حملت القمّة الثانية هذا العام، بين الرئيسَين الروسي والصيني، جملة مواقف تَوّجت مساراً متصاعداً من التعاون والتنسيق، وأنبأت بمزيد من التلاحم في مواجهة سياسات الاحتواء الغربية. رسائلُ يَجدر بواشنطن أن تَعدّها مؤشّراً خطراً، بالنظر إلى ما تفتح عليه من وقائع ربّما تستبطن تهديدات أكبر من تلك التي يحاول الأميركيون درءها اليوم، خصوصاً في ظلّ التراجع المستمرّ في القدرات الإجمالية للمعسكر الغربيموسكو | على وقع تزايُد الضغوط الغربية على كلّ من روسيا والصين، جاءت قمّة الرئيسَين، الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، عبر تقنية الفيديو، والتي تُعدّ الثانية في عام 2021، لتُتوّج عاماً دبلوماسياً «ممتازاً» بين موسكو وبكين، في ظلّ استمرار تقاربهما ردّاً على سياسات الاحتواء الغربية. ومع تصاعد التوتّر الروسي – «الأطلسي» من بوّابة أوكرانيا، واحتدام المواجهة بين الصين والولايات المتحدة التي تحشد كلّ الطاقات والتحالفات في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ في سياق مواجهة بكين، تعمل الأخيرة مع موسكو على تعزيز علاقاتهما، انطلاقاً من اعتبار كلّ منهما الآخر، ركيزة يمكن الاعتماد عليها في مواجهة التحدّيات الخارجية. بالنسبة إلى بوتين، فإن العلاقات مع الصين «وصلت الآن إلى أعلى مستوى لها في التاريخ، وتُعدّ شراكة استراتيجية شاملة»، كما تُعتبر «نموذجاً للتفاعل الفعّال بين الدول في القرن الحادي والعشرين. وبالطبع، يحاول بعض الشركاء الغربيين علناً دقّ إسفين بين موسكو وبكين». كذلك، دأبت بكين، على مدار العام الحالي، على تأكيد فرادة العلاقة مع موسكو، التي جزم وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في تصريحات سابقة، أنه «لا توجد نقطة نهاية في التعاون الاستراتيجي معها، ولا مناطق مقيّدة، ولا حدود عليا».
وبالإضافة إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية، ورفع مستوى التنسيق في عدد من الملفّات المشتركة، شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموّاً كبيراً خلال عام 2021، حيث سجّلت الأشهر الـ11 الماضية تزايداً في التبادل التجاري بنسبة 31%، ليصل إلى 123 مليار دولار، بعدما بلغ 104 مليارات دولار في عام 2020، في حين تتوقّع موسكو أن يصل إلى حدود 200 مليار دولار في غضون السنوات الثلاث المقبلة. ووفقاً لنائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، يمثّل قطاع الوقود والطاقة أكثر من ثلث إجماليّ حجم التجارة والاقتصاد بين الصين وروسيا، فيما تُعدّ الأخيرة المورّد الرئيس للنفط الخام إلى الأولى. وبينما بلغت الصادرات النفطية بين البلدين في عام 2020 نحو 81.7 مليون طن، تزداد إمدادات الغاز عبر خطّ أنابيب سيبيريا، ليبلغ مجموعها نحو 13.4 مليار متر مكعّب في نهاية تشرين الثاني الماضي. على أن التطوّر الأبرز في العلاقات سُجّل في ميدان التعاون العسكري، حيث عزّز الجيشان من المناورات المشتركة في المجالات البحرية والجوية، في وقت تعتقد فيه موسكو أنه «لا يمكن لسياسة الردع والتهديدات والعقوبات والتدخّل في الشؤون الداخلية، إلّا أن تؤدي إلى تعاون عسكري أوثق بين الصين وروسيا، اللتين تربطهما شراكة استراتيجية».
شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموّاً كبيراً خلال عام 2021
ضمن هذا السياق، جاءت القمّة بين بوتين وشي، لتبْحث نتائج «العمل المشترك على تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة الروسية – الصينية في عام 2021، وأولويات التعاون في المستقبل، بالإضافة إلى تبادل الآراء بشأن الملفات الدولية والإقليمية الملحّة». وكشف مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أن بوتين اتفق مع نظيره الصيني على إنشاء بنية مالية مستقلّة لخدمة العمليات التجارية بين البلدين، من شأنها ألّا تتأثّر بالدول الأخرى. وبخصوص الضغوط الغربية المتزايدة على كلّ من موسكو وبكين، أعرب الرئيسان عن قلقهما «بشأن نشاط الأميركيين في إعادة هيكلة الوضع الحالي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ»، كما دانا إنشاء تحالفات جديدة مِن مِثل «كواد» (الحوار الأمني الرباعي) و«أوكوس»، باعتبارها «تقوّض الاستقرار النووي في المنطقة». وحول الضمانات الأمنية التي تطلبها روسيا بعدم تمدّد حلف «الناتو» على حدودها الشرقية، أعلن الكرملين أن الرئيس الصيني أكد لنظيره الروسي دعمه الكامل لمطالب موسكو. ولفت شي إلى أن «بعض الدول تتدخّل في شؤون الصين وروسيا بحجة الديموقراطية وحقوق الإنسان»، معتبراً أن «على بكين وموسكو (في المقابل) بذْل المزيد من الجهود المشتركة لحماية مصالحهما». كذلك، رأى الرئيسان أن «التعاون بين الجانبين في القضايا الدولية يتطوّر بنجاح كبير»، عادَّين «التفاعل الروسي – الصيني، عامل استقرار في الشؤون الدولية».
وبالنظر إلى ما اتّفق عليه بوتين وشي على المستوى الاقتصادي، وما اجتمعا عليه بشأن القضايا السياسية المتعلّقة بكلّ من بكين وموسكو، يمكن القول إن الجهود الغربية، والأميركية تحديداً، المناهِضة للبلدين، لا تفتأ تساهم في دفْع العلاقات بين روسيا والصين إلى مستويات أعلى وأعمق، وهو ما من شأنه خلْق وقائع ربّما تستبطن خطورة أكبر من تلك التي تحاول واشنطن درءها حالياً.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)