قالت مجلة “ناشيونال إنترست” في مقال لها إن “الخطأ الكبير في باريس هو ارتكاب فضيحة تتجاهل الصورة الأكبر، وهي أن تحالف واشنطن وسدني ولندن هو أولاً وقبل كل شيء ضربة لبكين وسياستها الخارجية العدوانية”.
واضافت المجلة “أظهرت الأيام الماضية ذلك: الفرنسيون ليسوا سعداء بخروجهم من “صفقة الغواصات” مع أستراليا، (عقد القرن)، الذي تم توقيعه الأسبوع الماضي بين أستراليا والمملكة المتحدة و الولايات المتحدة، ولأول مرة في علاقاتهما الثنائية، استدعت باريس سفيرها لدى واشنطن “للتشاور” ، وسط تصريحات إعلامية لسياسيين ونخب فرنسية عبرت بقوة وبلا دبلوماسية عن غضبها، وصدرت دعوات لإعادة مستوى من “الديغولية” وتحفيز علاقة باريس (وأوروبا) مع الصين”.
وقالت “لا يعني ذلك أن الفرنسيين على حق في لعب دور الضحية البريء، اذ لم يكن سراً لأحد (باستثناء الإليزيه ووزارة الخارجية الفرنسية على ما يبدو) أن الصفقة مع أستراليا كانت تواجه صعوبات”.
وقالت صحيفة “لي فيغارو” في مقال لها عن كيفية بحث أستراليا بنشاط عن خطة(ب) والجميع يعلم ذلك، وأصبحت الصفقة قضية سياسية داخلية في أستراليا، وخلال الأشهر القليلة الماضية تبدّلت الهواجس الأمنية الأسترالية بسرعة نتيجة للتنمّر الصيني وتمدد سطوة بكين ما استدعى توثيق العلاقة. لكن، ومن الواضح أن السياسيين الفرنسيين لم يأخذوها على محمل الجد.
والأهم من ذلك، أن الخطأ الكبير في باريس هو ارتكاب فضيحة تتجاهل الصورة الأكبر، وهي أن تحالف واشنطن وسدني ولندن هو أولاً وقبل كل شيء ضربة لبكين وسياستها الخارجية العدوانية. وفرنسا والاتحاد الأوروبي قلقان بالقدر عينه من النفوذ الصيني. ما يفرض على الفرنسيين أخذ ذلك في الاعتبار قبل المضيّ في تنفير الشركاء الغربيين على أمرٍ هو جزء من أمر أكبر، حسب المجلة.
وتابعت “ربما يبالغ الفرنسيون في استخدام غضبهم، لكنهم يملكون أسباباً وجيهة، فالطريقة التي أنهت الصفقة المذكورة فيها الكثير من عدم المبالاة. وذلك سيرتب عواقب متوقعة على الاتفاقات التجارية والتي هي قيد التفاوض حالياً مع الاتحاد الأوروبي. وكذلك ضد الولايات المتحدة لتجاهلها التام للمصالح الفرنسية، وما ستعكسه على قمة “حلف الناتو” المقبلة في العام المقبل في العاصمة الإسبانية مدريد”.
وفالت “فرنسا قد لا تكون قوة عالمية، وبالتأكيد أقل أهمية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من أستراليا لكن إمكاناتها مزعجة في أوروبا. وهي قوة مقيمة في المحيط الهادئ، حيث يعيش 1.6 مليون فرنسي في أقاليم ما وراء البحار مثل نيو كاليدونيا وبولينيزيا الفرنسية ومنطقة اقتصادية كبيرة جداً تشكل ثلاثة أرباع إجمالي فرنسا. كذلك فرنسا تشكل أفضل رهان لأميركا لأن يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً كحليف في المنطقة”.
من منظور أميركي، قالت المجلة، من السهل رفض عقد تجاري واحد على أنه ليس صفقة كبيرة. لكنها كانت مهمة للغاية للفرنسيين ، لعدة أسباب:
أولاً كانت الصفقة في الواقع مهمة للغاية بالنسبة لصناعة الأسلحة الفرنسية. وهذا يساعد في الحفاظ على المعايير العالية للجيش الفرنسي، ونتيجة لذلك، يساعد أميركا على محاربة “الجهاديين” في منطقة الساحل دون نشر القوات على الأرض.
كما أنه يسمح لفرنسا بجلب قيمة مضافة كبيرة إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في أيار/ مايو من هذا العام، تم إرسال أسطول فرنسي إلى كيوشو لإجراء مناورات مشتركة مع الحلفاء اليابانيين والأستراليين والولايات المتحدة.
إخراج الفرنسيين مما أطلق عليه باسم “عقد القرن” يعرض أجزاء كاملة من صناعة الدفاع الفرنسية للخطر، والأهم من ذلك، أنه يقدم حججاً لأولئك في باريس الذين يقولون دائماً “إن الأنجلو لا يمكن الوثوق بهم”.
في الواقع، من نتائج هذه الكارثة الفرنسية أنها تعزز تيار الديغوليين الجدد المناهضين لأميركا في وزارة الخارجية الفرنسية.
ومن المؤكد أنه بعد فترة قصيرة من القطيعة بين أعوام (2005-2010) فإن نوايا الديغولية الجديدة واضحة، في الإبقاء على مسافة من “التحالف الأطلسي”. ويرون أن فرنسا وأوروبا عليهم الموازنة بين الشرق والغرب بدلاً من الانحياز إلى الغرب.
كما سيكون من الخطأ رفض هذا باعتباره غروراً فرنسياً فريداً، فهناك مدرسة فكرية صاعدة داخل النخب الأوروبية نحو هذا التفكير “القاري”، حسب المجلة
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم