- ريم تلحوق
- السبت 6 تشرين الثاني 2021
على بُعد ستّة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرّر إجراء جولتَيها الأولى والثانية تباعاً، في 10 و 24 نيسان المقبل، تَظهر العديد من أسماء المرشّحين المؤكّدين، وغيرهم ممّن لم يعلنوا ترشيحهم رسمياً بعد، لتعطي لمحة عن الخارطة الانتخابية عشية التصويت. وفيما تَكثر المواضيع الخلافية في الحملات الدعائية، مظهّرة فجوة واضحة في خطابات القوس السياسي برمّته، تبدو الإسلاموفوبيا صفة جامعة للمرشّحين كافة، في ما يمثّل صورة من صور الاستمرارية الاستعمارية العابرة لليمين واليسارباريس | لم تكتمل صورة الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد، في انتظار انضمام مرشّحين جدد إلى القافلة التي تحمل، إلى الآن، أكثر من 20 مرشّحاً. إلّا أن المشهد الجزئي الحالي يستبطن العديد من المؤشّرات في شأن الاتجاه الذي ستسلكه هذه الانتخابات، في ظلّ تمحور التجاذبات بين المرشّحين حول قضايا عدّة، من أبرزها الاقتصاد والمهاجرون والاتحاد الأوروبي، وبروز الإسلاموفوبيا كواحدة من أهمّ القضايا التي تجمعهم. وفي انتظار تبلور الصورة بشكل أكثر وضوحاً، يمكن رسم الخريطة الانتخابية بشكل أوّلي، ربطاً بأسماء المرشّحين المؤكّدين، وبآخرين محتملين يُتوقّع ترشّحهم لاحقاً. ومن بين المرشّحين المعلَنين، والذين ينتمون إلى اليمين المتطرّف: مارين لوبان، وذراعها اليُمنى سابقاً فلوريان فيليبو، والجنرال العسكري أنطوان مارتينيز، ونيكولاس دوبونت – إيغنان. وعلى ضفّة اليمين، أيضاً، هناك مرشّحو الحزب «الجمهوريون» الذين جمعوا التوقيعات الـ250 اللازمة للتصديق على ترشيحهم، وهم: كزافييه برتران، وفاليري بيكريس، وميشيل بارنييه، وإريك سيوتي، وفيليب جوفين. أمّا على اليسار، الممثَّل في «الديمقراطيين الاجتماعيين» (socdem)، فتَبرز رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو، مرشّحةً باسم «الحزب الاشتراكي»، ضدّ الوزير السابق والعضو السابق في الحزب نفسه، أرنود مونتبورغ. وعلى يسار هؤلاء، يَظهر زعيم حركة «فرنسا الأبيّة»، جان لوك ميلنشون، ثمّ الأمين العام لـ«الحزب الشيوعي الفرنسي»، فابيان روسيل، من بين آخرين. وبالنسبة إلى أنصار حماية البيئة، فقد اختار حزبهم، يانيك جادو، مرشّحاً للانتخابات.
وإلى جانب الأسماء المتقدّمة، يُرتقب إعلان ترشّح الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، الذي يرى المستشارون والوزراء والنواب أنه يخوض حملة انتخابية غير معلَنة منذ أشهر، لكنه ينتظر تحسُّن رصيده السياسي، والذي تعرّض لنزف كبير في الفترة الماضية، قبل أن يُعلن ترشيحه رسمياً، بحسب صحيفة «لو موند». أمّا الاسم الآخر المحتمل، والذي لا يزال يخضّ المشهد السياسي، فهو الكاتب اليهودي من أصل جزائري، إيريك زيمور، الذي يُعدّ أكثر يمينية وتطرّفاً من لوبان نفسها. وكما يصفه الكاتب الجزائري كمال داود، في مجلّة «لو بوان» (Le Point)، فإن زيمور يمثّل «اللاوعي الفرنسي، البديل الغامض العظيم، تعويض ما بعد الاستعمار، الذاكرة العائدة المتنكّرة». ومردّ ذلك التوصيف هو أن زيمور يبدو مهووساً بمعاداة العرب والمسلمين، الذين يعدّهم «تهديداً للجمهورية الفرنسية»، لكنّ المفارقة أن عنصريّته هذه لا تستثني اليهود، وهو ما قد يثير اتّهامات له بـ«معاداة السامية». وعلى رغم صفاته تلك، والتي حوّلته إلى مادّة دسمة لدى وسائل الإعلام الفرنسية، فإن استطلاعات الرأي تظهر تفوّقه بينما هو لم يُعلن ترشيحه بعد، الأمر الذي يثير قلق جزءٍ كبيرٍ من الفرنسيين.
الخصوصية الاستعمارية
على مستوى الحملات الانتخابية، تَبرز العديد من المواضيع الخلافية كالبرامج الاقتصادية والاستثمارات، والطاقة النووية، والهجرة، والاتحاد الأوروبي. وفي ما يتّصل بالإطار الأخير تحديداً، يهيمن في مواجهة العولمة النيوليبرالية، الخطاب السيادي، الذي يدافع عن سيادة القانون الوطني على قانون الاتحاد الأوروبي. وبينما يرتكز هذا الخطاب، على جهة اليمين المتطرّف، إلى مبدأ إعلاء هوية الأمّة، تمثّل المعاهدات الأوروبية واتّفاقات السوق الحرّة مسألة إشكالية بالنسبة إلى اليسار أيضاً. ولكن على كلتا الضفّتَين، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أدرك المرشّحون أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يثير قلق الناخبين. ومن هنا، سيتمسّك «الماكرونيون»، مثلاً، بسياساتهم الداعمة للتكتّل، خصوصاً بعد قضيّة الغواصات مع أستراليا. وما يعزّز توجّههم هذا إدراكهم، مثل كلّ داعمي الاتحاد الأوروبي، أن فرنسا فقدت، منذ وقت طويل، قوّتها الجيوسياسية والاقتصادية، ولا تستطيع أن تقف بمفردها في وجه القوى العظمى، من مثل الولايات المتحدة والصين.
في مقابل القضايا الخلافية، ثمّة مواضيع جامعة بين المرشّحين، ربّما تدلّ على الخصوصية الفرنسية
في مقابل القضايا الخلافية، ثمّة مواضيع جامعة بين المرشّحين، ربّما تدلّ على الخصوصية الفرنسية. وهو ما يتجلّى، مثلاً، في الاستمرارية الاستعمارية، التي تعدّ سمة عنصرية عميقة تجمع بين اليسار واليمين، انطلاقاً من استعلاء الحضارة الأوروبية – المسيحية، وإرادة التسلّط على الشعوب المستعمَرة، وتحديداً الشعوب العربية – الإسلامية، لـ«تنويرها وإنقاذها من ثقافتها ومعتقداتها المتخلّفة»، وبالتالي سلخها عن هويّتها وحقّها في التعبير عنها، بحجّة أن قيم «الجمهورية العلمانية واحدة ولا يمكن تجزئتها». ولعلّ أبرز نموذج على ذلك يتمثّل في ردود الفعل التي أثارتها حملة «الحرية في الحجاب»، والتي أطلقها «برنامج الإدماج ومكافحة التمييز» التابع للمجلس الأوروبي، في 28 تشرين الأول الماضي، إذ استدعت انتقادات شديدة من قِبَل السياسيين الفرنسيين، اليساريين واليمينيين، وحتى من قِبَل الحكومة، الأمر الذي أدّى إلى سحبها بعد بضع ساعات من بدئها. وفي هذا السياق، رأى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أن «هناك فرقاً كبيراً بين الدفاع عن حرية المعتقد والدين، وبين جعْل مؤسّسة، مثل المجلس الأوروبي، تشجّع علامة دينية أو لباساً معيّناً»، فيما قالت المرشّحة اليمينية فاليري بيكريس، في تغريدة على موقع «تويتر»، إن الحجاب «ليس رمزاً للحرية، بل للخضوع». واستنكر المرشّح اليميني إريك سيوتي، بدوره، «الترويج للحجاب الإسلامي»، و«إنكار جذورنا اليهودية – المسيحية». وعلى مقلب اليسار، اعتبرت عضو مجلس الشيوخ الاشتراكي، لورانس روسينيول، وهي الوزيرة السابقة لحقوق المرأة والداعمة لترشيح أرنو مونتبورغ للرئاسة، أن «التذكير بأن المرأة حرّة في ارتداء الحجاب» ليس أمراً خلافياً، و«لكن القول إن الحرية في الحجاب، يُعتبر ترويجاً له». أمّا مارين لوبان (يمين متطرّف)، فقد وصفت في تغريدة «هذه الحملة الأوروبية المؤيّدة للحجاب الإسلامي بأنها فضيحة غير مقبولة. عندما تزيل المرأة الحجاب تصبح حرّة، وليس العكس!». ولم يفوّت إيريك زيمور، من جهته، الفرصة للزعم مجدّداً بأن «الإسلام هو عدو الحرية».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)