آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » مقبرة الإمبراطوريات

مقبرة الإمبراطوريات

حسن م. يوسف

الأحد, 22-08-2021

وصف الإنجليز أفغانستان بأنها «مقبرة الإمبراطوريات» لِما ذاقوه على أيدي أبنائها من ذل الهزيمة. صحيح أن قدمي لم تطأ تراب بلاد الأفغان لكنني في عام 2007 وصلت إلى الحدود التي تفصل تلك البلاد عن باكستان عبر ممر خيبر الشهير. كنت موفداً من قبل وزارة الإعلام إلى جمهورية باكستان الإسلامية على رأس وفد مكون من ستة صحفيين سوريين.
على تخوم مدينة بيشاور الباكستانية قامت الوحدة الأمنية التي رافقتنا منذ وصولنا إلى باكستان، بتسليمنا لوحدة أمنية أخرى ترتدي زياً مختلفاً وتحمل أسلحة مختلفة. وقد قيل لنا إن القوة الأمنية الجديدة المولجة بحراستنا تتبع سلطة القبائل التي تبسط سلطتها من مدخل ممر خيبر وصولاً إلى الحدود الأفغانية.
من المعروف أن أفغانستان بلد جبلي مقفل لا منفذ له إلى البحر، تحده كل من طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان من الشمال، وإيران من الغرب والصين من الشرق، على حين تحده باكستان من الجنوب. ويكاد ممر خيبر يكون هو الشريان الوحيد الذي يمد بلاد الأفغان بالحياة. والحق أن السفر عبر ذلك الممر الضيق المزدحم، المحاط بالجبال الصخرية الجرداء الشاهقة، كان ولا يزال من أكثر التجارب المرعبة في حياتي، وخاصة أن قوانين السير هناك معاكسة لقوانين سيرنا، وتطابق نظام السير البريطاني. فالشاحنات العملاقة المغطاة بزينات تخطف الأبصار، تنقض عليك وهي تجأر مقتربة منك وكأنها على وشك سحقك، وعندما توقن بهلاكك، تنعطف عنك في اللحظة الأخيرة.
يقول المؤرخ الأميركي ستيفن تانر في كتابه: «التاريخ العسكري لأفغانستان منذ عصر الإسكندر حتى سقوط طالبان»: «لم يكن مقدراً لأفغانستان أن تعيش في هدوء وسلام بعيداً عن بقية العالم، فمنذ فجر التاريخ المُدوَّن، كانت أفغانستان محور طموحات إمبريالية عديدة بدءاً من الإمبراطورية الفارسية العظمى، أول إمبراطورية في العالم تبسط سطوتها عبر القارات، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية…».
ظهرت حركة طالبان في مدينة قندهار جنوبي أفغانستان عام 1994بحجة «تحرير أفغانستان من قيادة أمراء الحرب الفاسدين وإنشاء مجتمع إسلامي خالص». وطالبان تعني بالعربية الطلبة الذين تلقوا تعليمهم في المدارس الإسلامية التقليدية التي يقتصر التعليم فيها على العلوم الدينية وقليل من العلوم التطبيقية. وقد قيل لي: إن الحكومات المتعاقبة حاولت غير مرة إدخال المواد العلمية في مناهج تلك المدارس لكنها كانت تضطر للتراجع في كل مرة تحت ضغط الطالبان وكتلتهم الاجتماعية المحافظة. أثناء سيطرة طالبان على أفغانستان تم حظر جل وسائل التواصل بما في ذلك الرسم والتصوير الفوتوغرافي والسينما وكل ما يصور الأشخاص أو الكائنات الحية الأخرى. كما حرموا الموسيقا وجميع الآلات باستثناء الدف. ومنعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس، ومنع الأطباء الذكور من علاج النساء، وفرض على النساء رفقة محرم ذكر وارتداء البرقع في كل الأوقات، ومن يخالفن يتم جلدهن أو إعدامهن علانية. كما مارست حركة طالبان الإبادة الثقافية، ودمرت العديد من المعالم المهمة وعلى رأسها تمثال بوذا الشهير في باميان الذي يبلغ من العمر 1500 عام.
بعد أن استخدم الأميركان طالبان لطرد الروس من أفغانستان، حاولوا فرض هيمنتهم عليهم وقصفوهم بأم القنابل التي تعتبر أكبر قنبلة غير نووية في التاريخ، لكنهم فشلوا في ترويضهم، وهاهم الأميركان الآن يتركون البلاد لطالبان على أمل أن يحبطوا مشروع الحزام والطريق الصيني. فهل يعيد التاريخ نفسه؟ أم إن التنين الصيني سيستفيد من أخطاء الدب الروسي؟

(سيرياهوم نيوز-الوطن)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...