*خير الله علي
عندما قررت الكتابة عن الشخصية الوطنية، ظننت أن أحدا لم يبحث، أو يتناول هذا الفكرة كعنوان منفصل بحد ذاته من قبل، لكنني فوجئت بأن ظني لم يكن صحيحا، وتوقعي لم يأت في محله، فبعدما أجريت بحثا عن الموضوع في محرك غوغل. تبين لي أن الفكرة مطروحة ومعالجة في أماكن عدة، في الأردن ومصر وليبيا والجزائر والسعودية، وهذا ما زادني حماسا لإلقاء الضوء على مسألة مهمة وجوهرية كهذه، لا سيما في سياق ما نعيشه من تدهور في الشعور الوطني لدى الافراد في بعض مجتمعاتنا العربية، وذلك لأسباب كثيرة لعل أبرزها، وربما أهمها أولا، الغياب شبه الكامل للشخصية الوطنية؛ المثال والقدوة في هذه المجتمعات، وثانيا، لعدم توفر البيئة التي تنتج مثل هذه الشخصية. فموقع ويكيبيديا مثلا، يعرف الشخص الوطني بأنه: شخصٌ يحب بلده، ويدعم سلطته ويصون مصالحه؛ والوطنية، وفقا للموقع، تتضمن مجموعة مفاهيم ومدارك وثيقة الصلة بالقومية مثل الارتباط، والانتماء والتضامن.يبدو لي هذا التعريف ملتبسا، نوعا ما، ما يدعوني للتحفظ على جزء من مضمونه، فالشخص الوطني يحب بلده ويصون مصالحه، وواجب عليه أن يدعم سلطته، ولكن شريطة أن تكون هذه السلطة تتصف بمواصفات السلطة الرشيدة الحكيمة العادلة القوية التي تكرس جهدها وعملها وخططها لنهضة بلدها، وحماية شعبها وصون كرامته.
التعريف كما أورده الموقع، يبين السمات الأساسية أو العناوين العريضة للشخصية الوطنية، إنما لتوضيح مفهوم الشخصية الوطنية، لابد من الاقتراب منها أكثر، من خلال شرح وتوضيح هذه السمات، بحيث يستطيع الشخص أن يتعرف على نفسه بصورة أوسع، كي يدرك عمق انتمائه الوطني، أو بعده عن هذا الانتماء. فالشخصية الوطنية ، كما يراها الدكتور محمد طالب عبيدات (موقع أنباط الأردني ) لا يختلف على تصنيفها أحد، لأنها دوماً في خندق الوطن وسجلّها وطني مُشرّف …تعارض السياسات وليس الثوابت، وتبنىي على الإيجابيات وتسعى لتصويب السلبيات، وتعمل للوطن، وليس للمصالح الشخصية، وتشارك بكل المناسبات الإجتماعية، وتُعزّز الأخلاقيات والسلوك الاجتماعي . ومن هنا يدعو عبيدات الى تسليط الضوء على الشخصيات الوطنية وسماتها من خلال المناهج المدرسية والجامعية والإعلام، كما على الدولة أن تختار شخصياتها العامة من الشخصيات الوطنية، وترسخ آليات تجعل هذه الشخصيات قدوات ومنارات للشباب.
*الوطنية الواعية من طبيعة الأشياء أن يكون جميع الأفراد الذين ينتمون الى وطن واحد وطنيين، أو لديهم شعور راسخ بمسؤولية الانتماء تجاه وطنهم، إذن، الشخصية الوطنية موجودة بطبيعة الحال، لكنها تكتسب أهميتها كقدوة ومثال يحتذى، من طبيعة دورها وموقعها الوظيفي في المجتمع والدولة، وتزداد هذه الأهمية وهذا الدور مع زيادة حجم الدور والموقع، وتاليا فإن حجم المسؤولية يتناسب طردا مع أهمية الجانب الذي تمثله مثل هذه الشخصية في الدولة والمجتمع، وكل هذا لن يتحقق ما لم يتحلي الأشخاص المعنيون بالوعي الوطني، أو ما سوف نسميه : الوطنية الواعية .وهكذا، وكتحصيل حاصل، فإن مقدار الاحترام والتكريم والتقدير لأي شخصية، من قبل المواطنين في الدولة، يتأتى بداية، من مقدار وعيها الوطني، وإحساس المسؤولية العالي لديها، والذي يترجم بقيمة وحجم الفائدة التي يجنيها هؤلاء المواطنون من جانبين: الأول، مهني أو تقني يتمظهر بأداء وعمل هذه الشخصية في مواقع المسؤولية، سواء كانت المسؤولية سياسية، أو عسكرية، أو إدارية، أو علمية، أو اقتصادية، أو ثقافية أو تربوية، أو اجتماعية، والثاني، أخلاقي معنوي، أي بما تمثل هذه الشخصية من قيم إيجابية رفيعة كالتفوق، والنزاهة والصدق، واحترام القانون.وبالمقابل، فإن النقد والاستهجان والتعريض من أي شخص ،سيما إذا كان مسؤولا، سيكون حاضرا وجاهزا عندما يفشل هذا الشخص في عمله وأداء واجبه، أو عندما لا يتحلى بأخلاق جيدة، وهكذا فبدهي أن مساحة النقد سوف تتسع وتكبر وتزداد حدة كلما كانت مسؤوليات هذا الشخص أكبر وأوسع في الدولة والمجتمع، فما يحمله رئيس دائرة على عاتقه من مسؤوليات لا يقاس بما يحمله وزيره، وما يترتب على كاهل تاجر كبير من واجب وطني لا يمكن تحميله على كاهل تاجر مفرق صغير في حي شعبي ، وما ينتظر من دور لكاتب كبير أو فنان مشهور في المجتمع، لا يقارن بما ينتظر من كاتب مبتدئ، أو فنان دخل حديثا الى عالم الشهرة، وينسحب هذا الكلام على رجل الدين أيضا.
*دور الفرد في نهضة المجتمعمن هذا المنطلق، لا يمكن لأحد أن ينكر دور الفرد في نهضة المجتمع وتطوره ونموه، أو في تخلفه وتراجع نموه، فلطالما قامت بلدان وتقدمت ونهضت من تحت الرماد كاليابان وألمانيا وفرنسا وغيرها بعد الحرب العالمية الثانية، وماليزيا وسنغافورة خلال العقود الأخيرة، حيث حققت هذه البلدان معجزات تنموية في شتى المجالات، لمجرد أن توفرت فيها قيادات ناجحة ، مبدعة ، مخلصة لوطنيتها، ولطالما ضاعت مجتمعات وانهارت امبراطوريات ودول بسبب غياب أو تراجع أعداد الشخصيات الوطنية الحكيمة، أو المبدعة والناجحة في هذه البلدان .فالشخصيات الوطنية القيادية في أي دولة، هي الملهمة، وهي المثال، وهي القدوة التي ينهل منها بقية أفراد المجتمع حب الوطن، والتضحية في سبيله، واحترام القانون، وتقديس العمل، والإخلاص فيه.الوطني: كما يصفه زيد إحسان الخوالدة (موقع طلبة نيوز الاردني) هو شخص شجاع وحكيم ورزين ومتسامح ومطيع وحر وصاحب نفس كريمة، والوطن بنظره ليس منصبا، وليس مكسبا، ومسؤولا فاشلا أو فاسدا !!وليس تجارة فاسدة، وليس ممرا ولا شلة وعصابة تدعي الولاء والانتماء والوطنية، وهي لا تفهم الوطنية والوطن الا في صور الإعلام.
في مصر تم تأليف كتاب بعنوان (بناء الشخصية الوطنية )وجرى اعتماده كمقرر يدرس لطلاب الأول الثانوي، وفي ليبيا يقول منصف البوري في موقع (إن ليبيا): إن بلاده تعاني من أزمة حقيقية مصدرها تواري واختفاء الشخصيات الوطنية بسبب حالة الصراع السياسي والمسلح المغلف بكل الشعارات المضللة، وحالة الفوضى العارمة، وانعدام احترام الرأي الأخر والعزل السياسي الذي يطبقه كل طرف على الأخر، وانتشار حمى القبلية والجهوية والمناطقية، وتكريس مبدأ الشللية والمصالح الشخصية، وغياب المصداقية للكثير ممن يسمون أنفسهم بالرموز الوطنية، بل يضيف أن هذا الواقع المرير ساهم بإبعاد الكثير من الشخصيات والكفاءات وتفتيت المجتمع وغياب الرموز الشريفة وفتح المجال لشخصيات لا تحظى بقبول شعبي ووطني، بل هي رموز مصطنعة لبست رداء الوطنية وتدعي أنها جاءت لخدمة البلاد ولكنها تعرت و فقدت مصداقيتها وحتى شرعيتها.الاهتمام بمفهوم الشخصية الوطنية نجده حتى لدى الشرع الحنيف، واستنادا إلى القرآن الكريم، فقد تناول الشخصية الوطنية، وحدد سماتها في استقامة العقيدة، وحسن الخلق، ورِعاية الأهل، وَالْإِحسان إلى الجيران، والسعي في تحقيق التكافل المجتمعي،ِ وحب الخير للناس والأمانة، وَالِاجتهاد في العمل، ومِنْ سِمات الشخصية الوطنية أيضا، وفق الشرع الحنيف نصحها لبني وطنها، بِعلم وحلم ورفق، وحب الوطن وَالدفاع عنه، والْحِفاظ على سفينة الوطن، وعلى مرافقها العامة.
*حكمة الطبيعة في إنتاج الشخصية الوطنية من حالة تأمل بسيطة للطبيعة يمكن للإنسان أن يستلهم العبر، فعندما ندع الطبيعة تنمو وتتشكل بعيدا عن التدخل البشري، نجد فيها التنوع بكل حالاته من أشجار وزهور وأعشاب، وحينئذ فقط، نستطيع أن نمايز بين كل عنصر من تلك العناصر المختلفة من حيث القيمة والفائدة والجمال، وإذا ما امتدت إلى هذه الطبيعة يد الانسان بالقطع والرعي الجائرين، فعندئذ سيكون السلام على الطبيعة بجمالها وفوائدها، والمجتمع كذلك، فلا يمكن للمجتمع أن يقدم شخصيات متميزة ومتمايزة عن غيرها، مالم تتوفر فيه البيئة السليمة لإنتاج هذه الشخصيات ، وأس وأساس هذه البيئة؛ مجتمع ديمقراطي يحمي حرية الفرد، ويصون كرامته، ويرعى حقوقه في إطار قوانين واضحة وعادلة، ومتطورة يوفر له بيئة خصبة للإبداع والعطاء، أما القهر والظلم والاستبداد فلا ينتجون سوى المعتوهين والمرضى والفقر الأسود . في قصيدته /تشي غيفارا / خاطب الشاعر الاسباني رفائيل ألبرتي الثائر العالمي الشهير قائلا: أنت النجم الذي ننظر إليه دائما لنعرف أين موقعنا، فأين النجوم في عالمنا العربي ؟؟؟؟!!!!!
(سيرياهوم نيوز١٧-٢-٢٠٢٢)