آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » هل كان في أدبه وحياته عربي الهوى … جبران خليل جبران قيثارة الروح وريشة العلم والأدب الأكثر شهرةً

هل كان في أدبه وحياته عربي الهوى … جبران خليل جبران قيثارة الروح وريشة العلم والأدب الأكثر شهرةً

| إسماعيل مروة

الخميس, 18-11-2021

يعد جبران خليل جبران الأديب الأكثر شهرة، والأكثر شيوعاً بين الناس من العرب ومحبي العربية، فلا يتردد واحدهم عن الإشادة بجبران وأدبه، ولا يتلعثم آخر وهو ينتقد جبران، ويوجه له الاتهامات، فتارة هو مع فرنسا ويطالب بعدم خروجها من لبنان والوطن العربي، وتارة هو أديب سطحي عاطفي، وتارة هو صاحب ثقافة غربية أميركية فقد الانتماء إلى العروبة، تارة هو كاتب اختار لغة غير عربيته ليكتب بها.. وفي المقلب الآخر نجد من يقول إن جبران هو شاعر الحب والتأمل وسيد العاطفة، وهو أديب رومانسي عظيم، وهو من أسهم بوصول الروح المتمردة العربية إلى كل الأصقاع.

لا تخرج التقويمات التي نسمعها عن جبران عن هذين الجانبين، وكلاهما ناتج عن ثقافة شفاهية، وعن أحكام نسمعها من محب أوكاره، نتبنى الآراء فنعظم جبران أو ننال منه دون أن نكلف أنفسنا عناء قراءة كتبه لنصل إلى عمق هذا الأديب!

فهل كان جبران أديباً حالماً؟ نعم لقد كان جبران حالماً، لكنه رجل من الرجال القليلين الذين تجاوزوا الحلم، ورسموا الواقع، وعملوا له طول حياتهم، وعلى امتداد إبداعاتهم.

وهل كان جبران غربي الهوى؟ نعم أحب جبران الغرب وحياته، وأمضى سنواته الغنية إبداعاً في ذلك العالم الغربي، ولولا وجود جبران في ذلك ما كان ليسمع به أحد، بل ما كنا لنسمع به نحن العرب لو بقي أسير بسكنتا..

وهل أحب جبران العربية؟ نعم ما أحب جبران شيئاً أكثر من حبه للعربية، ودليل ذلك عودته من المهجر ليتعلم في مدارس عربية، وينهل من العربية، ومن أسف أن الكثيرين من محبي جبران وكارهيه، بل ومن دارسيه ومدرّسيه لم يمسحوا أعماله، ولم يقرؤوا دراسات ومقالات كتبها جبران عن العربية وأهميتها وتاريخها وآليات النهوض بها، وكان في ذلك كله مدافعاً عن العربية، وحاثاً المخلصين على النهوض بها.

وهل كان جبران عربي الهوى؟ في البعيد حيث لا يقدر أحد على محاسبته، ولا يحتاج الرضا من أحد كان جبران خليل جبران عربي الهوى والثقافة، ومن خلال صحافة المهجر تحدث وكتب عن الحضارة العربية والعلماء العرب أفضل مما كتبه كثيرون ممن يدّعون الهوى العربي ادعاء، لكنهم لا يحملون حب جبران ورفعة قلمه، فكتب عن ابن سينا وابن خلدون وابن رشد والخنساء وأبي نواس والغزالي، ولو لم يكن جبران عربي الهوى، فما الذي يجبره على أن يكتب عن هؤلاء الأعلام لينصفهم؟!

هل كان جبران خليل جبران لبنانياً؟ نعم عاش جبران في الغرب، لكنه كان يتنفس برئة عربية وأخرى لبنانية، وما كتبه جبران عن لبنان وحبه ونقد سياسييه لم يقله آخر ممن يدعون الانتماء إلى لبنان، وينتقدون جبران، بل إن جبران بعبقريته لا يرى لبنان منفصلاً عن سوريته وبالنص والحرف.

هل كان جبران روحانياً دينياً؟ نعم رفض جبران الظلم، ولم يكترث لرجال الدين وله منهم موقف، لم يشأ القدر أن يأخذه كما يروي صديقه ميخائيل نعيمة دون أن يحقق نبوءته بهذه الطبقة، إلا أن جبران كان روحاً من الروح، وكان لصيقاً بزرادشت ولصيقاً بيسوع الناصري، ولا يجد سواهما لنصرة المظلوم «يا يسوع الناصري الجالس في قلب دائرة النور الأعلى. انظر أيها الراعي الصالح، فقد نهشت مخالب الوحوش ضلوع الحمل الضعيف الذي حملته على منكبيك».

هل كان جبران قاصاً؟ نعم لقد كان جبران قاصاً قبل أن يشيع القص في حياتنا الأدبية، وروى وسجل الكثير من القصص التي قد لا تكون ذات محتوى فني رفيع، إلا أنها ذات محتوى إنساني يذوب مع الإنسان وقضاياه.

هل كان كاتب مقال؟ هل كان كاتب سيرة؟ هل وهل؟ وأسئلة أخرى كثيرة تؤكد الإجابات عنها أن جبران كان كاتباً إنسانياً، وكان مواطناً عربياً، وكان عربياً لبنانياً، وكان عربي اللسان والعاطفة والوجدان، وكان مسيحياً على مبدأ المسيح مع الضعفاء والمساكين، والأكثر أهمية سنجد أننا لم نكتشف جبران كما يجب، ولم نقرأه، ولم نستفد منه، هو ليس بحاجة لأن نقدمه، فعندما تحدث عن الإمام الغزالي استغرب أن الغرب يعرفه أكثر من معرفتنا، ويضعه في مراتب القديسين! ومن قرأ ما قاله في الغزالي سيكون على يقين بأنه لا يعنيه أن نقدمه، بل الذي يعنيه أن نسمع صرخاته.

أعترف بأنني قرأت جبران منذ زمن، وتحت تأثير الآراء المتناقضة لم أستفد منه، وقرأته بعدها فاقتربت منه، ودون مقدمات وجدتني أقرؤه ربما للمرة العاشرة لأكتشف كم خسرت من عدم تعمقي بجبران وأدبه، وفي هذه الوقفة أحاول أن أتجاوز معكم هذا التقصير، ولنبدأ بالتراث العربي افتخار جبران به، وأظن أنه سيكون مفاجأة لكثيرين.

الغزالي كما كتبه جبران

بين الغزالي والقديس أوغوسطينوس رابطة نفسيّة، فهما منظران متشابهان المبدأ واحد، رغم ما بين زمانيهما ومحيطيهما من الاختلافات المذهبية والاجتماعية. أما ذلك المبدأ فهو میل وضعي في داخل النفس يتدرج بصاحبه من المرئيات وظواهرها إلى المعقولات فالفلسفة فالإلهيات.

اعتزل الغزالي الدنيا وما كان له فيها من الرخاء والمقام الرفيع وانفرد وحده متصوفاً، متوغلاً في البحث عن تلك الخيوط الدقيقة التي تصل أواخر العلم بأوائل الدين، متعمقة في التفتيش عن ذلك الإناء الخفي الذي تمتزج فيه مدارك الناس واختباراتهم بعواطف الناس وأحلامهم.

وهكذا فعل أوغوسطينوس قبله بخمسة أجيال. فمن يقرأ له كتاب «الاعتراف» يرى أنه قد اتخذ الأرض ومآتيها سلماً يصعد عليه نحو ضمير الوجود الأعلى.

غير أنني وجدت الغزالي أقرب إلى جواهر الأمور وأسرارها من القديس أوغوسطينوس. وقد يكون سبب ذلك في الفرق الكائن بين ما ورثه الأول من النظريات العلمية العربية واليونانية التي تقدمت زمانه وما ورثه الثاني من علم اللاهوت الذي كان يشغل آباء الكنيسة في القرنين الثاني والثالث للمسيح، وأعني بالوراثة ذلك الأمر الذي ينتقل مع الأيام من فكر إلى فكر مثلما تلازم بعض المزايا الجسدية مظاهر الشعوب من عصر إلى عصر.

ووجدت في الغزالي ما يجعله حلقة ذهبية موصلة بين الذين تقدموه من متصوفي الهند والذين جاؤوا بعده من الإلهيين. ففي ما بلغت إليه أفكار البوذيين قديما شيء من ميول الغزالي، وفي ما كتبه سبنوزا ووليم بلايك حديثاً شيء من عواطفه.

وللغزالي عند مستشرقي الغرب وعلمائه منزلة رفيعة. وهم يضعونه مع ابن سينا وابن رشد في المقام الأول بين فلاسفة الشرق. أما الروحيون بينهم فيحسبونه أنبل وأسمى فكرة ظهرت في الإسلام. ومن الغرائب أنني شاهدت على جدران كنيسة في فلورنسا (إيطاليا) من بناء الجيل الخامس عشر صورة الغزالي بين صور غيره من الفلاسفة والقديسين واللاهوتيين الذين يعتبرهم أئمة الكنيسة في الأجيال الوسطى دعائم وأعمدة في هيكل الروح المطلق.

ولكن الأغرب من ذلك هو أن الغربيين يعرفون عن الغزالي أكثر مما يعرفه الشرقيون. فهم يترجمونه ويبحثون في تعاليمه ويدققون النظر في منازعه الفلسفية ومراميه الصوفية. أما نحن، نحن الذين لم نزل نتكلم اللغة العربية ونكتبها، فقلّما ذكرنا الغزالي أو تحدثنا عنه. نحن لم نزل مشغولين بالأصداف كأن الأصداف هي كل ما يخرج من بحر الحياة إلى شواطئ الأيام والليالي.

(سيرياهوم نيوز-الوطن)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الثقافة واقع ومآلات

    | إسماعيل مروة   كتب باحثون عن تقزّم دور الثقافة، وصدرت كتب عن الآليات التي سعت فيها القوى الفاعلة في العالم إلى ضرب ...