإقتصادية !
كما إن إسقاط النظري على الواقعي لايصح في بلد لايعترف فيه التجار بألف باء الاقتصاد!والملفت إن التجار يُخذلون دائما الأكاديميين لأنهم يتعاملون مع الواقع حسب مصالحهم الخاصةجدا ،في حين الأكاديمي يتعامل مع الواقع حسب النظريات المندثرة!لايمكن الحديث عن مبادىء السوق عندما يقوم التجار بتحويل أرباحهم إلى دولارات سوداء وتهريبها إلى الخارج .. بل عن أي عرض وطلب يتحدث الأكاديميون ، وقلة من التجار تحتكر استيراد السلع الأساسية والكمالية ، وتتحكم بأسعارها وانسيابها إلى الأسواق ، وأحيانا تُهدد بحجبها عن العباد!
ومهما قيل في زيادة الأسعار فلاعلاقة لها بالكتلة النقدية المتداولة وإنما بغلبة المستوردات على الصادرات ، وبالتخفيض المستمر للقوة الشرائية للرواتب والأجور ، ولها علاقة أيضا بعامل شديد الخطورة مارسته الحكومات السابقة التي احتل فيها بعض الأكاديميين الذين يُتحفوننا اليوم بتحليلاتهم ، وهو التحول من النهج الاقتصادي الإنتاجي إلى الاقتصاد الريعي!
ولسنا البلد الوحيد الذي لايعترف فيه التجار بألف باء الاقتصاد ، والمثال القريب إلينا هو لبنان ،فمع ان الكثيرين كانوا يرونه النموذج لليبرالية الاقتصادية فإن أمريكا أطاحت بهذا النموذج سريعا خلال بضعة أشهر لنكتشف بأن التجار هم من كانوا ولا يزالوا يديرون البلد ويتحكمون ليس بالسياسة النقدية فقط وإنما بمصرف لبنان المركزي أيضا ، وهرّبوا ـ بعد زلزال لبنان الاقتصادي ـ مليارات الدولارات إلى الخارج بما فيها مليارات التجار السوريين!
(سيرياهوم نيوز ٢٢-٨-٢٠٢١)