*عفيف خولي
انعقدت في كييف في ٢٣ من شهر اب اغسطس الجاري قمة ( منصة القرم ) و التي دأبت قيادة اوكرانيا على الترويج لهذا الحدث بقوة و دعت ممثلين عن الدول الاوروبية و الولايات المتحدة لحضوره ، و الهدف الاساسي هو تحويل هذه المبادرة الدبلوماسية الى آلية دولية للضغط على روسيا ، لتعزيز عودة شبه جزيرة القرم الى أوكرانيا و كذلك لحماية حقوق الانسان على حد قولهم .
ولكن اذا نظرنا الى حيثيات المنتدى فقد كان فخاً ليس لموسكو على الاطلاق ، بل فخاً لأنقرة و لعدة اسباب في آن واحد اهمها : تتار القرم مجرد أداة : من خلال دعوة تركيا لحضور هذا الحدث يحاول الأوكرانيون استخدام انقرة لمصالحهم و بنفس الوقت يتلاعبون بتتار القرم ، فمنذ عام ٢٠١٤ وعدت كييف انقرة بتبني ثلاثة قوانين لدعم مكانة تتار القرم و مع ذلك في منصة القرم ان اعتماد قانون واحد و غير ملزم بشأن الشعوب الاصلية لأوكرانيا .
عيبه الأساسي انه لا ينشئ آليات للنهوض بحقوق الشعوب . فالهيئات التمثيلية لتتار القرم غير معترف بها قانونيا ، و على الرغم من ان تركيا ابدت استعدادها لبناء وحدات سكنية للمتشردين داخلياً من تتار القرم ، إلا ان كييف لا تريد تخصيص اراض لهم . و قد تجلى الموقف الحقيقي لكييف تجاه تتار القرم من خلال كلمة ر ئيس الوزراء السابق باتسنيوك الذي دعا لوضع تتار القرم في مكانهم و حجمهم المناسب و قام بتحجيم قناتهم التلفزيونية . كل ذلك يثبت أن كييف لا تنوي النضال من أجل حقوق تتار القرم و لا تفي بإلتزاماتها تجاه هذا الشعب . و في حالة منصة القرم ، نحن هنا لا نتحدث حتى عن مصالح أوكرانيا وإنما عن المصلحة الشخصية للرئيس لفلاديمير زيلينسكي . فمنصة القرم وسيلة مهمة بالنسبة له لرفع شعبيته الانتخابية . و مع ذلك لم تتمكن اوكرانيا من تقديم برنامج متماسك للمنتدى و قبيل المؤتمر تم اخفاء المعلومات عن مستوى و حجم المشاركة بحجة التقليل من الضغط المحتمل من روسيا . يتبادر للمرء ان كييف ادركت أن المؤتمر قد فشل قبل أن يبدأ فقررت زيادة عدد المدعوين بدعوة دول صغيرة و غير مؤثرة اضافة الى ان التمثيل للدول الرئيسية كان رمزياً من خلال ارسال موظفين دبلوماسيين ، فليس للمشاركين الدوليين مصلحة في منصة القرم و قد فهم الأوكرانيون ان التمثيل الجدي لتركيا في المؤتمر هو بمثابة تواطؤ منها و تدخّل في سياساتهم الداخلية تجاه تتار القرم .
في شهر مارس اذار أدان الرئيس جو بايدن انسحاب تركيا من اتفاقية اسطنبول . وسفير اميركا في تركيا ديفيد ساترفيلد يتفاعل مع المنظمات المثلية في البلاد ، و تستغل امريكا إحجام تركيا عن تبني إيديولوجية التنوع الاجتماعي للمثليين لشن هجمات إعلامية مستمرة ضد تركيا ، فالأيديولوجية الجنسية هي الآن الوجه الجديد للإمبريالية الاميركية ، والتي تستخدمها لتدمير مجتمعات الدول ذات السيادة و المؤسسات الاسرية و تستبدل افكار الصراع الطبقي بمفاهيم التحرر الجنسي . لذلك اختارت الولايات المتحدة وزير النقل بيت بوتيجيج المثلي الجنسية و بشكل علني والذي سجل زواج مثلي رسميا ليكون ممثلها الى تلك المنصة و الذي دعم علنا المثليين الاتراك . و هو مؤشر على ان واشنطن لا تعتبر مبادرة أوكرانيا تستحق اهتماما جاداً و من ناحية اخرى تبين الولايات المتحدة للعالم أجمع بأنها تعتزم الترويج لأجندتها الايديولوجية في جميع الامور بما في ذلك المثلية الجنسية . و بنفس الوقت ارسلت بيت بوتيجيج في محاولة علنية من واشنطن لإذلال تركيا و التي من المفترض أن تلعب دوراً رئيسياً في المؤتمر كونه ( بوتيجيج) دعم علنا الانفصاليين الأكراد ، لقد تعمدوا ارسال شخص غير مقبول لدى تركيا ليظهروا علناً دورهم كقوة مهيمنة في العلاقات الثنائية . و بالفعل حضر الاجتماع ممثلون ثانويون لدول مهمة ، وممثلو دول لا تعني شيئًا في السياسة العالمية. تم تمثيل الولايات المتحدة وألمانيا بوزراء لا علاقة لهم بحل مشكلة القرم. استبدلت ألمانيا في اللحظة الأخيرة مشاركة وزير الخارجية بحجة التوظيف بمشكلة أفغانستان. أي أنهم أوضحوا أن “منصة القرم” لا معنى لها. استخدم رئيس المجر المنصة للإدلاء ببيان حول اضطهاد الأقلية المجرية التي تعيش في أوكرانيا ، وألمح إلى الرفض غير العادل لجزء من أراضي المجر ، التي أصبحت جزءًا من أوكرانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وهكذا ، أصبحت منصة القرم مجرد متجر حديث آخر غير مفيد.
(سيرياهوم نيوز25-8-2021)