غصون سليمان :
لكل شعب نبضه ولكل أمة قصصها وتاريخها ،تحفر كنزها الحضاري والإنساني في عمق المكان والزمان . فالتراث حبر الماضي والحاضر والمستقبل وبه ومن خلاله تتميز الأمم وتتبارى العقول عبر الانتماء الوجداني والعاطفي لجغرافية تواجد عليها الإنسان ،ليترك بصمته واسمه وصفاته كعلامة فارقة..
ضمن فعاليات الندوة السنوية الرابعة للتراث الشعبي في كلية الآداب جامعة دمشق يومي ٢٢و٢٣ الحالي، تحت عنوان : الإعلام والتراث وتحديات العولمة والتي ناقشت فيها ٢٤ عنوانا قدمها اساتذة اكاديميون من مختلف المستويات الفكرية من فروع وأقسام الجامعات السورية ..
العناوين المحفزة للنقاش شكلت خارطة معرفية غنية لذاتها.. لها بعدها وتأثيرها على المتلقي، فكيف للمشروع القومي العربي ولمنهاج التربية أن يواجه تحديات العولمة ،ماهي اسقاطات الهوية بين الماضي والحاضر والمستقبل ،مادور التنمية الثقافية في إحياء التراث الشعبي والحفاظ عليه في جغرافيا الوطن .كيف جسدت طقوس الأعياد التفاعل الاجتماعي وكيف عمل التراث على الضبط الاجتماعي، ماتأثير العولمة على ثقافة الشباب ،وكيف يوظف التراث المادي في تعزيز قيمة المواطنة لدى الطفل، ومادور التنشئة في نقل التراث إلى الطفل في ظل العولمة ،مامدى الحاجة لتمويل مشاريع التراث الثقافي في سورية خلال الأزمة بما أظهره الواقع والفرص من تحديات.مادور الإعلام والاتصال الرقمي في صناعة ونشر المحتوى الخاص بالتراث الشعبي غيرها الكثير في هذا المجال.
الأستاذة الدكتورة أمل حمدي دكاك المشرفة على الندوة قسم علم الاجتماع جامعة دمشق ترى عبر ماذكرته من خلال إعدادها وتعليقها على فيلم تصويري وثائقي من أنٌ التراث الشعبي بعمله ومضمونه يمتد حبا وأصالة على امتداد الخارطة السورية ،ويعبر عن حضارة هذا الشعب وعراقته عبرالعصور .
فأينما اتجهت تجد الآثار التي تعيدك إلى التاريخ ،فمن هذه الأرض كانت الأبجدية وموسيقا أوغاريت . منوهة إلى تأثير المضافات الشعبية من حيث انتشار طقوس المحبة وعبر اللقاءات الودية ماعزز هذا التفاعل واللحمة الوطنية في النسيج الاجتماعي .ومن زغاريد النساء انطلقت الأعراس أيضا لتبني جسورا للمحبة والعراضات في كل المناسبات الوطنية والاجتماعية تتصدر المكان .
*مستودع تراثي للبشرية
وذكرت الدكتورة دكاك ما أجمع عليه الدارسون والباحثون في التراث على أنٌ منطقة بلاد الشام هي المستودع التراثي المهم للبشرية في عصورها الغابرة ،فعلى أرض بلاد الشام قامت حضارات اتسمت بالتنوع في مناحي حياتها كافة .
.فالتراث الاجتماعي هو انعكاس للحياة الفكرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للشعوب ،حيث بقيت في ذاكرة الشعوب الكثير من الحضارات السابقة من خلال ماتركته من آثار تدل عليها .
وفيما يتعلق بالصناعات التقليدية وما تحمله من دلالات وجماليات وقيم حضارية أوضحت الدكتورة دكاك أنها من أهم الموروثات الشعبية ،فهي تشكل بمختلف أشكالها وأنواعها وحواملها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية صورة الحياة التي يعيشها كل مجتمع، فهي جديرة بالاهتمام والتقدير لأنها عصارة الفن وجذوة الحياة وعقل التاريخ .فهي تنساب في مجتمعنا من بين أياد ماهرة تحكي قصتها وثباتها عقب العصور.
*الأدب الشعبي
أما الثراث الغنائي الموسيقي فهو غني بأنواعه كما وصفته الدكتورة دكاك في كل مكان من الجغرافية السورية ،وهذا التراث الشعبي غني غنى هذا الوطن .
ونظرا لغنى هذا التراث المادي واللامادي ،كان طمع الغزاة منذ القديم وحتى الآن، إذ سرقوا الأعداد الكبيرة من الكنوز، وكان هدفهم في حربهم الظالمة على بلدنا تدمير الثقافة والهوية وسرقة الآثار بما تمثله من قيمة حضارية وإنسانية. مشيرة أن الشعب السوري المحب لأرضه بقي صابرا صامدا يدافع عن كرامته وحدوده وتراثه.
وتابعت الدكتورة حديثها بالقول : إنٌ سورية عملت على صون تراثها وحفظه في أصعب حرب ظالمة لم يشهدها التاريخ.مبينة في هذا السياق حجم جرائم العدو الصهيوني وانتهاكه لآثار الجولان المحتل وكيف عمل على تشويه إرثه الحضاري . لكن أهلنا في الجولان الصامد وقفوا في وجه المحتل متحدين لصوص سرقة الآثار والتراث كما فعل بقية الشعب السوري على امتداد الجغرافية الوطنية.حفاظا على الهوية الثقافية السورية.
يذكر أنٌ جامعة دمشق أحدثت برنامج التأهيل والتخصص في التراث الشعبي في كلية الآداب قسم علم الاجتماع والهدف منه حماية التراث وتطوره وصونه والحفاظ على الهوية الوطنية ،وقد تم اعتماد نظامه في قرار مجلس التعليم العالي عام ٢٠١٤، وسبق هذا القرار عامين من التحضير مع الأكاديميين والخبراء من الجامعة وخارجها .
فهذه آثارنا تدل علينا ..فانظروا بعدنا إلى الآثار .
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة