- علاء حلبي
- الأربعاء 26 كانون الثاني 2022
لا يزال الغموض يلفّ «الصفقة» التي أبرمها «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن مع تنظيم «داعش»، والتي أدّت إلى إنهاء المواجهات في محيط سجن الصناعة في مدينة الحسكة. وبينما تُطرَح تساؤلات حول مصير عناصر التنظيم الذين أُخرجوا من السجن بعدما حرصت واشنطن على إبقائهم أحياء لاحتوائهم «كنوزاً» معلوماتية «ثمينة»، وسط مخاوف من نقلهم إلى البادية أو قاعدة التنف، ترتسم المزيد من علامات الاستفهام حول كلّ ما جرى في الأيام الماضية من أحداث، أَظهرت، من ضمن ما أَظهرته، هشاشة القوّات التي بنتها الولايات المتحدة، وسقوطها في أوّل اختبار حقيقي
تَشغل الأحداث المشتعلة في «سجن الصناعة» (مدرسة الصناعة التي حوّلتها «قسد» إلى سجن في حيّ غويران في الحسكة) وتطوّراتها وسائل الإعلام العربية والعالمية، وسط مخاوف من أن تشكّل هذه الأحداث أرضية لعودة التنظيم الذي احتفلت واشنطن بالقضاء عليه قبل نحو ثلاثة أعوام، قبل أن تعود وتُعلن بقاءها في سوريا لمحاربته، وما زامن هذا القرار من ازدياد في نشاط الخلايا التابعة للتنظيم، والتي صعّدت من وتيرة هجماتها أخيراً. ويفتح الهجوم الأحدث الباب أمام سلسلة طويلة من الأسئلة التي لم يُجب عليها أحد حتى الآن، ولعلّ أبرزها ذلك المتعلّق باللحظة الأولى للعملية مساء يوم الخميس الماضي، عندما اخترقت سيارة مفخّخة – لم يُعلَم من أين أتت – طوقاً أمنياً مشدّداً تفرضه قوات «قسد» من جهة، والقوات الأميركية التي تتمركز في منطقة «تجمّع المؤسسات» على مسافة لا تزيد عن كيلومتر واحد من السجن، ووصلت إلى هدفها تماماً، حيث انفجرت في جدار «الصناعة»، ما أدّى إلى مقتل أكثر من 15 عنصراً من «قسد» من حرّاس وعاملين في السجن، وإصابة آخرين، وفق ما ذكرت مصادر كردية لـ«الأخبار». وتسبّب الانفجار الشديد، بالإضافة إلى حالة الإرباك، في فتح جميع الأبواب والشبابيك في المعتقَل، الأمر الذي ساهم في انتقال عناصر التنظيم إلى الخطوة الثانية، عبر محاصَرة الحراس والعاملين، والقبض على 28 منهم، وسجنهم في إحدى الغرف، وتصوير مقطع فيديو يُظهر «الأسرى»، وإرساله إلى المسؤول الإعلامي في «داعش»، ليقوم بنشره على جميع منابر التنظيم. وعلى إثر هذه التطوّرات، سيطر مُقاتلو «داعش» على غرف الأسلحة والمعدّات العسكرية، وعلى المطبخ ومستودع المؤن، وشكّلوا خطوطاً محكَمة، في حين خرج المئات من المحتجزين بحثاً عن مكان للهروب، ليتمّ القبض عليهم في وقت لاحق، وهم العناصر الذين تمّ تصويرهم عراة الصدر بعد يوم واحد من الواقعة، ليُنَقلوا إلى أحد السجون في القامشلي.
اللافت في الهجوم، وجود تواصل كبير وتخطيط مشترك بين مُنفّذيه في الخارج، وعناصر «داعش» في الداخل، وهو ما يكشف عن وجود خرق أمني كبير سبق الهجوم بشهور، ويَطرح تساؤلات عن سببه، ومدى ارتباط قياديين في «قسد» به، سواءً عن طريق تقديم الدعم المباشر لعناصر «داعش»، أو بسبب عوامل أخرى تتعلّق بالفساد وتشكيل حلقة وصل بين عناصر التنظيم في الداخل والخارج مقابل مبالغ مالية. واللافت أيضاً أن الردّ الأميركي على هذا الخرق جاء عنيفاً من جهة، وحريصاً من جهة أخرى؛ حيث قامت الطائرات الحربية بتدمير المباني المحيطة بالسجن، من دون أن يطاول القصف المعتقَل ذاته، وهو ما فسّره مصدر ميداني بأن القوات الأميركية تريد المقاتلين أحياء، الأمر الذي يعرفه هؤلاء أيضاً، ولذا فضّلوا البقاء في السجن والتمترس فيه، بدلاً من التخطيط للهروب، لتبدأ بعدها مرحلة التفاوض. وتُفسّر المصادر هذا الحرص الأميركي بأنه بعد محاصرة آخر معاقل «داعش» في قرية الباغوز في ريف دير الزور قبل نحو ثلاثة أعوام وتسليم مسلّحيه أنفسهم، جرت عملية تقسيم للمسلّحين وتوزيعهم بحسب المستوى الذي كانوا يشغلونه في التنظيم والمعلومات التي يملكونها، ليتمّ الاحتفاظ بنحو 5 آلاف عنصر بينهم قياديون من الصفَّين الأوّل والثاني بالإضافة إلى مهندسين وخبراء في «مدرسة الصناعة»، التي تمّت الاستفادة من بنائها المتين والمدعَّم بالكتل الخرسانية وتحويلها إلى سجن. وتضيف المصادر أن القوات الأميركية قامت بتسليم «قسد» مهمّة حماية هذا المعتقَل وعمليات الإطعام والتنظيف داخله، بينما يتردّد ضباط أميركيون عليه، ويُجرون لقاءات مع قياديين داخله، كما يَنقلون، من وقت إلى آخر، عدداً منهم إلى أماكن أخرى غير معروفة. وتُتابع أن القوات الأميركية عمدت إلى تقسيم السجناء إلى مجموعات، وفرضت حالة تعتيم إعلامي كامل على هويّاتهم الحقيقية، والمناصب التي كانوا يشغلونها في «داعش»، ومَنعت التواصل مع قسم منهم بأيّ شكل من الأشكال.
كانت «قسد» تتولّى مهمّة حماية سجن الصناعة وعمليات الإطعام والتنظيف داخله
وعلى الرغم من استفادة واشنطن الظاهرية من الهجوم، وتقديمه على أنه دليل على مدى قوّة التنظيم والحاجة إلى بقاء القوات الأميركية لمحاربته، يشكّل الحدث ضربة معنوية كبيرة لجهود الولايات المتحدة على أصعدة عدّة، تُجلّي الفشل الاستخباراتي من جهة، وفشل القوات الكردية التي درّبتها واشنطن وأشرفت على تشكيلها، من جهة أخرى، بعدما سقطت في أوّل اختبار حقيقي، وفي منطقة جغرافية ضيّقة لا تتجاوز مساحتها الثلاثة كيلومترات مربّعة، فضلاً عن كونها شديدة التحصين، وشهدت طوال الشهور الماضية حملات أمنية مكثّفة في محيطها، بحجّة تفكيك خلايا «داعش». ويدور جدل في الوقت الحالي في أروقة «قسد» حول أسباب هذه الأحداث، وما تخلّلها من سقوط سريع، وسط اتّهامات متبادلة بوجود اختراق تركي، وتبرير بعدم وجود دعم أميركي كامل يساعد على تشكيل القوات الكردية بالشكل المطلوب. من جهتها، بدأت قوات «التحالف» تحقيقاً سريعاً، لم يكتمل بعد، تمّ خلاله فصْل عدد من مقاتلي «قسد» مِمَّن ظهروا أمام وسائل الإعلام بشكل «غير لائق»، وذلك بهدف تخفيف الضغط الإعلامي الذي زاد تخبّطُ تصريحات مسؤولي الإعلام في «قسد» من حدّته، بسبب إعلانهم المتكرّر السيطرة على السجن، قبل السيطرة عليه بشكل فعلي، ما وضع القوات الأميركية في موقف محرج.
ولا تُعتبر الاضطرابات التي شهدها سجن الصناعة الأولى من نوعها، إلّا أنها اليوم جاءت مختلفة؛ فبينما كانت الاضطرابات السابقة ناجمة عن محاولات هروب بطرق مختلفة، بينها حفر أنفاق، اختار مسلّحو التنظيم هذه المرّة التمترس داخل السجن، وأسر الحرّاس والعاملين، والتفاوض مع واشنطن التي يعرفون جيّداً أنها حريصة على حياتهم. وعلى ضوء ما آلت إليه الأمور اليوم، تدور شكوك عديدة حول الطريقة التي ستنتهي بها الأحداث، وسط مخاوف من نقل المسلحين إلى البادية أو إلى قاعدة التنف، أكبر القواعد الأميركية في سوريا، والتي تتّهمها دمشق بأنها تشكّل حاضنة لمسلحي «داعش»، وقاعدة دعم لوجستي لهم، لشنّ هجمات على مواقع الجيش السوري في مناطق البادية، ارتفعت وتيرتها بشكل كبير خلال الشهرَين الماضيين.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)