- محمود عبد اللطيف
- الجمعة 15 تشرين الأول 2021
في وقت تُواصل فيه عمّان مسار تطبيع علاقاتها مع دمشق بضوء أخضر أميركي، يأتي العدوان الإسرائيلي المتجدّد على سوريا انطلاقاً من الأراضي الأردنية، هذه المرّة، ليرسم الكثير من الشكوك حول ذلك المسار. إذ إن الجانب السوري يَعتقد أن طريق التطبيع لن تستقيم من دون شمولها الشقّ الأمني، فيما يبدو الطرف الأردني مرهوناً لالتزامات سياسية أنبأت بجزء منها الورقة التي قدّمها قبل فترة للأطراف المعنيّة بالأزمة السورية، والقائمة على مقايضة دمشق وفق مبدأ «خطوة مقابل خطوة» دمشق | نفّذت مقاتلات حربية يُعتقد أنها إسرائيلية، فجر الخميس، استهدافاً جوّياً هو الثاني من نوعه خلال أقلّ من أسبوع، على مواقع في منطقة تدمر في محافظة حمص، وسط البلاد. وعلى رغم أن هذا العدوان لا يحمل جديداً في الشكل؛ إذ سبق للطيران الإسرائيلي أن اجتاز شمال الأردن وصولاً إلى منطقة التنف السورية، لينفذ عمليّات قصف باتجاه مواقع في محيط مدينة تدمر، إلّا أن تكرُّر هذه العمليات في وقت تستعيد فيه العلاقات بين عمّان ودمشق حرارتها، يبدو عنصراً مهدّداً لذلك المسار. وكانت المملكة بدأت خطوات تطبيع علاقاتها مع دمشق انطلاقاً ممّا سُمّيت «رؤية» ملكها، عبد الله الثاني، الذي دعا إلى التعامل بـ«واقعية سياسية» مع سوريا، والكفّ عن المطالبة بـ«تغيير النظام» بوصفها ليست حلاً، والسعي بدلاً من ذلك إلى «تغيير سلوكه» بحسب تعبير عبد الله، الذي استبطن طرحه سعياً واضحاً إلى إنقاذ بلاده من أزماتها الاقتصادية المتكاثرة. ولم يكن تجاوب دمشق مع عمّان إلّا من المنطلق المصلحي ذاته، غير أن استقامة الطريق بين البلدين لن تَتحقّق من دون معالجة الشقّ الأمني. فالأردن بحاجة إلى سوريا لضمان أمن حدوده الشمالية، فيما سيكون عليه في المقابل أن يضمن عدم استخدام أراضيه لتنفيذ هجمات ضدّ جارته، سواءً انطلاقاً من تلك الأراضي أو مروراً بها، والحديث هنا يشمل، بطبيعة الحال، منع مرور الطيران الإسرائيلي عبر شمال الأردن لضرب سوريا من خاصرتها الشرقية.
وقع الهجومان الأخيران على ريف حمص الشرقي في زحمة الأخبار عن انفتاح عربي على دمشق
ما حدث خلال أسبوع مضى يكاد يتطابق مع الطرح المتعلّق بـ«محاربة النفوذ الإيراني»، والوارد في «الورقة الأردنية» التي قُدّمت للدول المعنيّة بالملفّ السوري لحلّ الأزمة السورية، والقائمة على مبدأ «خطوة مقابل خطوة» بهدف تحقيق ما سمّته عمّان «تغيير سلوك دمشق تدريجياً، مقابل الحوافز التي سيتمّ تحديدها بعناية لإفادة الشعب السوري وتمكين بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين». وتتضمّن الورقة المذكورة، التي اعتبرت عمّان موافقة موسكو ضرورية لتحقيقها، بنداً يتحدّث عن انسحاب القوى الأجنبية من سوريا، بما في ذلك «الحرس الثوري وحزب الله»، وخفض القوات الروسية إلى العدد الذي كانت عليه قبل عام 2011، على أن تطلب سوريا بشكل رسمي من حلفائها (إيران وحزب الله) المغادرة. في المقابل، ثمّة بند يدعو إلى «وقف جميع الأنشطة الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، بما في ذلك من قِبَل إسرائيل والتحالف الدولي، ما لم يتمّ الاتفاق عليها مع النظام كجزء من عمليات مكافحة الإرهاب». لكن هذا البند الأخير يبدو أكبر من الحجم السياسي للأردن، الذي وإن حصل على ضوء أخضر أميركي لإنقاذ اقتصاده بإقامة علاقات مع جارته، فهو لن يقدر على تفعيل الضوء الأحمر بوجه الطيران الإسرائيلي العابر لأجوائه نحو شرق سوريا، وذلك لكونه ملزماً بالاشتراك في «محاربة النفوذ الإيراني» وفقاً للأجندة السعودية والإسرائيلية، على رغم عدم وجود أيّ مؤشّر يدلّ على خلاف جدّي بينه وبين إيران.
