تحقيق سهيلة إسماعيل:
رفضت مدرِّسة اللغة الإنكليزية (س) في إحدى مدارس حمص إعطاء رقم هاتفها لطالبة رفضاً قاطعاً، كي تتواصل معها بعد الدوام وتأخذ دروساً خاصة، ولم تكتفِ المُدرسة بالرفض بل عاقبت الطالبة على طلبها هذا وقالت: (ما الحاجة للدروس الخاصة إذا كنت أعطيكنَّ الدرس هنا، وأنا جاهزة للرد على أي استفسار ضمن الصف أو خارجه..؟) وفي المقلب الآخر، وفي المدرسة ذاتها كتبت مدرسة العلوم رقم جوالها ورقم هاتفها الثابت على السبورة لكي يصبحا في متناول الطالبات الراغبات بالذهاب إلى منزلها لتلقي الدروس الخاصة..!
أما معلمة الرياضيات فكانت ابتسامتها تعلو وجهها حين تُسأل عن رقمها طبعاً، تُرفع القبعة لمُدرسة اللغة الإنكليزية على موقفها المبدئي ولكل مدرِّس أو مدرِّسة ما زالوا رغم عوزهم المادي يؤدون رسالتهم التعليمية بصدق وأمانة.
*إساءة للتعليم..
يحدث هذا وتحدث أشياء كثيرة تسيء بالدرجة الأولى للعملية التعليمية، وتؤثر سلباً على تحصيل الطلاب من جهة وعلى وضع الأهل الاقتصادي، خاصة في ظل الظروف الحالية وما تشهده المرحلة من صعوبة تأمين لقمة العيش، فكيف ستتحمل الأسرة أعباء إضافية لتأمين مستقبل لائق لأبنائها..؟؟
* الأهل: معاناتنا كبيرة..
نسأل أم مهدي، وهي ربة منزل ولديها أربعة أولاد عن رأيها بالدروس الخاصة فتقول: أنا مضطرة لأرسل ابني وهو في الصف التاسع لأخذ دروس خاصة في المواد الأساسية لأن دروس المدرسة لاتكفي مع أنني غير مرتاحة من الناحية المادية، فهناك حوالي خمسين طالباً في الصف ولايستطيع المدرِّس الاهتمام بجميع الطلاب.
بينما أكدت المُدرسة “ل.ع” أن ابنها الآن في الصف الثاني الثانوي العلمي، وهي من الآن تهيئ نفسها من الناحية المادية لكي تستطيع أن تدفع للدروس الخاصة والمعاهد لأن تدريس طالب الثالث الثانوي العلمي يكلف الأهل الملايين، ولن تستطيع فئة الدخل المحدود تدريس أولادها في ظل الظروف الحالية سواء من ناحية الوضع في المدارس الحكومية أو الوضع المادي للأهل والتكلفة المادية المرتفعة للدروس في أي مادة.
ورأى السيد “محمد .أ ” وهو موظف وأب لأربعة أولاد في المرحلة الإعدادية والثانوية أن ما يحدث في الوقت الحالي بخصوص العملية التعليمية والوضع الذي آلت إليه تتحمل مسؤوليته أكثر من جهة بما فيهم أهالي الطلاب، وتأتي مسؤولية المدارس وكادرها التدريسي في المرتبة الأولى والدليل على ذلك أننا وفي المدرسة نفسها نجد مدرسين يحاولون توجيه الطلاب وبطريقة غير مباشرة إلى الدروس الخاصة وغالباً ليذهبوا لتلقي الدروس في منازلهم، بينما لازال البعض يصرُّ على تأدية دوره التربوي والتعليمي في الوقت ذاته ولمثل هؤلاء ترفع القبعة.
*الوضع المادي للمدرسين..
وفي المقلب الآخر التقينا ببعض المدرِّسين ممن يعطون دروساً خاصة أو يُدرِّسون في معاهد في فترة ما بعد الظهيرة.. فقال أستاذ رياضيات رفض ذكر اسمه: لديّ أسرة مؤلفة من ستة أشخاص، ومرتبي الشهري لا يكفيني، فوجدت نفسي مضطراً لإعطاء الدروس الخاصة كما يفعل معظم المدرسين. ولا أعتقد أن أي مدرِّس أو موظف يستطيع تأمين لقمة العيش لأسرته من الراتب، فالجميع في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد والحاجات الاستهلاكية يبحث عن عمل آخر.
أما مُدرِّسة اللغة الإنكليزية “م.ع” فاعتبرت أن الأهل يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية لأنهم ودون دراية زرعوا فكرة الدروس الخاصة وعدم الاكتفاء بدروس المدرسة لدى أبنائهم، والدليل أنني طلبت من طالب في الصف الثالث الثانوي أن ينتبه للدرس خلال شرحي لأنه كان يثير الشغب في الصف فقال حرفياً: “أعرفه لأنني أخذته في المعهد” وأضافت قائلة: وأنا متأكدة أن سوية أغلب المعاهد الخاصة ليست جيدة، والهم الوحيد لمُحدثيها والقائمين عليها تحقيق الربح المادي فقط على حساب الطلاب وأهلهم.
وأكدت “رجاء” وهي مُدرِّسة لمادة الفيزياء والكيمياء أن الدروس الخاصة أنقذت وضعها المادي المتردي، وأعانتها على تأمين مستوى معيشي مقبول لأسرتها؟ فحتى ولو كان زوجها موظفاً فإن الظروف الحالية تتطلب أن يعمل الزوجان أكثر من عمل ليستطيعا إكمال الشهر.
