سوسن صيداوي- ت: طارق السعدوني
الأربعاء, 29-09-2021
في اليوم العالمي للترجمة، احتفل أهل الفكر والثقافة والمترجمون جميعاً، بهذه المناسبة التي تذكرنا في كل عام بالوسيلة القادرة على بناء جسور الثقافة بين الحضارات، عبر إيصال الإبداع الثقافي المتنوع للإنسانية قاطبة بغض النظر عن اللغة المنطوقة.
فبرعاية وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح وبالتعاون مع جامعة دمشق – المعهد العالي للترجمة، ومجمع اللغة العربية. اتحاد الكتّاب العرب واتحاد الناشرين السوريين، أقيمت الندوة الوطنية للترجمة 2021 (التجربة الوطنية السورية في الترجمة).
افتتحت بالوقوف دقيقة صمت إجلالاً لأرواح الشهداء وبالنشيد العربي السوري. لتتوالى كلمات افتتاح الندوة. ومن بعدها تم الانتقال إلى الجلسة الأولى والتي قام بإدارتها الأستاذ غسان السيد بدلاً من د. ثائر زين الدين الذي اعتذر عن الحضور لأسباب صحيّة. وللمزيد عن كلمات الافتتاح وما دار في الجلسة الأولى من إضاءات حول أهمية الترجمة وضرورتها الملحة في إناء الحالة الثقافية، مع ما تواجهه من إشكاليات وصعوبات. نترككم مع مزيد من التفاصيل.
الترجمة فعل إنساني ومعرفي
في تصريح لـ«الوطـن» أشارت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح إلى أن الترجمة من الممكن أن تكون من أو إلى لغات أخرى، وعن ضرورة تشجيع الترجمة من اللغة العربية بمؤلفاتها السورية أكدت قائلة: «الترجمة من لغة أجنبية إلى اللغة العربية شائعة كوننا ما زلنا نستورد المعرفة ولا نصدّرها. قد نستطيع أن نصدّر الأدب والمسرح والشعر، ولكن اليوم لدينا أولويات كبيرة بنقل المعارف العلمية والفكرية لتطوير الجانب الثقافي للمواطن العربي. وهذه الندوة التي تحتفي باليوم العالمي للترجمة، تعرض الأعمال المترجمة وترصد المشكلات والعقبات التي تواجه الترجمة السورية، وتحاول أن تضع قواعد لآفاق مستقبلية بغية تطوير الترجمة، والتي هي أسمى من تكون مهنة، فهي شغف ورسالة لأنها تبني جسوراً بين الثقافات وتساعد على استيراد المعرفة بما فيها من مصطلحات وفكر ورؤى للمستقبل».
كما وأوضحت بحديثها أن الترجمة علم بحد ذاته ويسير وفق مجموعة كبيرة من الفرضيات والقواعد المتجددة، متابعة: «لا أحد يملك الوصفة السحرية للترجمة فلكل نوع من الكتب والنصوص طبيعته وأسلوبه، فالكتاب العلمي لا يترجم بأسلوب الكتاب الأدبيّ، والأخير يختلف في طرق إبداعه. كما تختلف أدوات المترجم بحسب اللغة التي ينقل منها وينقل إليها، فكل نص له خصوصيته وله الأسس التي يجب أن يراعيها المترجم في الترجمة».
هذا وفي كلمة وزيرة الثقافة الافتتاحية أكدت أن اللقاء في الندوة في يوم الترجمة العالمي ما هو إلا احتفال «بالترجمة فعلاً إنسانياً وثقافياً ومعرفياً»، موضحة أن الإنجازات التي حققها الأفراد والجماعات العاملين على الصعيد الشخصي والمؤسساتي كثيرة «جهود تضافرت وساعات عمل طوال بُذلت، وأموال أنفقت، لتمكين المترجم من المساهمة في عملية الإغناء الفكري والمعرفي والتنمية الحضارية بكل أبعادها».
كلمة المترجمين السوريين
من جانبها وفي افتتاحية الندوة ألقت د. زبيدة القاضي كلمة حملت عنوان: «كلمة المترجمين السوريين» مهنئة المترجمون السوريين والعرب والمترجمين في كل أنحاء العالم في اليوم العالمي للترجمة، متابعة: «في هذه الندوة نحن نجتمع في دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، في سورية مهد الحضارات، نؤكد على دور المترجم الحضاري في نقل قيم الخير والعدالة والجمال التي قدمته هذه البلد للعالم». وعن دور الترجمة في بناء جسور التواصل بين الحضارات تضيف: «إذا كان للمترجم في العصور الماضية دور مهم في نقل المعارف والعلوم التي نشرتها الحضارة العربية الإسلامية في العالم كلّه، فللمترجم اليوم دور لا يقل أهمية في التبادل الثقافي والحضاري».
اللغات أبواب ثقافات الأمم
العارض المرضيّ عطّل على مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب د. ثائر زين الدين القدوم والمشاركة في الندوة، ولكن كلمته التي حملت عنوان: (عن دور وزارة الثقافة السورية في الترجمة) ألقاها الأستاذ غسان السيد، والتي طرح فيها د. زين الدين الأثر البالغ في تاريخ البشرية الذي تركته الترجمة منذ العصور القديمة، موضحاً بأن الشعوب في مراحل نهوضها وانطلاقها لبناء حضارتها الخاصة، كانت تُترجم معارف الأمم وعلومها وآدابها، وتجعلها أساساً للبناء عليه بتقديم إضافاتها الخاصة. مضيفاً « أعلنت الهيئة العامة السورية للكتاب منذ فترة قريبة إطلاق المشروع الوطني للترجمة وشكّلت لجاناً مختصة لذلك، وتضع خطة طموحة في كل عام نتمنى أن يؤازرها فيها اتحاد الكتاب ودور النشر الخاصة وغيرها، وأن تُرصد لها الموازنات اللازمة، عسى أن تكون حجر الأساس في نهضة قادمة، تذكرنا بدار الحكمة زمن المأمون.
قليلاً ما نجد إحصائيات دقيقة تبيّن لنا أعداد الكتب التي ترجمناها إلى العربية من لغات العالم، أو ما تُرجم من العربية إلى مختلف اللغات، فلو أردنا الآن أن نعرف ما نشرته مثلا دور النشر السورية من الأعمال المترجمة إلى العربية في هذه السنة أو تلك، وخلال العقد الماضي أو الذي سبقه، فلن نتمكن من ذلك بالدقة المطلوبة وهي مسألة يرجع بها عادة إلى المكتبات الوطنية ومعاهد الأبحاث والمدارس المختصة وما شابه».
المترجم… الكافر الجميل
من جانبه أوضح د. وائل بركات في مداخلته والتي جاءت بالعنوان( مقدمة الترجمة: عتبة إغواء ودليل عمل، قراءة في مقدمات ترجمات إلى العربية صادرة في سورية). أهمية مقدمة المترجم ودورها في: إلقاء الضوء على العمل المترجم وبالتعريف بالكاتب وبأهمية الكتاب، وأيضاً في تسليط الضوء على مميزات الكتاب في مجاله، مع تبيان منهج الكاتب المتبع في الكتاب، وشرح آلية عمل الكاتب، مع شرح للصعوبات التي اعترضت العمل. وكلّ ذلك مشروح بالاستناد إلى بعض من النماذج التي توضح بحثه. معتبراً في حديثه أن المترجم خائن ولو أنه ناقل لمعرفة جديدة، وحول هذه النقطة يوضح د. بركات: «المترجم ناقل معرفة جديدة، لكنه خائن بالتأكيد. وهي قولة باطل يراد بها حق. فهو يخون حين يكتب بلغة غريبة وأسلوب جديد نصاً سبق وكتبَه غيرُه بلغة أم؛ وهو يخون أيضاً لأنه لا ينقل المعنى كاملاً ويكتفي بأغلبه بصورة أو بأخرى لأن ما تتسع له الدلالة بلغة قد لا تكون متاحة بأخرى ولاسيما في الأمور الإيحائية، والأمر ذاته ينطبق على الأسلوب. ولكي يسوّغ المترجم فعلَ الخيانة هذا –أي الترجمة- غالباً ما يذكر الأسباب التي دفعته إلى فعلته تلك مثل: أهمية العمل وشأنُ صاحبه والمعرفةُ التي يضمها أو العلمُ الذي يتقدم فيه أو غير ذلك من الأمور التي حضرته أثناء تصديه لترجمة هذا المؤلَّف. ولا يكتفي بذلك بل سيكون في عمله المترجِمَ الذي يعرِّف بأفكار الكتاب ويوضح إشكالياته، ويشرح خطته التي عُمِل بها، كما سيبيّن طريقتَه في الترجمة». وفي النماذج التي تطرق لها د. بركات شرح الآليات التي اعتمدها المترجمون مع تسليط الضوء على الصعوبات التي واجهتهم. مركزاً في حديثه على الإشكالية الأكبر وهي المصطلحات التي يقع في مطبّها الكثير من المترجمين، ليقول: «عرضت إشكالية المصطلح التي تواجه المترجمين عامة، والتي تزداد بروزاً في حالة الموضوع الجديد الذي يضم مصطلحات كثيرة لا يمكن نقلها إلا مرفقة بشرح واف عنها كي تكون مفهومة لدى القارئ الذي ربما لم يتعرّف إليها سابقاً، وبيّنت الآلية التي اعتمدتها للتوضيح سواء في المتن أو في الهامش».
