- يحيى دبوق
- السبت 23 تشرين الأول 2021
في ظلّ استمرار التحفّظ الأميركي حيال الطروحات الإسرائيلية المتعلّقة بكيفية مواجهة ما يُسمّى «التهديد الإيراني»، تشتدّ حاجة تل أبيب إلى التأثير في مواقف مختلف الأطراف الدولية المعنيّة بهذا الملفّ، بما يخدم مصالحها، ولو في حدود العلاقات العامّة. في هذا السياق تحديداً، تُقرأ زيارة نفتالي بينت الأولى إلى روسيا، والتي لا يُقدّر أن تتجاوز نتائجها حدود تمديد فترة السماح الروسية لإسرائيل، بمواصلة اعتداءاتها في سوريا بالوتيرة والمستوى الحاليَّين، أقلّه في هذه المرحلةأنهى رئيس حكومة العدو، نفتالي بينت، أمس، زيارة قصيرة إلى روسيا خُصّصت للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وتركّزت على «التهديد الإيراني» وتفرّعاته بحسب ما أعلنته تل أبيب، مع سلّة مطالب إسرائيلية من موسكو، من دون أن تتّضح نتائج المباحثات بعد، وإن كانت التقديرات إزاءها متواضعة. ولم تَخرج المواقف والتصريحات المرافِقة للزيارة، كما التسريبات لدى الجانبين، عن سياقاتها المعتادة، على رغم استبطان حديث بوتين إشارة واضحة إلى وجود خلافات مع الجانب الإسرائيلي، في مقابل الاتفاق على كثير من القضايا البينية، وهي إشارة تستأهل التوقف عندها لدلالاتها. كما لم تُخفِ إسرائيل الرسمية أهمّ ما كان يتطلّع بينت إلى مناقشته مع الرئيس الروسي: التهديد الإيراني لإسرائيل، بما يشمل برنامج إيران النووي ونفوذها في المنطقة، وتحديداً ما تسمّيه تل أبيب تمركز القوات الإيرانية في سوريا.
في الترجمة العملية لتلك البنود، ثلاثة معانٍ. أوّلها محاولة جذب الموقف الروسي المتماهي إلى حدّ كبير مع إيران في ما يتعلّق ببرنامج الأخيرة النووي، إذ إن موسكو تصطفّ إلى جانب طهران ضدّ المقاربة الأميركية – الغربية في العمل على إحياء الاتفاق النووي للعام 2015. والواضح، في هذا المجال، أن تل أبيب معنيّة بأن تقلب الموقف الروسي كلّياً، أو تدفعه للانزياح ما أمكن، ليتماهى وإن بقدْر، مع الموقف الإسرائيلي. لكن النتيجة التي يُقدَّر أن تجنيها تل أبيب هنا، متواضعة جدّاً، أو حتى منتفية. وما لم يستطِع بينت وقَبْله بنيامين نتنياهو والمؤسّسة الإسرائيلية عامّة أن يُحقّقوه مع الجانب الأميركي، يتعذّر تحقيقه بداهة مع الجانب الروسي، خاصة في ظلّ الخلاف في التموضع والتأثير وكذلك الحافزية، بين الجانبين.
في المعنى الثاني، تبرز محاولة تقوية التأثير في موقف روسيا شبه المحايد – والذي بدا أكثر قرباً إلى إسرائيل منه إلى إيران في الآونة الأخيرة – من النفوذ الإيراني في المنطقة، بما يؤمّن لتل أبيب أفضلية ما، وإن نسبية ضدّ طهران. وعلى رغم أن تلك الأفضلية المنتَظرة لن تُترجم مادّياً، إلّا أن إسرائيل معنيّة في مرحلة انكفاء الولايات المتحدة عن المقاربة المتطرّفة ضدّ الجمهورية الإسلامية، بأيّ موقف مؤيّد لها، وإن لم يتجاوز حدود العلاقات العامة. بالطبع، يُستثنى من البحث في المجال المذكور الوجود الإيراني في سوريا، حيث للموضوع أبعاد وتعقيدات، يتعذّر على زيارة بينت إحداث خرق فيها، وتحديداً في هذه المرحلة، على رغم التمايز بين إيران وروسيا إزاء سوريا. وإلى الآن، ما زالت الأمور في هذا الجانب على حالها، خصوصاً لناحية قدرة إسرائيل على المناورة «الاعتدائية» على الساحة السورية، وهو ما يتطلّع بينت إلى تثبيته والبناء عليه. وقد تكون النقطة الأخيرة هي أهمّ ما في الزيارة، خاصة في ظلّ إشارات روسية في الآونة الأخيرة إلى إمكانية تغيير قواعد الاشتباك في سوريا، والحديث عن أن ما كان مسموحاً به سابقاً لإسرائيل، لن يظلّ كذلك في المستقبل القريب.
