د. عبد الستار قاسم
شن الفرنساويون عام 1920 هجوما عسكريا على دمشق بهدف تحطيم الجيش السوري التابع للمملكة السورية الناشئة، والذي كان يقوده ضابط عربي بارز ملتزم بقضايا وطنه وأمته وهو الشهيد يوسف العظمة. كان الجيش السوري في حينه ناشئا وضعيفا ولا يملك المعدات القتالية اللازمة، وسلاحه الأعظم تمثل بالتزام المقاتلين وشجاعتهم والذين كانوا حريصين على وحدة الأراضي السورية من القامشلي شمالا إلى رفح والعقبة جنوبا. ومن يافا غربا إلى الرمادي شرقا.
وهنا يتم الحديث عن كل الأراضي السورية وهي بلاد الشام والتي تشمل فلسطين والأردن ولبنان وسوريا الصغرى القائمة حاليا.قرر أهل الشام الذين اجتمعوا في باريس عام 1919 إعلان المملكة السورية، وبايعوا فبصل بن حسين بن علي ملكا على الأراضي السورية. وغادر الملك الجديد باريس لتكون حيفا محطته الأولى على أرض الشام. وصل الموكب الملكي ميناء حيفا وخرج الناس محتفلين ليس بالضرورة بالملك وإنما بدولتهم الموحدة الجديدة. وقد سمي الشارع الذي مر منه الملك بشارع الملوك وهو ما زال ماثلا حتى الآن في مدينة حيفا المحتلة منذ عام 1948.
لم تكن ثقة القوميين السوريين عالية بالملك فيصل بسبب ارتباطه بالاستعمار البريطاني، لكن الأولوية بالنسبة للناس كانت المحافظة على وحدة سوريا الطبيعية سياسيا.
كما كان متوقعا، انتصر جيش فرنسا على الجيش العربي، واستشهد يوسف العظمة، وتم ترحيل الملك فيصل إلى العراق حيث أقامت له بريطانيا مملكة هاشمية . وبقيت الأسرة الهاشمية حاكمة في العراق حتى عام 1958 حين أطاح بها عبد الكريم قاسم بانقلاب عسكري.
ماذا تغير منذ عام 1920 حتى الآن؟ على مستوى الاستعمار الغربي، حلت أمريكا محل الاستعمارين الفرنساوي والبريطاني، وهي ما زالت تمارس ذات الممارسات القديمة من حيث تمزيق بلاد الشام وبث النزاعات والفتن الداخلية من أجل أن تبقى الشام مشلولة بمشاكلها الداخلية.
كان الاستعمار مهتما قبل نشوب الحرب العالمية الأولي بتمزيق بلاد الشام. وهذا كان واضحا في التدخل الفرنساوي قي لبنان تحت شعار حماية المسيحيين، وبدور وعد بلفور لانتزاع فلسطين من أهلها وتمريرها للصهاينة اليهود. نظر الاستعمار إلى بلاد الشام والعراق على أنها المخزن الفكري والأخلاقي والثقافي للمسلمين والعرب عموما،ولذا يجب القضاء على هذا المخزن وتمزيقه لحرمان العرب والمسلمين من مساهمات حضارية متنوعة لما في ذلك من تدمير فكرة الوحدة بين مختلف الأصقاع.
نجح الاستعمار في شل بلاد الشام، وعمل على تمزيقها إلى أربع إقطاعيات متنازعة في أحيان كثيرة.، وتطوير ثقافات جديدة تقوم على فكرة التحوصل الذاتي وتغييب الوعي بوحدة الشعب والوطن. ذهبت فلسطين إلى الصهاينة، ووصل الفلسطينيون الآن إلى حد الاعتراف بالكيان الصهيوني والتنسيق معه أمنيا. أما الأردن فذهبت في طريق آخر لتكون الأردن أولا، ولتصبح مرتعا للصهاينة وتعريض مستقبل الأردنيين لخطر داهم. أما لبنان فبقيت أسيرة للترتيبات المذهبية والطائفية والعائلية المقيتة المدمرة. أما سوريا الصغرى فوصلت إلى ما نراه الآن من دمار وخراب وحرب داخلية طاحنة وتجرؤ الدول على أراضيها. وبدل أن تتكثف جهود وحدة أرض الشام، لم نتمكن حتى الآن من تحقيق الوحدة الوطنية للإقطاعيات الاستعمارية التي طورت بالفعل ثقافات انفصالية بدون اكتراث بمنعة الأرض وتحصين الأبناء أمنيا وغذائيا.
هناك من يزال يحمل الاستعمار مسؤولية الوضع القائم على الأراضي السورية قاطبة. الاستعمار يتحمل مسؤولية، وهو بواصل مؤامراته واعتداءاته على شعوب الأرض، لكن أيضا أهل الأرض لم يتبعوا سياسات وحدوية ذات تطلعات مستقبلية. الشعوب في مختلف الإقطاعيات تبدو سعيدة بالضعف والتمزق وعدم القدرة على مواجهة الصهاينة واعتداءاتهم المتواصلة على فلسطين ولبنان وسوريا والأردن.
والخلل الأكبر يأتي كالعادة من القيادات السياسية التي تجد مصالحها لدى الاستعمار والكيان الصهيوني وذلك حفاظا على كراسي الحكم. دمار العرب يتجسد إلى حد كبير في عشق السلطة وكراسي الحكم والنفوذ. ما زال الحاكم العربي مصرا على التضحية بالوطن والشعب والأمة جمعاء من أجل أن يبقى شاكوشا ينخر جسد الأمة.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 25/7/2020