ارتفعت أخيراً وتيرة الاحتجاجات الشعبية ضد الوجود الأميركي غير الشرعي في سوريا، في أرياف محافظة الحسكة في شمال شرق البلاد، ولا سيما بعد دخول «قانون قيصر» حيز التنفيذ، والإعلان عن توافق كردي ـــ كردي، «يُقلق» العشائر العربية، رغم تباين مواقفها منه
تصاعدت، في خلال الأسابيع الماضية، حالات الاحتجاج الشعبي ضد الوجود الأميركي في المنطقة الشرقية، سواءٌ عبر التظاهرات والاحتجاجات، أو من خلال قطع الطرقات أمام الدوريات الأميركية ورميها بالحجارة. وتوسّعت رقعة الاحتجاجات، لتشمل مناطق واسعة من أرياف القامشلي والحسكة، غير الخاضعة لسيطرة الجيش السوري، ما يعطي صورة عن ارتفاع مستوى الرفض الشعبي للوجود الأميركي، وخاصة بعد البدء بتطبيق قانون «قيصر» الشهر الماضي.
كذلك، فإن حراك العشائر في الجزيرة السورية، ضد الوجود الأميركي على أراضيها، بات لافتاً أيضاً. عدّة اجتماعات عشائرية عُقدت، خرجت ببيانات تطالب الأميركيين والأتراك بمغادرة الأراضي السورية. برز من هذه الاجتماعات لقاء لـ«مثقّفي ووجهاء العشائر العربية»، في ديوان عشائري لأحد «مشايخ» قبيلة طي، هدّد فيه المجتمعون، للمرة الأولى بشكل صريح، واشنطن بإطلاق مقاومة شعبية واسعة، في حال لم ينفّذ الأميركيون انسحاباً تاماً من الأراضي السورية. وأصدر المجتمعون بياناً اتهموا فيه الأميركيين بـ«استفزاز أبناء القبائل، من خلال دعم مشاريع إقصائية وتهميشية، تشوّه واقع المنطقة، وتخلق الفتنة بين مكوّناتها»، في إشارة إلى دعم «قسد». وحذّر البيان الأميركيين بالقول: «انتبهوا إلى ما تقومون به في الجزيرة السورية، واحذروا الرقص مع الذئاب»،
مذكّرين واشنطن بتجربة قواتها «مع العراق التي عرفوا من خلالها حجم وقدرات أبناء العشائر». كما دعا بيان لـ«مجلس القبائل والعشائر السورية في الحسكة»، أبناء العشائر لـ«الالتحاق بالمقاومة الشعبية لتحرير التراب المقدّس من دنس المحتلّين الأميركي والتركي»، مطالباً «المراهنين على المحتلّين بمراجعة حساباتهم، والالتحاق بالجيش العربي السوري، لاستكمال تحرير الأرض». ويؤكد رئيس مجلس القبائل والعشائر السورية، الشيخ ميزر المسلط، في حديث إلى «الأخبار»، أن «العشائر لم تعد تقبل بالانتهاكات الأميركية التي تعمل على نهب ثروات البلاد، ومنع الوقود والقمح من الوصول إلى الحكومة في دمشق»، معتبراً أن «العشائر تشكّل غالبية سكان المنطقة، وأي تهميش لها سيؤثر على أمنها واستقرارها». ودعا المسلط الأميركيين والأتراك إلى «الاتعاظ من تجارب الماضي القريب، ومغادرة الأراضي التي دخلوها بشكل غير شرعي».
عبّرت العشائر عن مخاوفها من أن يستأثر الأكراد بحكم منطقة شرق الفرات
وفي سياق متصل، شكّل الإعلان عن توافق كردي – كردي، بمساعٍ أميركية، عاملاً إضافياً لتصعيد الحراك الشعبي، في ظل اعتبار العديد من سكان شرق الفرات الاتفاق الأخير تهميشاً للعشائر التي تشكّل غالبية سكان المنطقة. ولاقى الاتفاق الكردي ردود فعل عشائرية مختلفة، ففي وقت رفضته المجالس العشائرية المعارِضة، اعتبره عدد من المجالس الأخرى المقرّبة من الحكومة «فرصة لحوار شامل مع دمشق». كما أبدت العديد من الشخصيات والتيارات السياسية الناشطة في المنطقة «مخاوفها من أن يستأثر الأكراد بحكم منطقة شرق الفرات». واعتبرت قبيلة طي المعروفة، في بيان لعدد من أبنائها، أن «الاتفاقات المنفردة تجري بمعزل عن غالبية أهل الجزيرة، لكونها تجري على أرضية قومية ضيقة»، مؤكداً أن «الهدف هو فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة على الجزيرة السورية». لكن، في المقابل، رحّب بيان «تجمّع سوريا الواحدة»، وهو تجمّع من أبناء العشائر العربية، بـ«أي حوار بين أبناء الشعب السوري، وخاصة الإخوة في التيارات الكردية»، معتبراً أن الاتفاق «سينعكس إيجاباً على الحوار الوطني الشامل».
وكانت «أحزاب الوحدة الوطنية الكردية»، التي يقودها حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي، أصدرت بياناً شرحت فيه تفاصيل الاتفاق الكردي – الكردي الجديد، وأكدت أن الاتفاق «لا يؤثّر على الشراكة الموجودة بين المكوّنات شمال وشرق سوريا، من أكراد وعرب وسريان»، معتبرة أن «الاتفاق يزيد ويدعم الوحدة الوطنية المصانة بين مكوّنات المنطقة، على عكس ما يتم تداوله أنه تقوية من أجل الهيمنة الكردية على المنطقة». ويدرك قادة الأكراد أن عدم إشراك روسيا في أجواء الاتفاقات والحوارات الكردية، كضامن دولي موجود في المنطقة، سيؤدي إلى إضعاف فرص نجاحه، في ظل إعلان غالبية العشائر موافقتها على الدور الروسي كقوة دولية قادرة على إنجاز تسويات تضمن حقوق جميع أبناء المنطقة، بعكس الانحياز الأميركي الواضح إلى الأكراد دون غيرهم. وانطلاقاً من هذه الرؤية، أعلنت «قسد» عبر الصفحة الرسمية لقائدها العام مظلوم عبدي، عن لقاء جمعه مع قائد القوات الروسية في سوريا، ألكسندر تشايكو، وتحدثت عن اتفاق على رفع مستوى التنسيق والعمل المشترك بين «قسد» وموسكو.
(سيرياهوم نيوز/4/ -الاخبار)