* ثقافة مجتمع خاطئة…!!!
توجهنا إلى مديرية التربية في حمص والتقينا معاون مدير التربية لشؤون التعليم الثانوي “فراس عياش” وكان سؤالنا عن دور التربية والمسؤولية الملقاة على عاتقها في وضع حد لتدني مستوى التعليم في المدارس الحكومية، والتوجه إلى الدروس والمعاهد الخاصة فقال: يبدأ الموضوع من مدير المدرسة لأنه عندما يضبط الأمور في مدرسته ويتابع الأمور الإدارية ويقوم بجولات ميدانية ويتابع كل ما يتعلق بأمور المدرسين والطلاب فإنه يستطيع وضع حد لتراخي بعض المدرسين، ولكل طالب يحاول الإساءة لسير الدرس ضمن الشعب الصفية، وهناك مديرون يعملون بضمير، وآخرون غير متابعين.. فالإدارة في المدرسة هي الواجهة الأساسية لوزارة التربية، وهي حلقة الوصل بين مديرية التربية والطلاب، وأضاف “عياش” بأن الأهل يتحملون مسؤولية كبيرة، فاللجوء إلى الدروس الخاصة والمعاهد “بغض النظر عن جدواها” أصبح ثقافة مجتمع وهي ثقافة خاطئة ساهمت إلى حد كبير في تخريب العملية التدريسية، وهم يحكمون مسبقاً أن المدارس لم تعد تؤدي الدور المطلوب منها فنحن لا نستطيع أن نتابع جميع مدارس المحافظة البالغ عددها 1400 مدرسة في المدينة والريف على نحو يومي.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهناك عدة وزارات تتحمل المسؤولية كوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المسؤولة عن عمل الأطفال دون السن القانونية. ووزارة الداخلية المعنية من خلال دورياتها بمحاسبة أي طالب مدرسة خارج مدرسته خلال أوقات الدوام الرسمي وكان هذا الأمر سائداً على أيامنا، وكذلك وزارة الثقافة ووزارة الإعلام من خلال وضع برامج واتخاذ إجراءات توعوية وتثقيفية للحد من ظاهرة الدروس والمعاهد الخاصة، وفي النهاية وزارة التربية وهي تتصرف وفق القوانين والأنظمة المعمول بها لكن بالمقابل ليس هناك قانون يمنع مواطن من ترخيص وفتح معهد تعليمي خاص في حال توفر الشروط المطلوبة والموضوعة من قبل وزارة التربية، وأكمل عياش حديثه: صحيح أن راتب المدرس لايكفي، والحال ينطبق على جميع الموظفين وليس على المدرسين وحدهم، وعليهم أن يتدبروا أمورهم وهو ما يجعلهم يلجؤون إلى إعطاء الدروس الخاصة وليس بالضرورة في المعاهد بل في منازلهم، فهل بوسعنا ملاحقة المدرِّس إلى منزله لمحاسبته…؟؟
باختصار إن الأمر يتعلق بإدارات المدارس أولاً وأخيراً. وختم عياش حديثه: لقد أصبحت المعاهد المنتشرة في حمص مثل فيروس كورونا، وهي ستنتهي لأن الفيروس سينتهي حين يلتهم نفسه. وكذلك المعاهد التي تتنافس لجذب أكبر عدد من الطلاب والمدرسين.
*دائرة التعليم الخاص..
كانت محطتنا الأخيرة عند مدير دائرة التعليم الخاص في مديرية التربية “بسام درغام” حيث قال: لقد نص المرسوم رقم 73 على إحداث مخابر لغوية لشهادتي التعليم الأساسي والثانوية للغات الأجنبية غير المحلية على أن يتم التدريس فيها من الساعة الثالثة بعد الظهيرة وحتى الساعة الثامنة مساءً.
كما نص المرسوم على معاقبة أي مخبر يعطي دروساً للمراحل الانتقالية تحت طائلة عقوبة الإغلاق والغرامة المالية، ويبلغ عدد المخابر المرخصة في حمص 64 مخبراً لغوياً، وعدد روضات الأطفال الخاصة 209 روضة، وعدد المدارس الخاصة 31 مدرسة. وأضاف درغام: نحن نتابع كل الأمور المتعلقة بالمعاهد الخاصة من خلال جولات للموجهين الاختصاصيين والتربويين عليها، وفي حال أثبت التقرير وجود أي مخالفة نتخذ الإجراءات القانونية بحق المعهد المخالف، كما تُفرض عقوبة التعويض مقابل الضرر لكل مخبر مرخص مخالف، ويعتبر تدريس مدرِّسين من داخل الملاك في أي معهد مخالفة وتكون عقوبتها النقل والحسم من الراتب.
*كلمة أخيرة..
يبدو من خلال سبر آراء كل من عبَّروا عن آرائهم آنفة الذكر أن المشكلة معقدة، وتتطلب جهوداً جبارة من جميع الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة التربية من خلال تحسين الوضع المعيشي للمدرسين، ثم اتخاذ إجراءات صارمة بحق كل من يفكر بإعطاء دروس خاصة لأن تطور أي بلد يُقاس بمستوى التعليم فيه وفي كل المراحل ولدينا “للأسف” أصبح التلميذ في الصف الأول الابتدائي بحاجة لدروس خاصة ودورات تقوية
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة