| سارة سلامة
الأحد, 09-01-2022
صدر عن وزارة الثقافة_ الهيئة العامة للكتاب، إصدار حديث ضمن السلسلة الشهرية التي تطلقها لليافعة تحت فئة «إعلام ومبدعون»، يتناول حياة سلامة عبيد وهو شاعر ومؤرخ وروائي ومترجم، ومهتم كذلك بالفنون والآثار والبيئة والمسرح، بقلم ابنته ضحى عبيد الحائزة على إجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق، وعملت في كلية اللغات الشرقية في جامعة بكين، كما نشرت بعض الدوريات «المحلية والعربية».
وفي تفصيل حياته فقد سافر إلى الصين لتدريس اللغة العربية، وفي كلية اللغات الشرقية في بكين، كان له دور كبير في إنشاء قسم اللغة العربية، وقد درب كادره التدريسي، ووضع عدداً من الكتب الجامعية للقسم، وألف القاموس الصيني_ العربي الكبير، وهو الأول من نوعه في العالم، وثق أحداث الثورة السورية الكبرى في كتاب يعد مرجعاً تاريخياً مهماً، كما وثق الأمثال الشعبية، وهو صاحب رواية «أبو صابر»، الرائعة، وديوان «لهيب وطيب»، وديوان «الله والغريب»، كان محدثاً لبقاً ومتقنا اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وكان شخصا محبوبا يحترمه الجميع.
صفات نادرة
لم يكن سلامة عبيد شاعراً فحسب، بل كان إنسانا فيه صفات نادرة من النبل والتواضع والبعد عن بريق المناصب وطريق النفاق، وفي قصة حدثت تدل عليه: «حدثت يوم كان مديراً للتربية في السويداء، وقد كتبها الصحفي إحسان عبيد، وهي بعنوان «كبسة المدير»: «ذات يوم قال للطلاب: جاء مدير التربية باكراً إلى الإدارة، وهو في الداخل رن الجرس الساعة الثامنة، ووقفنا في الطابور، جاء طالب متأخر يبدو فقير الحال، شعر لحيته وشاربيه نابت بوضوح، يلبس شنتاناً أسود قصيراً وحذاء من «الكاوتشوك»، على شكل قارب من دون جوربين «كان هذا الموديل دارجا»، وقميصاً مرقوعاً من الكوعين وصدرية صيفية بلا أكمام في صقيع صلخد القارس اللاسع، قال مدير المدرسة للطالب: ابق محلك، ليبدو أمام مدير التربية أنه لا يتساهل في الضبط والربط مع الطلاب المتأخرين، نظر الأستاذ سلامة إلى الطالب، ثم ناداه، وقال للطلاب: ادخلوا واعتقد الجميع أن مدير التربية هو من سيتولى عقاب الطالب، لأن عادة الضرب كانت شائعة في المدارس، ومع أول فرصة شاهد طلاب المدرسة الطالب المتأخر يلبس معطفاً جديداً، سئل: من أين هذا؟ قال: مدير المعارف أعطاني معطفه».
ذلك المعطف كان المعطف الوحيد الذي يملكه سلامة عبيد.
أمام بيت متواضع ثبّت المصور آلة التصوير المحمولة، وبدأ يصور درجات البيت الحجرية وشجرة الزيتون الوحيدة أمامه، وصمم أن يدخل غرفة الضيوف، ويركز آلة التصوير على صورة كبيرة بالأبيض والأسود لرجل أشيب ذي عينين ناعمتين ونصف ابتسامة، أمامه مجموعة من الكتب، أنها صورة للشاعر سلامة عبيد، المصور هو الدكتور سمير جبر يرافقه المخرج رياض هاني رعد ضمن فريق تلفزيوني يعد فيلما عن الشاعر بعنوان « عناد السنديان»، وقد عرض في التلفزيون وفي المراكز الثقافية.
وقد اختير اسم الفيلم لأن الشاعر مع كل ما قاساه من الشقاء ظل ثابتاً وشامخ الرأس كالسنديانة، يقول في قصيدته «لا، لن أكون»:
لا، لن أكون
وما خلقت لأن أكون
قصباً يرجفه النسيم، وتستخف به الرياح
ويذل في وجه الأعاصير الغضاب فيستباح
ويظل مرتجفاً، يُقبّل في المساء وفي الصباح
قدم الأعاصير الغضاب
حتى تعفر بالتراب
لا، لن أكون.
أبرز الأعمال
سلامة عبيد ختم بالأمثال الشعبية وجمعها في كتاب على مدى عشرات الأعوام، وقد نشرت وزارة الثقافة في سورية الكتاب الذي كان مرجعا أخذ منه الكثيرون، فهو يذكر المثل، ويشرحه، ويحكي مناسبته إذا وجدت مثل: «الضيف أول يوم بدر مدوّر، وثاني يوم رغيف مقوّر، وثالث يوم قرد مصوّر»، يقابله المثل الصيني: « الضيف مثل السمكة تفسد في اليوم الثالث».
وكذلك ترجم عدداً كبيراً من الأمثال الصينية مثل: «الكلمة إذا خرجت، مئة حصان لا يرجعها».
وفي البحث ضمن محرك البحث غوغل نجد أنه قد نشر له في مجلة أسامة قصصاً، وأنه كتب أغنيات للأطفال، وهذه قصيدة له يقول فيها:
ياهلا بالشتا.. ياهلا بالمطر.. مرحباً بالشتا.. مرحباً بالمطر.. في الربى والمروج.. راقصات الثلوج.. فالسواقي رباب.. والغصون الوتر».
وعلى موقع يوتيوب نرى للشاعر قصيدة «هتف النصر» فقد لحنت وغناها مطرب مصري كان مشهورا في ذلك الوقت، وهذا النشيد قد فاز في مسابقة نشيد الجيش عام ١٩٥٣م.
وكان عنده القدرة على السخرية الموجعة إلى حدّ الإضحاك بنقده الأوضاع السياسية والاجتماعية، كما في هذا النص:
لطمت على الخدين طاهية
وتطلعت في الدرج محتارة
لما رأت آثار قاضمة
في جبنة بيضاء مختارة
جاءت، وألقت فيه هرّتها
لترد عنها نكبة الغارة
لكنها عادت فما وجدت
لا الجبنة البيضا، ولا الفارة
كما كتب قصيدة الغزل، وهو في الثامنة عشرة من عمره:
لست أدري، حبذا لو كنت أدري.. أي شيء فيك لا يسبي، ويغري
قدك الممشوق يا أخت الرباب.. أم صفاء اللون، أم برد الشباب.. أم لذاذات الحديث المستطاب.. والحيا يرسي على الخدّ، ويجري.. في قلوع من خيوط الفجر حمر.. أي عطر لم يضمخ راحتيك.. أي سحر لم يفض من مقلتيك؟
ولأن حياته اتسمت بالعمل والجد والتوجه إلى أمور أكثر أهمية، فقد كان مقلاً في نشر قصائد الغزل.
رحلته إلى الصين
وصل الشاعر إلى الصين لتدريس اللغة العربية عام ١٩٧٢، وكانت الصين يومها لا تزال مغلقة ومنطوية على نفسها، حذرة من كل أجنبي، فلم تسمح لأي منهم بأن يزور بيت إنسان صيني، ولو في الأعياد، ففي أولى رسائل الشاعر سلامة كتب يصف وحدته في تلك البلاد البعيدة:
«أكتب لنفسي وأطالع المجلات، أما الراديو فلم أسمعه منذ وصولي، «روبنسون كروزو» في عاصمة بدلاً من «جزيرة»، ويعبر في إحدى رسائله عن ألمه، وفخره بأخيه الشهيد كمال في حرب تشرين فيقول:
«لم يفاجئني موته. كنت أعرف أنه لن يعود هذه المرة».
(سيرياهوم نيوز-الوطن)