- يحيى دبوق
- الجمعة 10 تموز 2020
كان واضحاً منذ بدء الأزمة أن آمال إسرائيل والولايات المتحدة مفرطة، في أن يؤدي «الضغط الأقصى» على لبنان إلى نتائج عجزت عنه الأداة العسكرية والأمنية والتهديدات، إضافة إلى سنوات طويلة من الرهان على الحرب على سوريا، بعد تعذر استمالتها.
في الخلفية، كان لانفجار الأزمة الاقتصادية قبل أشهر صدًى طيباً في تل أبيب، التي مدّت توقعاتها إلى الحد الذي استبشرت فيه ليس فقط بإشغال حزب الله عنها والتشويش الجاد على أجندة تعاظم قدراته، بل أيضاً على إمكان إضعافه بأدوات داخلية لبنانية، على خلفية الأزمة الاقتصادية نفسها، التي رأت فيها فرصة يمكن استغلالها في محاولة توجيه تبعاتها وسلبياتها ضد المقاومة وسلاحها، خاصة أن مواقف لبنانية بالأصالة وبالوكالة عن إسرائيل، جاهزة و«غب الطلب» للتحرك ضد حزب الله والتحريض والافتراء عليه.
وإن كانت الولايات المتحدة هي الجهة التي تؤدي الدور الأبرز والأكثر تأثيراً وحثاً على حصار لبنان، وكذلك على محاولة تحميل حزب الله مسؤولية أزماته، إلا أن إسرائيل لا تغيب عن دائرة التأثير والتحريض، وهو ما يتكشّف تباعاً. وفي ما يلي جزء ممّا يرد تلميحاً عن العدو، ليؤكد مسؤوليتها عن استدامة الأزمة، ومنع معالجتها.
لكن قبل عرض المعطيات الإسرائيلية، من المفيد الإشارة إلى أن استراتيجية «إخضاع» لبنان باتت تقريباً في ذروتها، وإن كان مرجّحاً بقدر، أيضاً، أن يواجه لبنان مستوى أعلى من الضغوط والحصار، إن أخطأ العدو في حساباته. لكنّ بين الولايات المتحدة وإسرائيل فروقاً وإن كانتا متحدتين ابتداءً في معركة «الإخضاع»، إذ يختلف مستوى التبعات والتأثيرات السلبية بين الحليفين في حال إفراط الضغط على لبنان و«حشر مقاومته في الزاوية». يمكن للولايات المتحدة إبعاد نفسها عن التبعات المباشرة، مع قدرة نسبية على تحمّل أي تبعات سلبية في مكانتها ونفوذها في لبنان. لكن من ناحية إسرائيل، الأمر مختلف والنتيجة تدور بين اتجاهين: نجاح كامل يحقق إرادة إسرائيل، أو فشل مدوّ لا يقل في تبعاته السلبية عن حرب عسكرية، هذا إن لم تتسبب الضغوط نفسها في نشوب الحرب.
في إطار انكشاف دور إسرائيل في تفاقم الأزمة واستغلال تبعاتها، أكد مركز هرتسيليا المتعدد المجالات، المركز البحثي الرائد في إسرائيل، صوابية المقاربة للساحة اللبنانية وضرورة تطويرها أكثر باتجاه تأزيم حزب الله وزيادة ضائقته، وتحديداً تأليب اللبنانيين عليه. في نشرته الدورية «نظرة سياسية – أمنية»، نوّه «معهد السياسة والاستراتيجيا» التابع لمركز هرتسيليا، بالاستراتيجيا المفعلة ضد حزب الله في سياق الازمة الاقتصادية في لبنان، وطالب بالمزيد. وممّا ورد في نشرته:
«… واحدة من الفرص الإسرائيلية، هي الاحتجاجات التي تجددت أخيراً ونددت بالسلطة وطالبت بتغيير الترتيب (السياسي) القائم في لبنان، إذ تكمن في ذلك جدوى تخدم إسرائيل، لكونها تركز في سياقها على توجيه انتقادات متزايدة ضد حزب الله وضد قدراته العسكرية، ومن شأنها المساهمة في كبحه بكل ما يتعلق بالمواجهة مع إسرائيل. مع ذلك، حشر حزب الله في الزاوية، يمكن أن يعزز مستوى توثبه (عسكرياً) في مواجهة إسرائيل، كأسلوب صدّ للانتقادات الداخلية في لبنان.
