المهندس باسل قس نصر الله
يسأل اليوم المسيحيون في سورية – أكثر من أي وقت مضى – عن الجديد الذي ينتظرهم.
على مدى فتراتٍ زمنيةٍ متعددة، وصلتني رسائل عديدة تتكلم عن شيء واحد – مهما تعددت العبارات – ألا وهو التأكيد لا بل التشديد على عدم الرغبة لِأن يغادر المسيحييون أرض سورية.
وصلتني الرسائل الخاصة والعامة للتأكيد على ذلك، وكأنني صاحب القرار أو القدرة على إيقاف نزيف الهروب وهستيريا الهجرة، وكانت أسباب الهجرة من مبدأ أن “هذه الأرض ليست أرضنا” و “إنقطعت مياهنا من هنا” و “المسيحيون لم يبق لهم دَور”، وكل ذلك ترافق مع إحراق كنائس أو العبث بمحتوياتها في الماضي القريب، يُضاف الى ذلك بعض الأفلام التي تم تداولها والتي تؤجج الخوف الدفين، فتَوَجَه المسيحييون الى هجرةٍ سببها ديني وذلك للمرة الأولى في العصر الحديث، حيث كانت الهجرات السابقة تحدث لأسباب إقتصادية بالدرجة الأولى.
الآن بعد أكثر من عشرة أعوام من الحرب السورية بدأت تلفت انتباهي من خلال الرسائل التي تردني، أن غالبيةً مهمةً من المسيحيين المهاجرين الذين ما زالت تربطهم بسورية خيوط قوية تزيد من احتمالات عودتهم، بدأ الإحباط و اليأس يصيبهم من الوضع الاقتصادي شديد الصعوبة التي تمر بها سورية، والأهم باعتقادهم هو التراخي وعدم الوصول الى نتائج ملموسة في محاربة الفساد والقرارات الحكومية المتعلقة بالوضع المعيشي للمواطن، مما أدى إلى نتيجة مفادها: أن أغلب المسيحيين الذين غادروا سورية اصبحوا لا يفكرون إلا بالاستقرار في المهجر.
هذا العدد الكبير والذي كان مؤيدا كبيراً للدولة بدأ يتراجع بأفكاره.
لم يعد لديه أحلام وردية بالعودة، سوى لتصفية ما تبقى لديهم من أملاك وأعمال.
يكاتبونني بأنها مصيبة كبيرة أن تفقد الدولة أهم سند لها في الخارج.
يسافر المسيحييون اليوم من سورية، والغالبية منهم كانت تعتبر سفرها مؤقتاً حتى تنقشع غمامة ما يحدث، ولكن المعادلة اختلفت الآن – وانا حزين لذلك – فأصبح السوريون المسيحيون يفكرون في هجرة أبنائهم ويبحثون في حنايا ذاكراتهم عن أماكن تكون مستقبلاً لهم، ثم يطلبهم الأبناء من مبدأ “لمّ الشمل”.
الغالبية من الفئة العمرية التي تجاوزت الخمسين كانوا يفكرون بأنهم سيعودون ولكن هذه الأحداث الحاصلة جعلتهم يفكرون بهجرة الجيل الشاب الذي يليهم.
عملية تفريغ ممنهجة يشترك بها الجميع، لتهجير المكوِّن السوري المسيحي، نظراً لسهولة اندماجه في المجتمعات الجديدة، وللاستفادة منه مستقبلاً في أي مشروع سياسي أو اقتصادي في المنطقة.
ومن ثمَّ يأتينا البعض من رجال الدين في الكنائس أو في لقاءاتهم – مدفوعين – ليتحدثوا ويطلبوا من المسيحيين عدم الهجرة.
ليتفضلوا ويقولوا لنا ما هي المشاريع التي أقاموها على مدى سنوات سابقة طويلة لأجل منع المسيحيين من الهجرة؟
أين هي مشاريع الإسكان التي قاموا بها، لتمكين الطبقة الفقيرة والمتوسطة – ركيزة المسيحية – من الإستقرار في البلاد؟
توجّه بعضهم لخلق مشاريع استفادت منها الشريحة الغنية فقط، وغالبيتها كان أول من غادر البلاد لدى بداية الأحداث.
سيقولون لنا أنهم أقاموا المشاريع المدرسية، فأجيبهم: أن هذه المشاريع غير كافية لنزع فكرة الهجرة من عقول الفئات التي تشكل الغالبية المسيحية.
يا أيها البعض من رجال الدين المسيحي.
لا شك ان وعي الغالبية من السوريين المسيحيين لمواطنيتهم هي أكبر من مجرد أحلام يضعونها في حقيبة السفر، ولكن هذه الغالبية التي اهملتموها بعدم وفرة طرح المشاريع الجادة لهم، تهاجر وتجعلكم نواطير لمفاتيح بيوتهم.
وقفتم بلباسكم المزركش والملون، وناديتم وصرختم مطالبين بعدم الهجرة، ومنكم من هاجر قبل غيره واضعاً أسباباً مُضحكة لسفره … ومنها أنهم يلحقون بأبنائهم المسيحيين في المهجر لكي لا يتركونهم لوحدهم.
كفاكم بكاءً كالنساء عن المسيحيين الذين لم تقفوا معهم كالرجال.
ثم بعد مواعظكم الغرّاء تغادرون؟؟؟؟
اللهم اشهد اني بلغت
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم