ناصر النجار
الأحد, 09-01-2022
وجد اتحاد كرة القدم في أجندته أربعة أيام من الفراغ قرر فيها إقامة مرحلتين من مراحل ذهاب الدوري الكروي الممتاز المبعثر والذي صار (مضحكة) للقاصي والداني و(مسخرة) لكل متابعي كرة القدم.
وهذا التأجيل والتوقيف المتكرر عجز الفنيون والمدربون عن استيعابه وأتعب اللاعبين بسبب الملل الذي أصابهم من طول الانتظار ومن تكرار التمارين، وهو موضوع لم تشهده كرتنا في عزّ الأزمة، ولم نشهد له مثيلاً في بلاد العالم النامية كروياً وهذا يدل على سوء الإدارة والتخطيط، فكرة بلا إستراتيجية واضحة كرة متخلفة، وكرة بلا دوري منتظم هي كرة فاشلة بالتمام والكمال.
وانعكس هذا التوقف على المستوى الفني للفرق التي أدت مباريات ضعيفة على صعيد الأداء وبدت أغلبيتها غير جاهزة فنياً وبدنياً بسبب هذه التوقفات.
وذكر لنا أحد مدربي الدوري الممتاز أنه لا يوجد في العالم مدرب واحد مهما علا شأنه قادر على أن يضع برنامجاً تدريبياً لدوري متقطع لا تعرف بدايته ولا نهايته ولا متى يتوقف ولا متى يستأنف، وأضاف: نرتاح شهراً ثم نلعب جولتين مضغوطتين، هذه الراحة وإن رافقها تمارين يومية فهي راحة سلبية لأنها مجهولة الهدف، وإعادة تهيئة الفرق للمباريات يحتاج إلى وقت فنفاجأ بالضغط الذي لا يتناسب مع الواقع البدني والفني.
وهذا الكلام سمعناه من أكثر من مدرب وله الكثير من السلبيات التي لا يمكن حصرها.
فوضى شاملة
ومع قناعتنا أن هذا الموسم كان الأسوأ لكرتنا منذ تأسيس الاتحاد قبل ثمانين سنة فإن ما حدث كان نتيجة التخبط والفوضى اللذين يعيشهما القائمون على كرتنا سواء في الاتحاد المستقيل أم في اللجنة المؤقتة التي خلفته على النهج نفسه من الخراب والعشوائية.
وإذا قارنا كرتنا مع الدول التي شاركت بالتصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم أو مع الدول التي شاركت في كأس العرب لوجدنا أن كرتنا كانت استثناء عن كل هذه المنتخبات العربية والآسيوية والإفريقية، فكل الدول هذه ومن ضمنها موريتانيا كان الدوري عندها منتظماً وموضوعاً بعناية فائقة.
ولا عذر للقائمين على كرتنا أبداً، فروزنامة النشاط الخارجي معروفة سلفاً والمواعيد موضوعة بدقة من قبل كل الاتحادات الإقليمية والدولية ولم نفاجأ ببطولة ما هطلت علينا من السماء.
لكن البحث عن السياحة والسفر كان غاية القائمين على كرتنا، فعلى حين أن كل المنتخبات كانت توقف نشاطها الداخلي أيام الفيفا وتستهلك هذه الأيام لمصلحة المنتخب كان اتحاد كرتنا يبحث عن معسكرات خارجية إضافية لتطول كل سفرة، فبدل أن نمضيها بعشرة أيام تصبح شهراً أو أكثر، ولو أن منتخبنا استفاد من هذه المعسكرات لهان الأمر، لأنها لم تكن إلا معسكرات تسويقية وسياحية بغياب اللاعبين المحترفين الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للمنتخب الأول.
وأكثر من مرة أكدنا أن تجربة اللاعب المحلي لا تحتاج إلى مثل هذه المعسكرات، وذكرنا أنه في السابق كان الدوري يقام إلى جانب معسكرات المنتخب، بحيث تقام المباريات يوم الجمعة، والمعسكر الداخلي من الأحد إلى الخميس، لكن هذه الفكرة لم ترق إلى أحد أبداً، فالتونسي نبيل المعلول لا تطيب له المعسكرات الداخلية والحضور إلى سورية إلا لرفع العتب ومن باب الوجود وتأدية الواجب في حده الأدنى.
والاتحاد المستقيل رأى في المعسكرات الخارجية رحلات سياحية لا تعوض فالهدف سام، لكن النية لم تكن سليمة فجاءت الحصيلة على قدر النيات.
واللجنة المؤقتة جاءت لترى هذه الغنائم أمامها، فلم ترفضها وسارت بالاتحاد ذاته، فتوازعت المنتخبات وأكثرت من السفر والرحلات والحصيلة كانت أسوأ مما سبق، فأي سوء بعد الخسارة أمام موريتانيا؟
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل كان التعاقد مع المدرب الروماني تيتا وفريقه أشبه بمسرحية هزلية بانت أهدافها مباشرة لأن مخرج هذه المسرحية لم يحبك فصولها جيداً فتبين الكذب علانية على لسان تيتا الذي أفصح عن الشخص الذي اتصل به وتعاقد معه، مع العلم أن رئيس اللجنة أكد أنه من تعاقد مع تيتا وطلبه للحضور إلى دمشق، فلماذا هذه التورية ولمصلحة مَن؟
ولماذا نخدع الجماهير بقصص مزيفة لا علاقة لها بالمصداقية والواقع؟ وكيف نطمئن على كرتنا وهي بأيدي هؤلاء؟
المربع الأول
المشكلة في الموضوع أن كرتنا صارت (ملطشة) للجميع وكل مدرب جديد يأتي إلى المنتخب يريد أن يعود إلى المربع الأول؟
كم لاعباً سيتم تجريبه؟ كم لاعباً سنسوقه؟
قصة صارت (تعرفة) فاللاعبون الذين يستحقون أن يكونوا ضمن المنتخب الأول باتوا معروفين للعيان وواضحين للجمهور وضوح الشمس، وسبق لنزار محروس أن جرّب أكثر من ستين لاعباً محلياً قبل أشهر، فهل أنجبت كرتنا لاعبين جدداً في هذه الفترة البسيطة ونحن لا ندري؟
وإذا كان لكل منتخب كادره من المدربين الوطنيين، فلماذا لا تتم الاستعانة بهم وبرأيهم في اللاعبين وهم الأدرى بهم والأكثر قرباً منهم والأعلم بمستوياتهم، أم إن عمل هؤلاء مقتصر على تركيب الأقماع وترتيب الدخول والخروج إلى أرض الملعب والتصوير مع اللاعبين؟
هذا جزء مهم من الفشل، عندما نعين مدرباً ولا نثق به، في كل دول العالم عندما يأتي المدرب الجديد يتابع عمل من سبقه، ويمكن أن يضيف بعض الرتوشات على الفريق، كل عقود المدربين طويلة الأمد إلا في كرتنا، لأننا لا نثق بأحد، ونتعامل مع الجميع ضمن نظرية المؤامرة، فهذا معنا وهذا ضدنا، وهذه السياسة متبعة للأسف في أنديتنا، فعند تغيير أي إدارة يجب أن يتغير الجهاز الفني، لأن الإدارة الجديدة ستأتي بمن يلوذ بها، والأمثلة كثيرة هذا الموسم وغيره من المواسم السابقة.
تيتا لن يضيف إلى كرتنا شيئاً وسيغرق أكثر مما غرق من سبقه، والتمثيلية التي اخترعها بانتقاء اللاعبين قديمة ولا تنطلي على أحد، وسورية بلده الثاني سمعناها من المعلول قبله، وهذه المجاملات الزائفة والعواطف الخادعة تضر كرتنا ولا تتفعها، ولا أجد مدرباً يقبل أن يدرب منتخبات الفئات العمرية إلا إذا كان مدرباً يبحث عن عقد عمل بأي طريقة!
والمشكلة أن البعض يعرف (البير وغطاه) ويعرف المستوى الحقيقي لتيتا، لكن المصالح الشخصية هي من جمعتهما معاً، تيتا معروف في بلادنا وفي بلاد الخليج والجوار، لم ينجح بالتدريب في أي مكان ونخشى أن ينطبق علينا المثل (من جرّب المجرب عقله مخرب) وإضافة لذلك فإنه لم يدرب أي ناد في السنوات الأخيرة، وجئنا به لنحيي العظام وهي رميم!
قصة منتخبنا الوطني تروي قصة تسويق ومصالح شخصية، تسويق لمدربين وللاعبين محليين، وهي تسويق أيضاً للاعبين يمارسون كرة القدم في أندية الهواة ببلاد الفرنجة، فهل صار منتخبنا هيناً على القائمين عليه لدرجة أنه صار حقل تجارب للمصالح والمنافع؟
قصة اللاعبين المغتربين تعتبر فصلاً من فصول الفساد التي تكلف البلاد المال الكثير والجهد والوقت، واللاعب المؤهل للانخراط في صفوف المنتخب معروف ومكشوف وخصوصاً أن الدوريات الأوروبية ليست بعيدة عن ناظرينا.
في السابق كنا نمنع أي لاعب محترف من التعاقد مع أي ناد ما لم يكن من دولة معروفة وأن يكون لاعباً في الدوري الأول بهذه البلاد، فلم تتم الموافقة على عقد أي لاعب جاء من الدرجة الثانية، هذا على صعيد الأندية فكيف بلاعب سيمثل منتخباً؟
من أجل ذلك تأخرنا، لأننا تأخرنا بفكرنا الثقافي، ولأننا جعلنا مصالحنا الشخصية فوق أي اعتبار آخر ولو كان على حساب مصلحة كرة الوطن.
الشيء الآخر المهم الذي تجاوز كل الحدود والأعراف وكانت اللجنة المؤقتة شاهد زور عليه استدعاء لاعب مصاب إلى المنتخب الأول، وهذه الإصابة معروفة، ومعروف كم تحتاج إلى وقت للشفاء، ولا ندري إن كان هذا اللاعب سيكون مؤهلاً بعد الإصابة ليمثل المنتخب الوطني، ومثله اللاعبون الذين ليس لديهم أندية، ونحن نذكر بالقريب العاجل أن فجر إبراهيم رفض استدعاء فراس الخطيب إلى المنتخب متحدياً الجميع لأنه كان وقتها بلا ناد، وهذا هو الأصول والعرف السائد في كرة القدم، لكن هذا دليل على أن أبواب المنتخب باتت مفتوحة لأهل الحل والربط والدوافع معروفة ولا تحتاج لأي دليل.
ضغط على ضغط
الفكرة أن القرارات الصادرة أغلبها عشوائي وغير مدروس، وهذا ما حدث عندما أقرت اللجنة المؤقتة إقامة ثلاث مراحل مسلوقة مضغوطة للدوري أيام (11- 14- 18) من هذا الشهر، لكن الأندية طار صوابها لهذا القرار ورفضته جملة وتفصيلاً فألغت اللجنة الجولة الأولى التي كانت ستقام في 11 ورحلتها إلى 14 وألفت الجولة الثالثة، وهذا القرار أيضاً غير جيد لأن الفوارق بقيت مضغوطة وكان بالأحرى أن يتم إلغاء جولة وأن يبقى الفارق مريحاً بحيث تلعب المرحلة العاشرة يوم 11 والمرحلة الحادية عشرة يوم 18.
وهذا ما لم يوافق عليه تيتا لأجل معسكره، لأن معسكره المغلق أهم من أي شيء آخر، ونشكره لأنه أتاح لأنديتنا أداء جولتين ضمن التاريخ الذي حدده.
آخر المعلومات التي نريد إيرادها أن تيتا وصل بلا عقد ودون اتفاق رسمي، والمسرب أنه كان يقبل بسبعة آلاف دولار كراتب شهري، لكنه رفع هذا المبلغ إلى 25 ألف دولار على أن يتكفل هو برواتب مساعديه!!
ولا ندري كيف ستوافق اللجنة على هذا المقترح وهل ستوقع عقداً واحداً مع تيتا، والأخير سيوقع عقوداً مع مساعديه؟
إذا كانت هوية تيتا التدريبية غامضة، ويختلف البعض عن كونه معداً بدنياً إلى غير ذلك، فما هوية المدربين الآخرين، وخصوصاً أن البعض مرر لنا أن مدرب الحراس اختصاصه مساعد معد بدني!
أمام هذا الغموض كنا نتمنى من اللجنة المؤقتة أو مكتبها الإعلامي على الأقل الإجابة عن هذه التساؤلات التي باتت تحتاج لمؤتمرات صحفية طويلة، وقد يكون الهروب من هذه الإجابات الخيار الوحيد للجنة المؤقتة.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)