ومن هنا، يأتي المعنى الثالث لزيارة بينت، الذي يرغب في تمديد فترة السماح لتلك المناورة، وهي نتيجة تستدعي المتابعة في ما يتعلّق بإمكانية إقدام روسيا على إجراءات من شأنها أن تقيّد أو تسمح بمواصلة الاعتداءات على الساحة السورية، وإن كانت التقديرات ترجّح السماح باستمرار الاعتداءات بوتيرتها ومستواها الحاليَّين، في هذه المرحلة. وفي الاتجاه نفسه أيضاً، تبرز مطالَبة إسرائيلية، تقرَّر في تل أبيب أن تثار في لقاء بينت – بوتين وجرى الحديث عنها قبل أيام في الإعلام العبري، بضرورة أن تعمل موسكو على إخراج إيران من الجنوب السوري ومن الجولان تحديداً، علماً أن هذا المطلب يناقض تأكيدات استخبارية إسرائيلية تمّ تداولها إعلامياً أيضاً، في شأن التمكّن من إنهاء آمال الإيرانيين بالتمركز في الجولان.
من بين أهداف زيارة بينت أيضاً، العمل على نقيض ما كان ينتقده، أي الهدف الشخصي
المفارقة أن من بين أهداف زيارة بينت أيضاً، العمل على نقيض ما كان ينتقده، أي الهدف الشخصي، والذي لا يقلّ أهمّية، بالنسبة إليه، عن الأجندة المرتبطة بإيران، وهو ما يعيد إلى الأذهان سلوك سلفه. إذ كان نتنياهو عمل على قولبة العلاقات الإسرائيلية – الروسية، ما أمكنه، في قالب شخصي، كاد في كثير من القضايا يتقدّم علاقات المؤسسات بين الجانبين. كما عمد إلى تسليك أيّ مطلب أو قضية مع روسيا، عبره هو، وعبر ما كان يسمّيه الكيمياء الخاصة التي تجمعه ببوتين، وذلك ضمن استراتيجية تسخير هذه العلاقات لتعزيز مكانته وتموضعه في وجه خصومه السياسيين، في الساحة الداخلية الإسرائيلية. وفي أعقاب سقوط نتنياهو وتولّي بينت رئاسة الحكومة، برزت أسئلة بلا إجابات قاطعة حول مستقبل العلاقة مع الجانب الروسي، وتحديداً تلك المستندة إلى قناة اتصال شخصية بين نتنياهو وبوتين، في مرحلة ما بعد سقوط الأوّل. والواضح، في هذا المجال، أن بينت، كما يبدو من أدائه ومن طبيعة وفده المرافق له والذي يكاد يكون مقتصراً على مستشاريه، إضافة إلى تسريبات من مقرّبين له، يرغب في أن يفعل الشيء نفسه الذي كان موضع انتقاد لديه في زمن سلفه، أي إقحام الشخصنة في العلاقات الخارجية.
في الخلاصة، قد تكون زيارة بينت الأولى إلى روسيا بوصفه رئيساً لحكومة العدو، هي التي تعطي الزيارة أهمّيتها، وإن جاءت في سياقات إقليمية متغيّرة، تحتاج فيها إسرائيل إلى إعادة تأكيد الموقف الروسي المتماهي معها في قدر كبير من قضاياها الأمنية، إلى جانب البُعد الشخصي الذي يلعب دوراً رئيساً أيضاً
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)