خاتماً حديثه بتأكيد فكرته الأولى في حديثه، لكون الترجمة خيانة أياً كان إخلاصُها للنص الأصلي. خاتماً حديثه: «في تصور مقابل أطلقت عبارة استعارية تصف المترجم بأنه (الكافر الجميل) أو بصياغة أدق إنه (الخائن الجميل) فهو كافر بالنص الذي يترجمه حين يحوله إلى لغة أخرى، وخائن له حين يصوغه بأسلوب غريب عنه. إن التوفيق بين الصدق والجمال من أهم التحديات التي يواجهها المترجمون».
زهرات من رياض الترجمة
تناول د. جهاد بكفلوني حركة الترجمة في اتحاد الكتّاب العرب، والتي بحسب تعبيره مقبولة قياساً بالظروف الصعبة التي تعرضت لها سورية، متابعاً: «إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عناوين الكتب التي ترجمت من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، خلال مسيرة الاتحاد التي تزيد على خمسين عاماً، هذا العدد ننظر إليه بأنه متواضع لأنه لا يزيد على مئة عنوان، بمعنى أننا ننتج كل عام عنوانين. كما لدينا في الاتحاد مجلة فصليّة اسمها (الآداب العالمية) وهي تُعنى بترجمة النصوص وبالأدب والمسرح وببعض الموضوعات الإنكليزية والإيطالية والفرنسية، ولدينا جمعية للترجمة بحيث نعامل المنتسبين إليها معاملة كتّاب، هذا هو الواقع العام الذي أشرت إليه وأملنا في أن ننهض من كبوتنا مهما بلغت الصعوبات والمشقات».
الترجمة في سورية: واقع وآفاق
في حين أشار الأستاذ حسام الدين خضور في مداخلته خلال الجلسة الأولى من الندوة، إلى نقطة جدّ مهمة حول الواقع السوري للترجمة، كوننا لا نمتلك دراسات موسّعة وجدّية تؤرخ الترجمة السورية، متابعاً: «المحتوى الرقمي السوري بائس جداً، لا يقدم شيئاً للباحث يمكنه أن يعتمد عليه، وإذا كان المحتوى الرقمي الوطني بائساً جداً فإن المعطيات الإحصائية لا تقل بؤساً». على الرغم من تشديده على غنى سورية بالمترجمين الذين تتنوع أعمالهم ما بين: الآداب والعلوم الإنسانية، بالمترجمين المحلفين والمترجمين الفوريين ومترجمي الأفلام والمسلسلات والترجمة السياحية، والترجمة في الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة.
ذاكرا في بحثه بعضا من الخطوات التي ترسم الأفق الجاد في واقع الترجمة الوطنية السورية ومنها: إنشاء مركز وطني للترجمة، إنشاء كيان نقابي للترجمة، أن تُعنى جامعاتنا الوطنية بتوفير الموارد البشرية للترجمة في لغات لم نتطرق لها من قبل كالصينية والكورية واليابانية وغيرها، إنشاء مكتب أو هيئة تحرير في كل دار نشر بغرض مطالعة المنتج المترجم قبل طباعته.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)