ما الفرق بين اقتحام الكونغرس في الولايات المتحدة الأميركية الذي مرت الذكرى الأولى لاقتحامه في 6 كانون الثاني 2021 ومطار الماتي الدولي في كازاخستان؟، فكلاهما يعبران عن السيادة وأيضا مؤسسات لها حرمتها القانونية والسياسية. الفرق الوحيد هنا أن الكونغرس مؤسسة يجتمع فيها ممثلو الشعب الذي من حقه أن يوصل صوته إليهم ولكن بطريقة غير عنفية. أما مطار الماتي فهو مؤسسة خدمية وصلة تواصل بين كازاخستان والعالم وبالتالي من غير المبرر اقتحامه والسيطرة عليه من قبل من تسميهم واشنطن محتجين وهم في الحقيقة قطاع طرق وأدوات في مشاريع عدوانية ضد الدولة بشكل خاص ومحيطها الحيوي وخاصة روسيا الاتحادية بشكل عام. الذين اقتحموا الكونغرس كانوا يحتجون على تزوير الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح الرئيس الحالي جوزيف بايدن ودخلوا الكابيتول دون سلاح ومع ذلك ألصقت بهم جميع الأوصاف الإجرامية (قطاع طرق، إرهابيون، خارجون على القانون، مجرمون، مثيرو شغب… الخ) رغم خروجهم من المبنى بعد أن أوصلوا رسالتهم بسلام وعلى الفور تحركت ضدهم كل أدوات فرض القانون ولا زال الكثير منهم في غياهب السجون وتم الاستعانة بالحرس الوطني الذي لا تزال وحدات منه تنتشر في العاصمة الأميركية. بالنسبة للولايات المتحدة الذين اقتحموا مطار الماتي الكازاخستاني بقوة السلاح حسب ما أظهرت وسائل الإعلام هم محتجون يطالبون بحقوقهم وحريتهم الخ من الأوصاف التي باتت تثير اشمئزاز العالم وتعكس الدور القذر للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين في دعم مثل هذه الأحداث لتحقيق أهداف جيوسياسية وإضعاف الدول المنافسة لها على المستوى الدولي.
كان الأولى بالمحتجين وفقا للوصف الأميركي أن يذهبوا إلى المكان الذي تسمع فيه مطالبهم وليس إلى المطار حيث لا يمكن تفسير فعلتهم إلا بالعمل الإرهابي لما شكله اقتحامهم للمطار من خطورة كبيرة على المسافرين لولا حسن تعامل الجهات الأمنية التي تؤمن الحماية للمطار. من حيث المبدأ قد يكون لدى المواطنين الكازاخستانيين مطالب معيشية لهم الحق في المطالبة والاحتجاج السلمي للحصول عليها وهذا شأن داخلي لا علاقة لأي دولة أخرى فيه ولكن أن يتم تقمص هذه الحالات للقيام بانقلاب عسكري وأعمال تخريبية تستهدف إنجازات الشعب الكازاخستاني فهذا إرهاب وعدوان خارجي بكل معنى الكلمة.
من المعلوم انه ومنذ ان بدأت روسيا الاتحادية باستعادة قوتها الإقليمية وعلى الساحة الدولية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في 26 كانون الأول 1991 سعت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا الى اشغال روسيا بحروب ونزاعات وأحداث في محيطها الحيوي وصولاً الى الداخل الروسي وبدأت ذلك من جورجيا عام 2008 وفي أوكرانيا عام 2013 ودعم المتظاهرين والخارجين على القانون في بيلاروسيا في 8 آب 2020 وتصعيد النزاع بين أرمينيا وأذربيجان وصولا الى الاشتباكات الأخيرة في 1 /10 /2020 ودعم المعارضين للحكومة الروسية بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة والدور الواضح والمتصاعد الآن في أحداث كازاخستان. بالتأكيد ما يجري اليوم في كازاخستان هو حلقة من حلقات العدوان الأميركي – الغربي على روسيا الاتحادية بشكل غير مباشر بالنظر للعلاقة القائمة بين البلدين سياسيا وجيوسياسيا واجتماعيا حيث يشكل الروس 20 بالمئة من عدد سكان كازاخستان وتعد الحدود بين البلدين أطول حدود في العالم ووجود منصة إطلاق الصواريخ الروسية الى الفضاء في كازاخستان (ميناء بايكونور الفضائي) إضافة الى عوامل اقتصادية وسياسية مرتبطة بالموقع الجغرافي والحدود المشتركة مع الدول الأخرى.
القرار الروسي عبر منظمة “معاهدة الأمن الجماعي” التي تضم الى جانب روسيا الاتحادية دول أرمينيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان كان سريعا وحاسما لمنع نجاح المشروع الغربي في كازاخستان حيث استفادت موسكو من التجارب السابقة ويمكن القول إن محاولة داعمي قطاع الطرق والإرهابيين والانقلابين حسم إسقاط نظام الحكم في كازاخستان بسرعة انقلب عليهم ولم يعد بإمكانهم تحقيق ذلك بوجود قوات حفظ السلام التابعة للمنظمة. إن إصرار الدول الغربية على تأزيم المحيط الحيوي لروسيا الاتحادية بدءا من بيلاروسيا غربا وأوكرانيا جنوبا وبيلاروسيا شرقا من شأنه دفعها الى اتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها ومن المرجح ان سياستها الاستيعابية لمحاولات الغرب العدوانية سيتم تطويرها لكبح تهديداته التي تأخذ مسارا تصاعديا وخاصة في أوكرانيا.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا