إن ما يحدث على صعيد الأجور يضع العقل في الكف، فبينما تقوم جهات القطاع العام المختصة بالتسعير بنفسها برفع أجور خدمات جميع المهن والحِرف في القطاع الخاص لتتلاءم ونفقات المعيشة الباهظة، تجدها تتغافل عن تحسين أجور العاملين في الدولة وكأنهم ليسوا بحاجة لأن السماء تمطر عليهم ذهباً.
نسمع بين حينٍ وآخر عن رفع أجور الكوافيرات والحلاقين والخياطين وغيرهم بقرار من الجهات المعنية انطلاقاً من أن أجورهم يجب أن تتواءم مع الأحوال المعيشية الراهنة على الرغم من أنها بالأساس مرتفعة قياساً لدخل الموظفين، كما أنه لا يفوت تلك الجهات تشكيل اللجان تلو اللجان لدراسة أجور وسائط النقل الخاصة آخذة بالاعتبار التكاليف والنفقات ليتم رفعها وتصبح مجزية تناسب الرائج.
وكذلك الأمر يتم بين فترة وأخرى تعميم دليل سعري للأعمال مدروس بعناية حسب الرائج ليتم بموجبه إنصاف متعهدي القطاع الخاص وتحقيق أرباح تتناغم والظروف الحالية، ولا تغيب عين الجهات أيضاً عن إصدار نشرات تسعير يومية للأغذية ودورية للأدوية التي ينتجها القطاع الخاص لتحاكي أرباحاً معقولة.
من هنا نجد أن فطنة ونباهة الجهات المعنية حاضرة وبقوة على صعيد القطاع الخاص، وتأبى أن تبقي أجوره وأرباحه مجحفة بحق القائمين عليه رغم تهرب أغلب فعالياته ضريبياً، بينما تجدها تجاه دخل الموظفين تغط في سبات عميق تحت تأثير أقراص ضعف الإمكانات والحصار المنومة متهربةً من واجباتها ومسؤولياتها إزاء تحسين الدخل لتغطية أدنى ضروريات العيش، حتى أصبح العامل يشعر بأن ما يحدث على صعيد الأجور (العاجزة) هو بمنزلة استغلال غير مسوغ من رب العمل لجهد العامل تحت ضغط الحاجة، وخاصةً أنه يدفع ضريبة أكثر بكثير مما تدفعه معظم الفعاليات الخاصة.
إن دوام تجاهل الواقع المعيشي المتردي للموظفين ليس له منعكسات سلبية على حياتهم وأسرهم فقط وإنما على مستوى الأداء أيضاً، لأن العامل من شدة قهره لعدم كفاية دخله لسداد فاتورة لقمة العيش والعلاج أصبح لا يكترث وتغيب الجودة عن عمله ما يلحق الضرر بمتلقي الخدمة التي يقدمها، لذا على الجهات المعنية كما تجهد لمجاراة أجور القطاع الخاص لموجبات الحياة، عليها ألا تستمر بتجاهل ضعف دخل موظفيها الذين طفح بهم الكيل، وذلك قبل أن تقع الفأس بالرأس.
(سيرياهوم نيوز-تشرين)