– في الموازاة، (يجب) العمل على إظهار حزب الله أنه صاحب دور إشكاليّ في لبنان عبر الحديث عن سيطرته على حكومة فاشلة، وكذلك إظهار تورّطه السلبي في المنطقة – سوريا والعراق واليمن – يوفر فرصة لتعزيز الضغط الدولي عليه. وتبعاً لذلك، من المفيد أن يتركز الجهد الدبلوماسي على مسار توصيف حزب الله منظمة إرهابية، وتقديمه دولياً على أنه ذراع إيرانية في المنطقة، وكذلك أيضاً العمل على إشغال الأسرة الدولية في مكافحة تعاظم قدراته العسكرية النوعية التي تشمل قدرات دقيقة، والتركيز على أن هذه القدرات تشكل خطراً على جيران لبنان، وفي المقدمة إسرائيل.
يجب التوجه نحو الرأي العام اللبناني، والتأثير فيه بأن حزب الله يؤخر ترميم الدولة
– ما يُرجّح إمكان نجاح هذه الاستراتيجية، هو (خلاصة) دراسات وأبحاث تبلورت لدى محافل بحثية في الفترة الماضية، وخلصت إلى أن الأزمات والأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان، هي فرصة طيبة كي تستخدم رافعة لإنتاج ربط بين حزمة إنقاذ اقتصادية دولية وبين مطلب وقف نشاط حزب الله الإشكالي، على أن يصاحب هذه الجهود توجه نحو الرأي العام اللبناني، والتأثير في وعيه بأن حزب الله يؤخر ترميم الدولة (اقتصادياً).
– من المفيد في السياق نفسه التعميم والنشر على نطاق واسع، أن الوجود العسكري لحزب الله في جنوب لبنان يمثّل خرقاً للقرار الأممي 1701، وأنه كذلك يمثّل تهديداً ضد القوات الدولية – اليونيفيل، ويُسهم في إفشال مهامها وتفويضها».
في عطف لما تقدم على مقالة قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، اللواء أمير برعام في عدد نيسان 2019، من مجلة معرخوت العسكرية تأكيد للتوجه والارادة المسبقتين لاستغلال الأوضاع الداخلية اللبنانية في اتجاه التأليب والتحريض على حزب الله. توجه يجد كثيرا من مصاديقه العملية والواضحة جداً، منذ بدء الأزمة في 17 تشرين الأول الماضي.
برعام: ينبغي التركيز على أن الصراع الذي يخوضه حزب الله يتم فعلياً بتعليمات إيران
أشار برعام في حينه، أي قبل عام وثلاثة أشهر، إلى ضرورة العمل على إضعاف مكانة حزب الله عبر مواجهته من الداخل اللبناني، وبواسطة تنفيذ سلسلة من الخطوات، من بينها العمل على نزع البعد الوطني لدوره الحمائي والتركيز على أن «الصراع الذي يخوضه (ضد إسرائيل)، ويقدم نفسه فيه حامياً للبنان، يتم فعلياً بتعليمات إيران وبالسلاح الذي تقدمه له». ويضيف أن من الضروري «تقديم نتائج نشاطات حزب الله على أنها قد تجرّ خراباً على لبنان وليس حمايته»، داعياً إلى «تعزيز الصوت المعارض لحزب الله وسط الطوائف والجماعات غير الشيعية».
أطروحة مركز السياسة والاستراتيجيا في هرتسيليا، معطوفة على سلسلة خطوات برعام لتأليب اللبنانيين على حزب الله، وكذلك تقارير ومنشورات سبقت الأزمة وأعقبتها، هي في حد أدنى مدعاة لتأمل اللبنانيين والبحث في أسباب استدامة أزمتهم الاقتصادية. يتعذر الحديث عن صدفة ما يرد من تل أبيب وتطابقه مع ما يجري حالياً في لبنان من مواقف وتحركات، خاصة ما يتطابق إلى حدّ لافت مع تنظير «هرتسيليا»، لجهة شكل وأسلوب ومضمون وديباجة خطوات مواجهة حزب الله، أو تغيير صورته من حامي لبنان الى سبب خرابه، وكذلك ربط وجود سلاحه وتعاظمه ودقته بالأزمة الاقتصادية والنقدية التي ما زال اللبنانيون يعانون منها، ويتعذر عليهم إلى الآن إيجاد حل لها، نتيجة الموقف الأميركي المعادي للبنان وإصراره على الحصار وإدامة الأزمة.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)