آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الأردن وسوريا

الأردن وسوريا

علي الزعتري

لنقنع أنه ليس هناك من حُبٍ سياسيٍ مفقود بين الأردن و سوريا، و أن هواجس الشك بينهما ما هي إلا نمطاً للعلاقة المحكومةِ بحدودٍ مشتركة و مرتبطةً بالتاريخ الحديث للبلدين الذي شهد العثرات كما شهد التوافقات. علاقةٌ تؤججها خلفيات سياسة وتوجه البلدين، وتخفف من حدتها و لو على وهن ارتباطات الجيرة و امتدادات العشيرة والنسب وبعض المصالح و قدرة الطرفين ضبط النفس. كانت وتبقى علاقة يشوبها ارتيابٌ و تقديرٌ مستمرٌ للمواقفِ تحسباً للخطر الذي بات عند الطرفين نوعا من الفطرة. عناصر هذه العلاقة دائمة الحذر لا تُعَّدُ ولا تحصى و من غير المجدي تفصيلها لأن ذلك من شأنه أن يُعقد الأمر. لكن بباطن الوعي عند الطرفين هناك أمنيةٌ و إن كانت منكفئةٌ عن القول الدبلوماسي الصريح، و بعضَهُم جاهر بها فَعُدَّت المجاهرة وقاحةً، لكنها تعيش بخاطرِ السياسي، وهي حُلُمُ تشكيل القرار عند الآخر، بمعنى تدوير سياسةِ كل واحد بما يجعله أسير مطلب الثاني. وهذا لا يحصل في العالم إلا بهيمنةِ مركزٍ على فرعٍ هيمنةً كاملة. وهو ما لن يكون بين الأردن وسوريا. كلا العاصمتان مركزٌ مهمٌ و فاعلٌ و مستقلٌ ذو سيادة، فلن تذوبَ دمشق أو عمَّان بالأُخرى. هذا هو الواقع. فلنقبله، و لنتعايش معه، مع التيسير في المعاملات بين الطرفين.

لذلك لن يُفيدَ، حسبما أُقدِّر، هذا التحليل المشاعَ اليوم عن رغبةِ الأردن برؤيةِ تحسنٍ بسلوكِ سوريا. هذا كلامٌ يترددُ كأنه شرطُ تحسينُ العلاقات. وأستطيعُ أن أجزمَ أن نفس المقالة تُقالُ بسوريا عن الرغبة بتحسين سلوك الأردن. ولا أعتقدُ أن أيَّاً من القائلين بهذا في الجانبين لا يؤمن بما يقول فهي الرغبة الأساس و هي غير واقعية لحد كبير. لكن التصريح بالقول بجعل تحسينَ السلوك شرطاً يحملُ تقليلاً من قيمةِ الطرف الآخر و نوعاً من التعالي. و هو من القول الجارح الذي ابتدأته المتعجرفة مادلين أولبرايت عندما كانت تقول بشأن خصومها أنها تنظر لأفعالهم لا تصريحاتهم ملمحةً بصراحة أنهم لا يستحقون الثقة. و نحن نريد أن تسود بين البلدين علاقة تعايش إيجابية لا تبدأ باجتراح الجروح.

لن يجد الأردن و سوريا أنه من المجدي محاولة تطويع سلوك الطرف الآخر و إعادته للصواب الذي يتخيله و يتمناه ويريده  كل طرف. لكن المجدي هو التوافق على الحد المقبول من المنافع الثنائية مع تثبيتِ نقاطِ الخلاف على وضعها دون إعطائها وقوداً لتلتهب، والعمل لوصول البلدين لتفاهمٍ بشأن نقاط الخلاف مع مرور الوقت. فالمهم أن تعود المياه لمجاريها حرفياً!

ليس صعباً على البلدين كما نرى بعد اللقاءات الوزارية العسكرية قبل المدنية إحياء الاتفاقات العمليةٍ التقنيةِ المحتوى في شؤون الاقتصاد والموارد الطبيعية والتنمية. و لن يكون صعباً دفع الشؤون الحساسة للطرفين للجان مشتركة تعمل بهدوء من غير صخب لحلها و التوافق بخصوصها. الإعمار الاقتصادي و تبادل المنافع هو اليوم أولوية. تتلوه بهدوء عودة اللاجئين الآمنة و صفاء الحدود من المهددات. أما ما هو أكبر من ذلك، فليس من مقالٍ يقال إلا أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا. لهذا لندعَ الشرق والغرب يتجادلان و لنركز على ما ينفع الأردنيين والسوريين على المدى الآني و المتوسط. و لنأمل أن يسكت الحديث الذي يُقللُ من قيمة الطرف الآخر و أن تُعظَّمَ قيمة الشراكة التي تنفع الناس و مستقبلهم.

كاتب اردني(سيرياهوم نيوز-رأي اليوم3-10-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

اثبتوا….

  باسل علي الخطيب     أثبتوا…. مابكم؟… هذه هي الحرب… ” أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما بأنكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم ...