| فراس عزيز ديب
الأحد, 16-01-2022
في هذا العالم الذي تبدو فيهِ حرارة المواجهات تتدحرج ككرةٍ من نار، غالباً ما تأخذنا تصريحاتٌ هنا أو حدث هناك لنتعاطى معها على أساس أنها المرشد لما قد يحصل، حرباً أم سلماً، لكن لكلِّ قاعدةٍ شواذ أحياناً، قد تبدو بعض الأحداث أو التصريحات ليست ذات أهمية، لكن لا يجب التعاطي معها بالكثير من التبسيط أو التجميل، لأنها على ما تحملهُ من معانٍ سامية تستند إلى روحِ المواجهة حتى النفس الأخير، لكنها أشبهَ بصراعٍ مع الوهم لا يفيد في هذه المعركة، بل إنَّ ضررها قد يتقدَّم على فوائدها، ولعل هذا الأسبوع حملَ إلينا حدثين ينطبق عليهما هذا التقييم:
أولاً: لبنان يستضيف مؤتمراً للمعارضة في الجزيرة العربية
الحدث ليسَ مزحة، ولا كذبة، الحدث تم فعلياً في لبنان الذي هو أساساً منقسم بطريقة تهدِّد كيان الدولة كلها. ببساطة لا نعلم إن كان لبنان يتحمل تبعات حدث كهذا أو كما جرت العادة في البلد المنقسم أفقياً وعمودياً، أي أن نشهد بعد أسابيع مؤتمراً للمعارضة الإيرانية في الأحواز مثلاً! لكن ما نعرفه أن الواقعية تفرض الكثير من الأسئلة نختصرها بما يلي:
1- لماذا لم تفكر دول تقف في الصف الرافض للسياسات السعودية كإيران مثلاً باستضافةِ مؤتمر كهذا؟ القضية ليست تقليلاً من لبنان بل على العكس، لعلهُ فيض الحرص على خاصرتنا الرخوة التي ستجعلنا بخير إن كانت بخير، تحديداً إن الدولَ تتعاطى مع سلَّم أولويات يستند إلى تقويةِ الداخل قبل خوض معارك الخارج. في السياق ذاته، نعترف بأن المملكة العربية السعودية لعبت دوراً في دعم الجماعات الإرهابية في سورية، التي عاثت قتلاً وإجراماً كما قطر وتركيا! لكن لا يمكن الرد على الدور السعودي في سورية مثلاً باستضافة معارضين سعوديين، تحديداً إن سورية لو أرادت استضافة مؤتمرات كهذه لاستضافتها، لكنها تعرف أن معارك جانبية كهذه في هذا التوقيت ليسَت من مصلحةِ أحد.
2- ماذا عن التوقيت؟
يعلم الجميع بأن المملكة العربية السعودية بدأت قبل سنوات مرحلةَ تحولٍ تم فيها إصلاح الكثير من القوانين والإجراءات التي كانت تسيء لصورتها وصورة الوضع الداخلي للدولة، أدى إلى المزيد من الانفتاح والحريات، إجراءات بدَت وكأنها مفاجِئَة لكنها تتحقق، هذا الأمر ربما يجب قراءتهُ بالكثير من الموضوعية بمعزل عن وجهةِ نظرنا بنظام الحكم هناك، لكنها حقائق لا يجب تجاهلها لأنها تعطينا صورة واضحة بأن الوقت سبقَ الجميع للعب هذه الورقة، تحديداً إننا في زمن الربيع العربي حيث الدمار والخراب جعلا المواطن العربي في أي بقعة كانت ينسحب من كل ماله علاقة بفكرة «الخروج عن الحاكم»، ليس حباً بالحاكم ولكن كرهاً بالفوضى، تحديداً إن فكرة التجديد تلك بدت وكأنها ستصل إلى اليوم الذي يكون السعودي فيه هو من يحمل رايةَ العمل في بلده، هذا الأمر واضح من خلال الأرقام الهائلة للمبتعثين السعوديين في الدول الأوروبية.
فكرة التوقيت تلك تأخذنا نحو نوعيةِ هذه المعارَضة التي يجب دعمها، مبدئياً لنتفق بأننا مع حق أي إنسان بممارسةِ حقهِ في معارضةِ نظام الحكم في الدولة التي ينتمي إليها، ما دام يمارس هذه المعارضة بالأطر السلمية، وبعيداً عن فكرةِ جعل نفسه واجهة لصراعاتٍ إقليمية أو دولية سواء أكان هذا المعارض سعودياً أم سورياً أو إيرانياً، لكن عندما يكون دعم معارضات كهذه غير مستند إلى هذه البديهية، فهو يسيء لهذه المعارضة ويسيء لقضيةِ أي شعب.
3- معارضة سعودية، أم خليجية؟
يبدو التماسك الخليجي نقطة يحسب لهم، على هذا الأساس فإن ضرر استضافة لبنان لمؤتمرات كهذه سيتجاوز الدولة المستهدفة، تحديداً إن هناك دولاً خليجية كالكويت وعُمان تمتلكان هامشاً من حرية الرأي والعمل السياسي ليس موجوداً حتى في لبنان نفسه، هؤلاء لن يجدوا أنفسهم سعداء تجاه خطوة كهذه، لأنهم سيعيدونها إلى جوهر المشكلة على ضفتي الخليج العربي أي التحريض المذهبي، ألا يعني هذا الأمر أن لبنان اليوم سيجني عداوات مجانية هو بغنى عنها تحديداً في هذا التوقيت؟
بالتأكيد لا أحد سيقف مع فكرة وصف جزء من الشعب اللبناني الذي دافع عن أرضهِ بالإرهابي، حتى الكثير من الدول الأوروبية المؤيدة للكيان الصهيوني لم يجرؤ على ذلك، لكن الفرق هنا بين هذه الدول وبين المملكة العربية السعودية أن هذه الدول تمتلك إستراتيجيات، أما التصريحات السعودية فهي ناتجة عن صراع المحاور في المنطقة مثلها مثل الحرب على اليمن، هل حقاً هناك من يظن أن إنهاء الحرب العبثية الظالمة على اليمن يتم عبر تقوية المعارضة السعودية؟
ثانياً: روسيا في كوبا وفنزويلا
عندما تقرأ هذا الخبر ستظن نفسك قد عدتَ إلى أزمةِ خليج الخنازير 1962، يومها وقف العالم على أعصابه، أقل من أسبوعين قد يحيلان العالمَ رماداً عبر حربٍ نووية، لكنها انتهت بـ«تبويس الشوارب» بين الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف والرئيس الأميركي جون كيندي. اليوم تقرأ هذا الخبر بعدَ انهيارِ مفاوضات جنيف بين روسيا و«ناتو»، أي إن الروسي قرر الرد على حشره في الزاوية الأوكرانية عبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية، هل حقاً إن الاستعارة من التاريخ تفيد دائماً؟
قبل مناقشةِ الجدوى من وجود عسكري كهذا دعونا فقط نلق الضوء على أميركا الجنوبية. لا نعلم حتى الآن ما البرهان الإستراتيجي الذي يجعلنا كعرب نصفق لفوزِ مرشحٍ رئاسي يساري في تشيلي ونعتبره هزيمة لأميركا مثلاً، فمن خلال العودة البسيطة إلى التاريخ كانت أميركا الجنوبية قبل عقدٍ من الزمن محكومة بألد أعداء أميركا، تشافيز في فنزويلا، دا سيلفا في البرازيل، موراليس في بوليفيا، ما الذي تبدل وما الإنجازات التي تحققت؟ هل حقاً إننا بتنا جوعى انتصاراتٍ لنراها في الانتخابات التشيلية؟
في السياق ذاته، فإن الوضع اليوم في الدول التي قد تنتشر فيها هذه الأسلحة الروسية لا يبدو كما كانت عليه، هل كوبا الحالية هي كوبا كاسترو؟ هل فنزويلا الحالية هي فنزويلا تشافيز بعد أن عبثت فيها اليد الأميركية؟ المشكلة أن فرض القيد على تمدد الناتو كان متاحاً وكانت له أكثر من فرصةٍ سانحة لكن تأجيل المواجهات في سورية مثلاً جعل الناتو يلتقط أنفاسه، ثم لماذا لا يجب ألا يكون ناتو في أوكرانيا لكنه موجود في تركيا؟ هل إن توسيع الجبهات هو في مصلحةِ تحقيق انتصارٍ ساحق أم إن تشرذم الجبهات هو ما أضاع على الروس فرصتهم الذهبية؟
لست معنياً بالإجابة، لكن سياق الأحداث هو الوحيد الذي سيكشف لنا أن الزمن لا يمنحك الكثير من الفرص، والعودة إلى التاريخ الكوبي قد لا تفيد لأنك لم تقرأ جيداً معنى الجغرافيا السورية، على هذا الأساس فإنَّ البناء الحقيقي لعالم متعدد الأقطاب يبدأ من فكرة الابتعاد عن الاستعراض والتعاطي بالحد الأكبر من الواقعية، هل لنا أن نتذكر كيف تعاطت الولايات المتحدة مع تحول أميركا الجنوبية بشكلٍ شبه كامل إلى اليسار؟
سيرياهوم نيوز-الوطن