بعدما غادر الرئيس نبيه بري الى القاهرة للمشاركة في أعمال المؤتمر الـ 32 للاتحاد البرلماني العربي، يسافر الرئيس نجيب ميقاتي في «زيارة خاصة» تمتد حتى نهاية الأسبوع، لتُترَك البلاد ساحة مواجهة قضائية عنوانها ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
ميقاتي الذي صار يشعر بأن حكومته، التي يلاحق الفشل ملفاتها، باتت في حكم المعطّلة، وبأنه مكبّل بالتزاماته للخارج وغير قادر على استقالة تحرجه مع الأميركيين والفرنسيين، وخصوصاً أنه تعهّد بعدم خلق حالة فراغ في ظل غياب خطة بديلة. وهو، في الوقت نفسه، كما بقية حلفائه في التركيبة، لا يريد أن يجاري رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في خطوات إدارية ومالية يتهمون عون بأنه يستهدف من خلالها تحصين وضعه الشعبي تمهيداً للانتخابات. لذلك، يواصل ميقاتي حماية حاكم مصرف لبنان، ويتصرف على أن ما يحققه الأخير من خفض لسعر الدولار بمثابة «الإنجاز الوحيد» للحكومة، رغم أنه إنجاز وهمي يستبطن إدانة للمصرف، وللحكومة التي تأخرت في ضبط السوق المالية الفالتة، وخصوصاً أنه معلوم أن الحاكم هو من يدير عمل الصرافين الذين يتلاعبون بالعملة.
لذلك، يتعاطى ميقاتي مع الضغط المتصاعد لملف التحقيق مع سلامة على أنه يستهدف تفجير الحكومة. وهو ينطلق من أن إقالة سلامة، تحت ضغط الملاحقة القضائية، مرفوضة من بري والرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي وغيرهم، وأن هؤلاء يهددون بإطاحة الحكومة في حال اتخاذ أي خطوة قضائية تهدد سلامة «الوحيد القادر على منع الانهيار الكبير»! لذلك، يتعاطى هؤلاء جميعاً، ومعهم رئيس الحكومة، مع الخطوات القضائية التي يقوم بها القاضيان غادة عون وجان طنوس على أنها تنفيذ لقرار يقف خلفه الرئيس عون والنائب جبران باسيل. وهذا ما دفع برئيس الحكومة الى إبلاغ وزير الداخلية وجهاز أمن الدولة وبقية الأجهزة الأمنية بعدم تنفيذ أي مذكرة قضائية قبل العودة إليه مباشرة، كما أبلغ الى المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات رفضه أي ادعاء ضد سلامة.
ويتهم رئيس الحكومة الرئيس عون وباسيل بأنهما يهدفان إلى تفجير الحكومة لإطاحتها، وبالتالي تعطيل الانتخابات النيابية. وبحسب زوار رئيس الحكومة، فإن «عون يعرف أن هذه الخطوات تؤدي الى تصعيد سياسي، وقد تأخذ المشكلة مع قوى الأمن الداخلي بعداً طائفياً يهدد الاستقرار العام».
في غضون ذلك، لا يزال سلامة رغم كل الملاحقات، يتصرف كأنه «الرجل الأقوى» في الجمهورية. فهو نجح في دفع ميقاتي إلى جمع رأسَي عماد عثمان وطوني صليبا على «مخدّة» واحدة، وجعل اللواءين اللدودين يتواطآن لإخفاء حقيقة ما حدث أول من أمس من اعتراض قوى الأمن لدورية جهاز أمن الدولة التي كُلفت إحضار سلامة إلى التحقيق. الحاكم القوي، الذي تحميه وزوجته سرية من الفهود، نجح أيضاً في إعادة إحياء تيار المستقبل الذي يُفترض أنه في حالة اعتزال، ودفعه إلى إصدار بيانين في أقل من 24 ساعة مصوّباً على رئيس الجمهورية وتياره السياسي.
وكان اللواء عثمان، الذي منع عناصره عناصر أمن الدولة من إحضار سلامة، قد لجأ أول من أمس إلى رئيس الحكومة للحصول على تطمينات، وخصوصاً بعدما استشمّ أن القاضية غادة عون في صدد الادعاء عليه (وهو ما حدث أمس، إذ أحالته أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور الذي حدد له جلسة استماع الأسبوع المقبل بعد إبلاغه عبر وزارة الداخلية). بعد اللقاء، اتصل عثمان بمدير جهاز أمن الدولة اللواء صليبا الذي أبلغه أن ما نقل عن اعتراض عناصر أمن الدولة «غير دقيق». وعلى الفور، أصدرت شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي نفي اعتراض عناصر قوى الأمن لعناصر أمن الدولة ومنعهم من تنفيذ قرار قضائي، ليتبعه بيان للمديرية العامة لأمن الدولة، زعم أنّ ما نُشر «غير دقيق»، وأكد «حرص المديريات الأمنية على التنسيق»، علماً بأنّ عقيداً في أمن الدولة وعناصر آخرين أكّدوا في مضمون إفادتهم، في محضر رسمي أمام القاضية عون، اعتراض قوى الأمن لهم وتلويحهم بحصول مواجهة إن لم يُغادروا. وقد دفع ذلك عون إلى إصدار بيان أشارت فيه إلى «تواطؤ الأجهرة الأمنية لمنع تنفيذ إشارة إحضار صادرة عن قاضٍ (…) مع العلم بأنّ هذه الوقائع، ومهما حاولوا التشويه والتضليل، ثابتة بالمحاضر الرسمية وبالصور التي تثبت بما لا يقبل أي شكّ، أنّ العقيد المكلف بالتنفيذ هُدِّدَ بأنّه إذا حاول الدخول لإحضار السيد سلامة فستحصل مواجهة ودم». ووضعت ما حصل «برسم مجلس القضاء الأعلى وبرسم القاضي الأول فخامة رئيس الجمهورية»، و«لي ملء الثقة أنكم لن تقبلوا أن تداس القرارات القضائية»، غامزة من قناة جهاز أمن الدولة الذي خذلها بعدما انسحب عناصره بناءً على طلب قيادة الجهاز قبل أن يُخبروها بقرارهم الانسحاب.
المستقبل يستنفر دفاعاً عن عثمان والأجهزة الأمنية تتواطأ ضد القضاء
ومع استنفار تيار المستقبل للدفاع عن اللواء عثمان، اتصلت رئيسة كتلة المستقبل النيابية بهية الحريري برئيس الحكومة الذي أكد «موقفه الرافض لتصرفات القاضية عون، وأن عثمان قام بكامل واجباته وكان على تنسيق كامل معه ومع وزير الداخلية، وأشاد بمناقبية عثمان وحسن أدائه»، ورأى ميقاتي، بحسب الحريري، أن «الادعاء هو محض افتراء ولا يمتّ للحقيقة بصلة»، وأنه «سيتابع شخصياً هذا الموضوع مع وزير العدل والمدعي العام التمييزي لوقف هذا التمادي بالاعتداء على مؤسسات الدولة وهيبتها وكرامات القيمين عليها».
إلى ذلك، أشار مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الى أنه «لليوم الثاني على التوالي يواصل تيار المستقبل بث الأكاذيب والأضاليل عن دور مزعوم لرئيس الجمهورية في التدخل في عمل القضاء في ما يتعلق بوضع حاكم مصرف لبنان». وأكد أن رئيس الجمهورية «غير معني بأي إجراء يتخذه القضاء أو الأجهزة الأمنية المختصة. وبالتالي فإن ادعاءات تيار المستقبل لها خلفيات ثأرية تهدف الى إضفاء طابع تحريضي على مقام رئاسة الجمهورية وشخص الرئيس، وهذا واضح من خلال العبارات المستعملة في البيانات الصادرة عن هذا التيار والمواقف المعلنة من مسؤولين فيه».
(سيرياهوم نيوز -الاخبار)