- حسين إبراهيم
- الأربعاء 15 أيلول 2021
مع دنوّ موعد الانتخابات العراقية المبكرة المقرَّرة في العاشر من تشرين الأول المقبل، واكتمال نصاب المشاركين فيها إثر عودة مقتدى الصدر عن قرار المقاطعة، تبرز مؤشّرات إلى أن هذه الانتخابات ستكون مفتوحة، مع تراجع التأثيرات الدولية والإقليمية، عطفاً على قرار واشنطن سحب كامل قوّاتها القتالية من البلاد (باستثناء المدرّبين والمستشارين)، بما يهيّئ لنقلة نوعية في العملية السياسية، منفوحة بدينامية جديدة، حتى إن لم تؤدِّ إلى تغيير كبير في أوزان القوى السياسية المشاركةدفع القرار الأميركي بالانسحاب كلّياً من العراق قبل نهاية العام الجاري، نحو بروز تغيير جوهري في خريطة الانتخابات التشريعية في هذا البلد، وذلك على صعيد التحالفات الداخلية المرعيّة إقليمياً والتي تختلف متطلّباتها حتماً، بين أن يكون الاحتلال قائماً، كما في عام 2003 حين وُجّهت الاتّهامات إلى السلطة العراقية بعد إطاحة نظام صدام حسين بأنها جاءت على ظهر الدبابة الأميركية، وبين أن يكون راحلاً. ففي الحالة الثانية، لن تكون ثمّة حاجة إلى تفعيل المقاومة المسلّحة ضدّ الاحتلال، ودعم قاعدتها السياسية عبر البرلمان. وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر مطّلعة على ما يجري في العراق لـ«الأخبار» أنه جرى إقناع الصدر، من بوّابة كونه معارضاً للاحتلال الأميركي، بالعودة عن قراره بمقاطعة الانتخابات والذي كان سيترك فراغاً كبيراً يصعب تعويضه، ويؤثّر على نسبة الاقتراع، ولربّما كان سيعمّق التباعد بين «التيار الصدري» الذي اختطّ منذ مدّة طويلة طريقاً خاصاً به، يقوم على تنويع علاقاته في الداخل العراقي وعلى مستوى الإقليم، وبين القوى الأخرى المناهضة للاحتلال، أقلّه في ما يتعلّق بالسياسات الداخلية العراقية، وعلاقات بغداد بالدول المحيطة بها، ولا سيما إيران والسعودية. ولو ظلّ الصدر على مقاطعته للانتخابات، لكان سيعتمد الشارع بدلاً من المؤسّسات الدستورية وسيلة للضغط باتجاه التأثير في سياسات البلاد، وهو ما سيؤدّي بدوره إلى إثارة مزيد من المشكلات التي لا يجد المعنيّون بالأوضاع العراقية مبرّراً لها، ما دام الاحتلال سينسحب.
ونظراً إلى التنافس الكبير داخل «البيت الشيعي» نفسه، خاصة على موقع رئاسة الوزراء، يحاذر الحلفاء الإقليميون للعراق، ولا سيما «حزب الله» الذي تربطه علاقة جيّدة بمعظم القوى السياسية العراقية، الوقوف مع طرف دون آخر داخل هذا البيت، مِن مِثل مساعدة أحدهم عبر نقل تجارب الماكينات الانتخابية إليه. ففي ظلّ انسحاب الاحتلال، تتقدّم الحاجة إلى التوفيق بين المتنافسين، «شيعياً» وعراقياً، لبناء البلد، على الحاجة إلى القتال بهدف التحرير، على رغم الدور الكبير المستمرّ لفصائل المقاومة، كحارس للأراضي العراقية، خاصة بالنظر إلى تجربة صعود «داعش» السريع في عام 2014، حين كان البلد مكشوفاً أمنياً بسبب الخلل المتعمّد في بناء الجيش والقوى الأمنية العراقية على يد قوات الاحتلال الأميركي. وما يساعد على ذلك تمتُّع الحلفاء الإقليميين بعلاقات طيبّة مع كلّ القوى داخل «البيت الشيعي»، بما فيها المرجعيات الدينية، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي نجح في أن يشكّل نقطة تقاطع بين القوى السياسية العراقية، وأيضاً بين القوى الإقليمية والعالمية، مِن مِثل إيران والسعودية اللتين يجري التفاوض بينهما في العراق بوساطته شخصياً. ولربّما يؤهّله دوره هذا للاستمرار في منصبه لولاية ثانية، على رغم استمرار تردّي الأوضاع في عهده بفعل تركة الفساد الثقيلة التي لا تزال تشلّ البلد.
في ظلّ انسحاب الاحتلال تتقدّم الحاجة إلى التوفيق بين المتنافسين على الحاجة إلى القتال
ويتعزّز موقع الكاظمي في ضوء عودة الصدر عن قرار المقاطعة، خاصة أن الأخير بات أضعف من أن يكون ناخباً أوّل أو وحيداً لرئيس الوزراء المقبل، مثلما كان يأمل قبل أزمة الانقطاع المتكرّر للكهرباء وحرائق المستشفيات التي حُمّل «التيار الصدري» القسط الأكبر من المسؤولية عنها، نظراً إلى كون الوزراء المعنيّين بها محسوبين عليه، وهو ما ساهم في حينه مساهمة حاسمة في اتخاذ قرار المقاطعة. قبل تلك التطورات، كان من المتوقّع لـ«الصدريين» أنْ يحقّقوا تقدّماً كبيراً في الانتخابات. ولذلك أعدّوا تحالفاً، للإعلان عنه بعد الانتخابات، يشمل خصوصاً «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، والكتل «السُنّية» القريبة من السعودية. في المقابل، بدأ «الحشد الشعبي» يعاني من بعض المشكلات، نتيجة التنافس بين فصائله من جهة، وبين قادته على منصب رئيس الوزراء من جهة ثانية. وسجّلت المصادر وجود ترشيحات مموَّلة جيداً في كلّ المناطق في موازاة مرشّحي «الحشد»، ما يُنذر بتشتّت الأصوات وحرمان بعض مرشّحي الأخير من فرصة الفوز، على رغم أن المرشّحين الآخرين هم من الاتجاه السياسي نفسه.
ومع ذلك، ترى المصادر أنه لن يكون هناك فائز واضح في الانتخابات، ولذا ستعود القوى السياسية إلى الصيغ الائتلافية، إنما قد لا تكون بالضرورة من النوع الذي يثير حساسيات قوى أخرى، وقطاعات واسعة من الشعب العراقي، بسبب الغلوّ في الفساد. ومن المتوقّع أن يتمكّن «الحشد»، بالتحالف مع العشائر «السُنّية» التي حاربت تنظيم «داعش» ومع «الاتحاد الوطني الكردستاني»، من الحصول على كتلة وازنة في مجلس النواب المقبل. أيضاً، يطمح «الحشد» إلى تثبيت انخراط أكبر في المعركة الإقليمية، وهو ما تجلّى في إبداء أمين عام «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، استعداده للقتال في معركة القدس، إذا ما حصلت. لكن من المشكلات الكبيرة التي يواجهها «الحشد» حالياً أن رئيس هيئته، فالح الفياض، يبدي حرداً على التطوّرات الأخيرة، وهو ينوي تشكيل لائحة بمفرده يستند فيها إلى قوّته العشائرية، إذ ينتمي إلى عشيرة البو عامر، وهي العشيرة نفسها التي ينتمي إليها رئيس «تحالف الفتح» هادي العامري، الذي لديه طموح قديم – جديد إلى رئاسة الوزراء، والذي كان قد صعّد لهجته ضدّ الاحتلال أخيراً، قائلاً إن العراق لا يريد بقاء حتى مستشارين أو مدرّبين، فالاحتلال يجب أن يخرج بكلّ أشكاله.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)