د. سليمان الصدي
يروى أن نمراً رافق صديقه الأسد، ليتعلم منه الصيد، وفي الطريق لاحظ أن الضباع تلاحقهما أينما سارا، فقال النمر للأسد لماذا تراقبنا الضباع؟ فلم يجبه الأسد، ولما عثرعلى فريسته بدأت الضباع تصيح بأعلى صوتها، سأله النمر: لماذا تصيح الضباع؟ فلم يجبه الأسد، وهجم على فريسته وبدأ بالركض…. شاهد النمر أن الضباع تركض خلف الأسد، وتصيح بقوة، لكن الأسد لم يلتفت لحظة إليها حتى التقط فريسته، وبدأ يأكلها، والضباع تراقبه حتى انتهى من افتراسها، وذهب…. لتأتي بعده الضباع وتأكل العظام والفضلات المتبقية، بعدها سأل النمر صديقه الأسد، وهو مندهش: لماذا لم تلتفت إلى الضباع كل الوقت؟ ظننت أنها ستغدر بك وتقتلك. قال الأسد: وهل تجرؤ الضباع على مهاجمة الأسود؟!
إنها لعبة الوهم التي استعملها من حرّك الفصائل المسلّحة في سورية، لقد توهّم النمر أن الضباع ستفترس الأسد، وتوهمت القطعان الإرهابية أنها ستتمكن من السيطرة على الأرض السورية، لكن الأسد لا يلتفت إلى الوهم، ولا يدعه يتغلب عليه، بل يمضي في سبيله واثقاً من قوته.
إننا في سورية لم نلتفت إلى الضباع في هذه الحرب الكونية، فجلّ ما تستطيع فعله الصياح ،لتشتيت الانتباه، والإبعاد عن الهدف، ولن يأخذوا إلا ما نتركه كرماً منا.
واللافت في الموضوع أن هذه الفصائل المسلحة ظنت أنها فاعلة ومؤثرة، في حين أن هنالك من يحرّكها، ويوجهها، فقد أغرتها المكاسب، والمال عن القضية الأساسية، وفي هذا السياق يحضرني ما حدث مع الجنرال جياب بطل الثورة الفيتنامية الذي انتصر على فرنسا وأمريكا معاً فقد زار عاصمة عربية توجد فيها فصائل ثورة، فلما شاهد حياة البذخ والرفاهية التي يعيشها قادة تلك الفصائل، وقارنها بحياته مع ثوار الفييت كونج في الغابات الفيتنامية قال لتلك القيادات: من الصعب أن تنتصر ثورتكم، فسألوه لماذا؟ أجابهم لأنّ الثورة والثروة لا يلتقيان.
فالثورة التي لا يقودها الوعي تتحول إلى إرهاب، والثورةالتي يغدق عليها المال تتحول إلى لصوص ومجرمين.
وفي إطار حديثنا عن الوهم أتذكر توهم الكثيرين أن العرب سيبتعدون عن دمشق، وزاد وهمهم حين أعلنت بعض الأنظمة قطيعتها معها، وها هو ذا وفدٌ إماراتي رفيع بقيادة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة، يزور دمشق يرافقه خليفة شاهين وزير الدولة في الخارجية وعلي محمد حماد الشامسي رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، وربما نشهد قريباً قمة على مستوى أعلى، وذلك في سياق التمهيد لعودة من بقي من العرب إلى دمشق، بعد فتح سفارات عديدة، وعودة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية.
وهنا يسجّل لأبو ظبي أنها منعت أي تحرك معارض على أرضها منذ بداية الأزمة، وأدركت بعيد فترة وجيزة على اندلاع الحرب السورية أن سقوط النظام يعني وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة، ما يهدّد لاحقا وصولهم أيضا إلى الخليج نفسه بعدما كانوا قد تولّوا الرئاسة في مصر ومقاليد كثيرة من السلطة في تونس ثم لاحقا الحكومة في المغرب، وإمارة الحرب في ليبيا وغيرها.
وفي هذه الزيارة رسائل كثيرة تتخطى المصالحة، والمساندة الاقتصادية، فسفارة الإمارات في دمشق مشرعة الأبواب، وتعني هذه الزيارة أن قسماً خليجياً كبيراً عاد إلى سورية، فقد أعادت بعض الدول الخليجية علاقاتها الكاملة أو شبه الكاملة مع دمشق، وثمة اتصالات مع السعودية، أما قطر فعلاقتها مع إيران ممتازة، وتأتي هذه الزيارة بعد ضوء أخضر أمريكي باختراق قانون قيصر، واستجرار الغاز من مصر، والكهرباء من الأردن عبر سورية إلى لبنان، وإعادة فتح المعابر بين دمشق والعراق والآن الأردن.
وللإمارات مصالح مشتركة وعلاقات متنامية مع إيران صديق سورية الوفي، ولها أيضاَ شراكة تجارية عالية المستوى مع الصين، وكذلك العلاقات الإماراتية الروسية، ستسمح لأبو ظبي بسلسلة من الاستثمارات الكبيرة المشتركة مع الصين في سورية في سياق إعادة الاعمار لاحقاً.
إن ما أرجوه أن يتحرر البعض من لعبة الوهم، فقد أغدقت تركيا الشعارات الإسلامية، وكنت أسأل نفسي كيف تستقيم هذه الشعارات مع الناتو الذي تعدّ تركيا عضواً فيه؟ مع إدراكي بأنهم يعاملونها كالمرتزق، فيركلونها بأقدامهم كلما اقتربت من أبواب الاتحاد الأوربي، وحالها يشبه حال بعض الأنظمة العربية التي توهمت أنها صانعة قرار فإذا بها تنفذ ما يصدّر إليها.
لقد انتصر السوري على مؤامرات كثيرة، فلا تنجح المؤامرة إلا إذا شرعت الأبواب أمامها، وشريان الحياة في سورية ينبض، ولن يعرف التوقف ما دامت الحياة.
(سيرياهوم نيوز4-12-2021)