لم يتضح بعد مآل الوضع السياسي والأمني في أفغانستان، بعد إتمام القوات الأجنبية انسحابها من هذا البلد، وبروز قوى إقليمية ودولية، باتت تُبدي استعداداً لأداء دورٍ متقدِّم على الساحة الأفغانية. وإلى أن تنجلي الصورة النهائية لشكل نظام الحُكم المرتقب الإعلان عنه قريباً، تبدو حركة «طالبان» ميّالة للركون إلى «الأصدقاء» الموثوقين، من مثل قطر، التي وصل وفد فني من جانبها إلى العاصمة الأفغانية، يوم أمس، لبحث تشغيل مطار كابولفي انتظار أن تميط حركة «طالبان» اللثام عن تشكيلتها الحكومية المرتقب إعلانها في الأيام المقبلة، وما يعنيه ذلك من بلورة شكلٍ أكثر وضوحاً للنظام المقبل، تبدو السلطات الجديدة في كابول أكثر اتجاهاً إلى الاعتماد على «الراعي» القطري، الذي باتت له، كما يظهر، يدٌ طولى في أفغانستان بعد إتمام الولايات المتحدة انسحابها من هذا البلد، لا سيما أن الدوحة اضطلعت بدورٍ رئيس في تسهيل محادثات واشنطن – «طالبان»، والتي نتج منها توقيع اتفاق بين الجانبين، إبّان عهد الإدارة الأميركية السابقة، مهّد لإنهاء الاحتلال، وجلاء القوات الأجنبية. وفيما تتّجه الأنظار راهناً إلى مطار كابول الذي أجلى منه الغربيّون أكثر من 123 ألف شخص بين 14 آب والـ30 منه، حطّت، في العاصمة الأفغانية، طائرة قطرية تحمِل على متنها فريقاً فنيّاً جاء «لمناقشة استئناف عمليات الملاحة»، والبحث في تقديم المساعدة، نزولاً عند رغبة الحركة. وفي الموازاة، شدّد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على ضرورة حماية المدنيين وحرّية التنقّل، حاثاً «طالبان» على توفير ما سمّاه بـ«الممرّ الآمن» للراغبين في الخروج من أفغانستان. وفي مؤتمر صحافي مشترك جمعه إلى وزيرة الخارجية الهولندية، سيغرد كاغ، في الدوحة، عبَّر الوزير القطري عن أمله في أن تكون المرحلة الانتقالية في هذا البلد «سلمية وسلسة»، لافتاً إلى أن سلطات بلاده تواصل الحوار مع «طالبان» من أجل «ترشيد خطابها وسياستها تجاه المرأة، ولضمان ألّا يكون هناك أيّ تراجع عمّا تم تحقيقه لمصلحة المرأة الأفغانية».
توعّد الرئيس الأميركي بمواصلة الحرب ضدّ الإرهاب في أفغانستان وفي دول أخرى
ومع إتمام الولايات المتحدة عملية الانسحاب التي اتّسمت بالفوضى الشديدة، فضلاً عن عودة ظهور تنظيم «داعش» بتفجيرين انتحاريين استهدفا محيط مطار كابول، وأدّيا إلى مقتل 13 جندياً أميركياً، أطلّ الرئيس جو بايدن، مرّة جديدة، ليستكمل دفاعه المستميت عن قراره الانسحاب، حتى أنه وصف عملية الإجلاء بـ«الناجحة والتاريخية»، نظراً إلى أنه «لا توجد عملية إجلاء من حرب تنتهي من دون تعقيدات وتهديدات». وفي كلمة ألقاها من البيت الأبيض، مساء أوّل من أمس، رأى بايدن أن مغادرة أفغانستان «كان القرار الأفضل» للولايات المتحدة، متوّعداً بمواصلة «الحرب ضدّ الإرهاب في أفغانستان ودول أخرى». واعتبر الرئيس الديموقراطي أن الخيار كان «بسيطاً» بعد الاتفاق الذي أبرمه سلفه دونالد ترامب مع «طالبان» العام الماضي، موضحاً أنّه كان أمامه «إمّا أن نمضي قُدُماً في الالتزام الذي تعهّدت به الإدارة السابقة ونغادر أفغانستان، أو نقول إنّنا لن نغادر ونرسل عشرات آلاف الجنود إلى الحرب. كان الخيار بين المغادرة أو التصعيد. لم أكن مستعدّاً لإطالة أمد هذه الحرب إلى ما لا نهاية وأمد الخروج إلى ما لا نهاية». وعبر حسابه في موقع «تويتر»، قال بايدن إن بلاده ستواصل دعم الشعب الأفغاني عبر الديبلوماسية والتأثير الدولي والمساعدات الإنسانية، مؤكداً، في الوقت ذاته، أن واجب الرئيس الأساسي هو «حماية أميركا أمام التهديدات التي تتعرّض لها عام 2021. سلامة أميركا وأمنها لن يتحقّقا من خلال نشر آلاف الجنود الأميركيين في أفغانستان… قرار الانسحاب الأميركي لا يتعلّق فقط بأفغانستان، بل بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى لإعادة تشكيل بلدان أخرى». وفيما لا تبدي واشنطن استعجالاً للاعتراف بنظام حركة «طالبان»، تحثّ المملكة المتحدة خطى حليفتها الأميركية، إذ تفضّل أن تبقى خارج أفغانستان إلى حين استتباب الوضع الأمني، وفق ما أكد وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، والذي لفت، في جلسة طارئة عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، إلى أن تقييم الاستخبارات لم يُشِر قطّ إلى احتمال سقوط كابول هذا العام، مدافعاً هو الآخر عن انسحاب بلاده من أفغانستان.
(سيرياهوم نيوز-وكالات-الاخبار)