على أن استمرار هذا الانخراط من شأنه أن ينعكس سلباً على ملفّ تطبيع العلاقات بين سوريا والأردن، والذي تَمثّلت أحدث حلقاته في التواصل المباشر الأوّل بين الرئيس بشار الأسد وعبد الله الثاني. وعلى رغم أن «الورقة الأردنية» تتحدّث عن «تقارب مرحلي» مع دمشق لإقامة علاقات اقتصادية وإعادة البعثات الدبلوماسية، فإن التقارب، حتى بصورته هذه، لا يقوم إلّا على أساس تبادل المصالح، الذي يجب أن يكون شاملاً للملفّات كافة، بما فيها الأمني. ومن هنا، ربّما تعيد دمشق التفكير في الذهاب نحو علاقة مفتوحة مع عمّان، إذا ما بقي مصدر التهديد الأمني لها قائماً، بعدم منع الأردن مرور الطيران الإسرائيلي لقصف أهداف في سوريا، خصوصاً أن التزام الأخيرة بالمساعدة في تحقيق أمن المملكة في ملفَّي محاربة الإرهاب وتفكيك مخيّم الركبان، يجدر أن يقابَل بالمثل من الأردن، الذي عليه ألّا يكتفي، من وجهة نظر دمشق، بـ«الأخذ» دون «العطاء».
أشكال العدوان
غالباً ما تعتمد إسرائيل شكلَين من الهجوم في ضرب أهداف داخل سوريا: الأوّل من خلال خرقها المجال الجوّي اللبناني، ومن ثمّ إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي السورية من خلف الحدود؛ والثاني عبر صواريخ أرض – أرض بعيدة المدى تُطلق من أراضي الجولان المحتل، وتحديداً من تل أبو الندى. ولم تخترق المقاتلات الإسرائيلية الأجواء السورية إلّا في مرّات قليلة، إحداها أفضت إلى إسقاط مقاتلة «f16» في شباط من عام 2018. وبعد ذلك بسبعة أشهر، وتحديداً في 17 أيلول من العام نفسه، تسبّبت مطاردة الصواريخ السورية لمقاتلة إسرائيلية من «طراز f16» أثناء تنفيذها هجوماً على سوريا، بإسقاط طائرة روسية من طراز «أليوشن 20» قبالة مدينة اللاذقية، ما أدى إلى مقتل 15 جندياً روسياً حينها. أمّا الهجمات عبر التنف فتُعدّ شكلاً ثالثاً واستثنائياً، استخدمته تل أبيب أربع مرّات في سوريا: الأولى في حزيران من عام 2019، والثانية في 15 كانون الثاني من العام الماضي، والثالثة في الـ8 من الشهر الحالي حيث أدّت الضربة التي استهدفت مطار «التيفور» ومحيطه إلى جرح 6 جنود بحسب بيان رسمي، والرابعة فجر أمس عندما استهدف الطيران الإسرائيلي برجاً للاتصالات قرب المطار نفسه، ما تسبّب بـ«استشهاد جندي وإصابة ثلاثة آخرين، إضافة إلى أضرار مادية»، بحسب مصدر عسكري سوري.
تتضمّن «الورقة الأردنية» بنداً يتحدّث عن انسحاب القوى الأجنبية من سوريا
ويعود التركيز على ضرب «قاعدة التياس الجوية»، المعروفة باسم «مطار الـT4»، إلى كونها تمثّل كبرى القواعد الجوية وسط سوريا، وكانت قد تعرّضت لعدد كبير من الهجمات أبرزها خلال العدوان الثلاثي الذي اشتركت فيه أميركا وفرنسا وبريطانيا في 14 نيسان من عام 2018، إثر مزاعم عن شنّ القوات الحكومية هجمات كيميائية في غوطة دمشق قبل أسبوع من التاريخ المذكور. كما كان المطار هدفاً لضربة أميركية بـ59 صاروخاً من طراز «توماهوك» في 7 نيسان من عام 2017، وذلك ردّاً أيضاً على هجوم كيميائي مزعوم على مدينة خان شيخون. وعلى رغم إعلان واشنطن حينها تدمير الجزء الأكبر من القاعدة، إلّا أن دمشق بثّت بعد أقلّ من 12 ساعة صوراً مباشرة لإقلاع مقاتلاتها منها. وأظهرت تلك الحوادث اهتماماً إسرائيلياً – أميركياً بتحييد الـ«T4» بحجّة «وجود القوات الإيرانية» في المطار، علماً أن هذا الوجود، في حال ثبوته، سيكون مقتصراً على مجموعات من المشاة، إذ لا وجود لقواعد صواريخ بعيدة أو متوسّطة المدى مملوكة لإيران هناك.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)