حسين صقر:
لمعان الشهرة يغري كدفء الشمس في بحر الشتاء، ووهج اهتمام الآخرين فينا كبشر قد يحرق الذات، حيث لبريقها الساطع أثره الكبير أمام ضعاف النفوس، فطالبها مذموم وعمل الخير الذي يسعى إليه يضيع على دروب المديح.
بهذه الكلمات استهل الخياط المسن “م.ه” الملقب بأبي علي حديثه معي عندما أخبرته رغبتي بإجراء لقاء مقتضب معه عن مهنته التي يزاولها منذ أربعة وستين عاماً، رافضاً التقاط أي صورة له أو لمحل عمله المتواضع، أو نشر اسمه على هذا الحديث.
العم الذي أتحدث عنه ، مازال يتعامل بالمئة ليرة والمئتين، وعندما تسأله عن سبب ذلك، وأن فئة المئة اختفت من تعامل الحرفيين وأصحاب المهن، يقول: علمنا آباؤنا وأجدادنا أن الخير في القليل، حيث لا ندري بأي سنبلة بركة الرزق، وأن هذا القليل الذي يتقاضاه نتيجة إصلاح ثوب أو سروال أو أي قطعة ألبسة، بالتأكيد قيمته المعنوية تفوق الكثير مما يطمح إليه مادياً.
وأضاف أننا اليوم في بداية المدارس، والكثير من أهالي الطلاب يعاني في تأمين حاجات أبنائه من لباس وقرطاسية وغير ذلك، وعلينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً لمواجهة الأعباء المترتبة على هؤلاء الأهل، حيث يكفي أن يكون هناك ولدان في المدرسة ليشعر الأب بحمل المتطلبات الثقيل، ولهذا أرى أنه من الضروري الشعور بالآخرين، حتى نكون أناساً بما للكلمة من معنى.
وقال ” م. ه” مضى على عملي
في هذه المهنة تلك السنوات التي ذكرت، وتعلمت منها الكثير، حيث الموعد مقدس، لأن قضاء حوائج الناس أمر مهم، والالتزام نحوهم أكثر أهمية، حيث اعتدت أن آخذ القياس المطلوب، والتعديل الذي يريده صاحب القطعة، واسمه وأدوٌن ذلك على ورقة صغيرة، وأكتب عليها رقم الهاتف أيضاً والتكلفة الرمزية كما ترى، واليوم الذي يفترض أن أسلم به تلك القطعة، وأشكلها بدبوس عليها، فتكون في نفس اليوم جاهزة، إلا إذا حصل طارئاً، عندها أتصل به وأعتذر منه، وأحدد له يوماً آخر للتسليم، حيث الطوارئ تقتصر على حالات الوفاة والمرض، وما عدا ذلك ليس طارئاً من وجهة نظري، فالالتزام بالموعد، ليس احتراماً للزبون وحسب، بل هو احترام للنفس وتقدير لها وإعلاء من شأنها، فالصدق من الإيمان كالرأس من الجسد، و يجب أن تقوم عليه تعاملات الناس فيما بينهم.
وأضاف الخياط الشيخ الذي رفض ذكر اسمه، أقابل الزبون بابتسامة، محاولاً التخفيف عنه شقاء يومه، وأسعى جهدي لإصلاح القطعة، و إعادتها قدر الإمكان، وكأنه لم يحصل عليها أي تعديل، وأوضح أنه تصادفه بعض الحالات التي يتم تخريبها من أشخاص في المهنة لايقدرون قيمة المهنة أو القطعة، وعندما أجد الحل، وأقوم بالإصلاح أو التعديل، أشعر بسعادة غامرة لا توصف، عندها فقط أنام مرتاح البال هادئ الضمير.
وبين الحرفي ” م.ه ” أن خياطة الملابس واحدة من المهن ذات الصيت الطيب في كافة المجتمعات، فهذه المهنة، ونوه أنه رغم بساطتها تحتاج لمهارات عالية وصبر ودقة، وتلعب الخبرة فيها دوراً كبيراً في جذب الزبائن
وأهاب العم ” م. ه” بأصحاب هذه المهنة أن يتعاملوا مع الناس بطيبة وقناعة، حيث القناعة كنز لايفنى، والخير كما ذكرت في القليل، موضحاً أن أبناءه جميعاً أحبوا تلك المهنة وعملوا بها، رغم حصولهم على شهادات جامعية، حيث حببهم بها، واليوم يسيرون على نفس النهج الذي علمهم إياه والدهم، وعندما أصربت عليه لإشهار اسمه، طلب مني بكل هدوء ألا أفعل، وأن أكتفي بالإشارة له فقط، وكرر قائلاً: عسى أن نكون من أصحاب الإرادة الذين يستطيعون تجاوز الشهرة، ولاسيما بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي لاتحترم خصوصية النشر، لبعض الناس بمن فيهم من لا يملكون الموهبة أو الخبرة، وذلك في غضون ثوان معدودة.
منوهاً بأن هناك من يلهث وراء الشهرة بمختلف الوسائل، ويسعى إلى كسبها بشتى الطرق، وذلك لعدة أسباب، منها كسب المال، أو الحصول على الوجاهة، أو حب الظهور بين الناس، أو توجيه المدح والإطراء إليه، أو تغطية عيوبه.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة