د. م محمد رقية*
لقد أدى التقدم العلمي المثير والتطور التقني الهائل خلال النصف الثاني من القرن العشرين إلى الدخول في عصر الفضاء، عبر إرسال التوابع الصنعية والمراكب الفضائية المأهولة وغير المأهولة ذات الأهداف المختلفة، والمركب عليها أجهزة الدراسات والمسح والتصوير المتطورة لدراسة الفضاء الخارجي ودراسة الأرض ومواردها عن بعد، وبالتالي حدوث ثورة المعلوماتية التي نشهدها اليوم. • ففي تشرين الأول من عام 2021 يكون قد مضى على إطلاق التابع الصنعي السوفيتي الأول في التاريخ سبوتنيك (1) الذي أطلق في الرابع من تشرين الأول من عام 1957 أربع وستون عاماً. وهو بداية ما نسميه الآن عصر الفضاء. فتحولت بذلك أحلام البشرية إلى واقع عملي ملموس يمكن لمس نتائجه وفوائده حالياً. تعتبر ايران الدولة العاشرة في العالم المطلقة للتوابع الصنعية أو كما تعرف بوسائل الاعلام الأقمار الصناعية • فقد وصل عدد الدول القادرة على اطلاق التوابع إلى الفضاء, إلى 12 دولة وهي الاتحاد السوفياتي (روسيا حاليا”) 1957 ,أمريكا 1958 , فرنسا 1965 ,الصين 1970 , اليابان 1970 ,بريطانيا 1971 , الهند 1980 , العدو الإسرائيلي 1988 ,أوكرانيا 1995 , إيران 2009 , كوريا الشمالية 2012 كوريا الجنوبية 2021 , أما الدول التي لديها أقمار صناعية فقد تجاوز المئة دولة (رقية 2021)أعلنت جمهورية إيران عن إطلاق برنامجها الفضائي في العام 1998م، وذلك بالتزامن مع تجربتها الناجحة لإطلاق صاروخ شهاب-3.ثم عادت وأعلنت بعد عقد كامل من ذلك التأريخ، في عام 2008م عن برنامج فضائي متكامل مع كل المنشآت اللازمة بما فيها محطة لإطلاق أول صاروخ إلى الفضاء الخارجي عرَف باسم (سفير).. وفي 2 فبراير 2009 أعلنت إيران نجاح عملية إطلاق أول قمر إيراني الصنع أُميد،(أي الأمل) على متن الصاروخ “سفير 2”. وقد جاء ذلك متزامناً مع الذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية الإسلامية. القمر مصنوع بشكل كامل في إيران وهو من النوع الخفيف ووظيفته تتركز بالقيام باتصالات مع محطة ارضية لإجراء قياسات مدارية، وهو يقوم بخمسة عشر دورة حول مدار الأرض خلال 24 ساعة وتتم مراقبته من المحطة الأرضية مرتين عند كل دورة. قام ب700 دورة حول الأرض منذ إطلاقه وارسل معلومات وتلقى أخرى من المحطات الأرضية وانتهت مهمته في 20 آذار 2009 بعد استكمال مهمته بنجاح.
بعد ذلك أرسلت ايران التابع الصنعي الثاني “رصد” (المراقبة) إلى المدار في 15 حزيران 2011. حيث أرسل إلى مدار 260 كيلومترًا بواسطة صاروخ سفير.. وبقي ثلاثة أسابيع في المدار . وفي عام 2012 قالت إنها نجحت في وضع تابعها الثالث المصنوع محليا، نافيد (الوعد)، في المدار. ، وفي 2 شباط 2015 تم إطلاق التابع فجر بنجاح ووضعه في المدار. وبقي 23.8 يومًا في المدار. وهو تابع صنعي للتصوير يحمل أيضًا نظام GPS تجريبيًا محليًا تم بناؤه بواسطة الصناعات الإلكترونية الإيرانية. وتم إطلاق “بيام (الرسالة)” و “دوستي (الصداقة)” عام 2018.وكان العمل الفضائي الأبرز هو اطلاق التابع العسكري نور 1 في 22 نيسان 2020، الى المدار على ارتفاع 425 كم , وهو أول تابع صنعي عسكري إيراني الصنع والتصميم متعدد الأغراض. ويُعَد إنجازٌ تكنولوجي هام لإيران ، حيث دخلت إيران نادي الدول القادرة على صنع وإطلاق أقمار صناعية.
من أهداف إطلاق هذا التابع تحقيق قفزة إستراتيجية معلوماتية للقوات الجو فضائية الإيرانية، كما يمنح بعداً آخراً وتوازناً إسترايجياً للتكتيكات الدفاعية التي تنتهجها إيران في المنطقة والعالم، حيث يسهم التابع في إنجاز خارطة دفاع شاملة للقوات الإيرانية كما أعلن المسؤولين الإيرانيين وتم إطلاق التابع نور إلى الفضاء الخارجي على متن الصاروخ الإيراني الحامل للأقمار الصناعية (قاصد) ذو الثلاث مراحل والعامل بالوقود المركب من قِبَل الوحدة الجو فضائية التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني. ليتم استخدامه في الأغراض العسكرية. ، أي التصوير، والتجسس، والإنذار السريع، والاتصالات، ورصد حالة الجو عسكرياً، والمشاركة في الحروب الإلكترونية، وغيرها من الأغراض العسكرية. وقد استقر التابع نور الإيراني في مداره حول الأرض على ارتفاع 425 كيلومتراً (264) ميلاً.وأعلنت مراصد فضائية خاصة ومواقع للرصد الفضائي أنها رصدت القمر الصناعي الإيراني نور واحد وهو يحلق فوق إيران وفوق الولايات المتحدة وفوق دول أخرى منها باكستان، كما أعلنت أنها إلتقطت إشارات القمر الصناعي الإيراني فوق بحر العرب وفوق المحيط الهندي.
الى ماذا يهدف التابع نور العسكري؟يرى مسؤولي الدفاع الإيرانيين إن الحصول على تقنيات الفضاء ضرورةً ملحّةً. كي تتمكن المؤسسة الدفاعية من تعزيز مكانة جمهورية إيران، ويقولون إن لم يكن لدى الجيوش القوية بالعالم موطئ قدم في الفضاء فلن تكون لها خطة دفاعية شاملة، ويُعَد الحصول على هذه التقنية المعززة لمكانة إيران (تقنية إطلاق التوابع الصنعية العسكرية) التي سترفع قدرات البلاد، إنجازاً استراتيجيا”.
ومن أهم الفوائد التي يمكن جنيها من إطلاق التابع نور واستقراره في مداره أو التوابع الأخرى المشابهة:
1- نظام التحذير الفضائييستطيع التابع نور مراقبة الصواريخ المنطلقة من القواعد الأمريكية في الخليج العربي والشرق الأوسط وسيرسل إنذاراً مبكراً لأي عملية إطلاق في المنطقة، وهو ما يُطلَق عليه عسكرياً (نظام التحذير الفضائي)، وهو نظام لا تملكه سوى دول قليلة جداً حول العالم من بينها روسيا وأمريكا والصين . الأمر الذي سيعزز قدرة إيران الدفاعية ويجنبها الكثير من الخسائر مستقبلاً. ويوفر التابع الصنعي لإيران تغطية واسعة خارج نطاق الدولة، وتحديداً في مناطق الشرق الأوسط والخليج العربي، وسيوفر أيضاً مراقبة دائمة للأرض والتغيرات وعمليات التمويه التي تقوم بها القوى الأخرى المتواجدة في المنطقة.
2- قيادة الصواريخ البالستية:
سيغير التابع الجديد من طرق الملاحة وقيادة الصواريخ البالستية الإيرانية، والذي يُعتبَر من القضايا الخطيرة التي تؤرق الساسة الأمريكيين، بحسب تصريحاتهم، حيث سيتم دمج نظام الصواريخ البالستية بنظام الملاحة الفضائي، ما سيؤدي إلى زيادة دقة الإصابات، أو بالأحرى سيوفر إصابة دقيقة جداً لأي صاروخ إيراني. بالإضافة إلى كل ما سبق، ستسمح التوابع الايرانية لإيران بتدمير الأهداف الفضائية، على المدى القصير بحسب القدرة الصاروخية الحالية لإيران.
3- تزامن تشغيل الوحدات العسكرية:
سيسمح القمر لإيران مستقبلاً بتشغيل نظام (تزامن الوحدات القتالية المعقد)، وهو برنامج عسكري يسمح بمزامنة القوات الجوية مع القوات البرية والقوات البحرية، وحتى الجنود على الأرض، وفي مناطق خارج إيران، سيكونون قادرين على تنسيق أوامر العمليات والتحرك والمراقبة المشتركة وتنفيذ الأوامر والعمليات بتنسيق وانسجام تام، وتُجمَع المعلومات بسرعة وتُدمَج لتعطي البيانات والأوامر للتنفيذ.
الإطلاق الجديد جاء الإطلاق الجديد الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع الإيرانية يوم الخميس 30- 12- 2021 الذي يشمل إطلاق 3 توابع علمية وبحثية إلى الفضاء على متن الصاروخ “سيمرغ” (طائر الفينيق )المخصص لنقل الأقمار الصناعية. ضربة جديدة للأمريكان والغرب , وهي المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق ثلاث توابع بشكل متزامن على ارتفاع 470 كلم وبسرعة 7,350 آلاف م في الثانية”.
ايران ترسل حيوانات الى الفضاء
تعتبر إيران الدولة السادسة في العالم التي ترسل حيوانًا الى الفضاء عندما أطلقت في 3 شباط 2010 ، صاروخ المستكشف 3 مع قارض واحد وسلحفاتين وعدة ديدان الى الفضاء المداري الفرعي وأعادها إلى الأرض على قيد الحياة .
في 15 آذار 2011 ، أطلقت وكالة الفضاء الإيرانية ISA صاروخ (Explorer-4) (المستكشف 4 ) يحمل كبسولة اختبار مصممة لحمل قرد ولكن بدون كائنات حية على متنها.
في عام 2013أعلنت وسائل الإعلام الرسمية الايرانية أن قردًا أرسل إلى الفضاء وعاد بأمان على متن كبسولة بيشغام ، بعد أن وصل إلى ارتفاع 120 كم.
في 14 كانون ثاني 2013 ، أطلقت إيران قردًا ثانيًا ، يُدعى Fargam ، في رحلة شبه مدارية. وبحسب ما ورد تم استرداد القرد بنجاح وأمان ، بعد الرحلة القصيرة التي استغرقت 15 دقيقة.
ردود أفعال الأعداء والتهديدات
تقسم مكونات البرنامج الفضائي بشكل عام الى ثلاثة أقسام رئيسية :
– القسم الفضائي ويشمل التوابع الصنعية الفعالة والتجهيزات المحمولة عليها
– قسم الصواريخ الناقلة ومحطات الإطلاق
– قسم التحكم والتوجيه لمراقبة النظام والزمن وحساب المسارات وتوجيه الأقمار وإعطاء الأوامر.
لقد امتلكت ايران وبجدارة رغم الحظر والعقوبات والضغوط الشديدة من أمريكا والغرب ناصية هذه الأقسام والتقنيات كلها وأضافت الى ذلك ، تصنيع نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية المصمم محليًا في إيران (SAT NAV) للعثور على المواقع الدقيقة للتوابع التي تتحرك في المدار. وأنشأت عدة مراكز فضائية لإطلاق التوابع منها مركز مدينة سمنان ومركز شهرود وقم وافتتحت في حزيران 2013 ، أول مركز مراقبة فضائي يقع بالقرب من ديليجان في محافظة المركزية ، لتتبع وكشف الأجسام الفضائية والأقمار الصناعية التي تمر فوقها باستخدام الرادار ، والأجهزة الكهرو بصرية وأنظمة الراديو. وهذا أذهل وفاجأ الغرب بكليته .
لقد شددت ايران على امتلاك هذه التقنيات بعض أن رفضت جميع الدول التعاون معها لإرسال توابعها الخاصة , لدرجة أن إيطاليا رفضت تسليمها أحد التوابع الذي صمم خصيصا” لها بمبلغ 10 ملايين دولار بحجة العقوبات المفروضة عليها .
لقد وجهت ايران بارتياد الفضاء ثلاث رسائل أساسية :
الأولى إلى العالم بأن العقوبات لم ولن تجد نفعا”
الثانية الى الكيان المحتل بأن نفس ايران طويل بالحرب الباردة مع الكيان العبري ولن تجدي نفعا” كل تهديداته والمستقبل سيكون ثقيل على الكيان.
الثالثة لأوروبا وأمريكا بأن الصواريخ الإيرانية يمكن أن تصل في المستقبل إلى أي نقطة على سطح الأرض بفضل ارتياد الفضاء وامتلاك ناصيته .
ومن هنا جاء الذعر والاندهاش والإدانة الأمريكية الغربية على إيران بدءا” من رؤساء الدول ولم تنتهي بوزراء الخارجية .فبمجرد أن اطلقت ايران التابع الأول “اميد”، عام 2009 بدأ الغرب بمراقبة برنامج الفضاء الإيراني وبدأت التهديدات واجراءات الحظر، كانت ذريعتهم هو أن الصاروخ الحامل للتابع يحتاج إلى تكنولوجيا صاروخية بعيدة المدى وأنه لا ينبغي لإيران أن تدخل هذا المجال،. وبعد اطلاق التابع نور عام 2020 فقدت الولايات المتحدة صوابها وفرضت اجراءات حظر جديدة على منظمة الفضاء الإيرانية (ISA).
وبعد الإطلاق الأخير تم إدانة برنامج الفضاء الإيراني من قبل الولايات المتحدة وأوروبا بسبب قلقهما من إمكاناته العسكرية. وأكدت الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة لا تزال قلقة بشأن تطوير إيران لمركبات الإطلاق الفضائية والتي تشكل مصدر قلق كبير في ما يتعلق بانتشار الأسلحة”. ولأن هذه المركبات “تتضمن تقنيات متطابقة تقريباً وقابلة للتبديل مع تلك المستخدمة في الصواريخ الباليستية بما في ذلك الأنظمة الطويلة المدى. ولكن سبق السيف العزل فكل هذه الإدانات والتهديدات أصبحت من أسلحة الماضي .
(سيرياهوم نيوز-المراقب-صفحة الكاتب٢١-٢٠٢٢)