د. عبد الحي زلوم
***.
صدقوني اننا نعيش ايام الرويبضة التي يصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمَن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين،واننا نعيش في عالم يقف على رأسه ويفكر في قدميه ، تحارب فيه الشرعية بإسم الشرعية ويقرر فيه صبي يتاجر بالعقارات مصير اوطان باسم سلام لن يكون بعده اي سلام :
-
أينما تنظر في مشرق الوطن العربي وفي مغربه تجد في كل بقعة منه أزمة قابلة للإنفجار.
-
امريكا تُدخِل إلى شرق البحر الأبيض المتوسط حاملتي طائرات بالاضافة الى 12 قطعة بحرية تحت مسمى مناورات بحرية مع اليونان .
-
اليونان و تركيا كانتا على وشك الاصطدام العسكري على المناطق البحرية حيث النفط والغاز وميركل تطفئ فتيل الانفجار .
-
العدو الصهيوني يخطط لخط غاز لنقل الغاز الفلسطيني المسروق بحيث يصبح بعد انشاءه دخل الكيان السنوي من هذه السرقة 10 مليارات دولار .
-
في لبنان التي تتمتع بحارها بما لا يقل عن الغاز الفلسطيني المسروق يتم تأخير انتاج غازها ونفطها من الطبقة الفاسدة اياها لتُبقي تلك الطبقة على احتكاراتها من الغاز ومشتقات النفط حتى لو كلف ذلك افلاس لبنان وانهيار دولته وقطع كهربائه وماءه ثم يقولون ان المشكلة هي في سلاح المقاومة وان المطلوب هو الحياد .
-
الكيان المحتل يقصف في الدول العربية يمينا وشمالا وعند مقتل عنصر من عناصر المقاومة يهتز كيانه مرتعداً كيف سيكون رد المقاومة اللبنانية .
-
رئيس الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية يزور فلسطين المحتلة لساعات فقط ويجتمع مع رئيس الوزراء و وزير الدفاع ورئيس المخابرات الخارجية ( الموساد ).
-
خطر تعطيش 100 مليون مصري يأتي من الجنوب وتجد القيادة المصرية ان الخطر على امنها القومي يأتي من الغرب .
-
الأمريكي الجنسية خليفة حفتر يتحالف مع مصر (حليفة الولايات المتحدة) ضد حليفة اخرى للولايات المتحدة والعضو في حلف النيتو اي تركيا تجسيداً للمثل الشعبي ( فخار يكسّر بعضه ) او كما قال كيسنجر عن الحرب الايرانية العراقية في الحروب عادة خاسر ورابح لكن في هذه الحرب يجب ان يكون خاسران .
-
في لبنان نظام الطوائف والمذاهب على وشك الانهيار الى غير رجعة يصاحبه انهيار النظام المالي و الاقتصادي الريعي الذي صممه ونفذه ( اصدقاء الولايات المتحدة ) بقيادة سياسيي الفساد اياهم الذين اوصلوا البلاد والعباد الى الوضع الراهن وكما يقول المثل ( رمتني بدائها وانسلّت ).
-
المال العربي والتكفيريون من 80 دولة حوّلوا سوريا من دولة ذات اكتفاء ذاتي بل ومصدّرة للغذاء والدواء والطاقة الى دولة منقوصة السيادة اراضيها في الشمال وفي الشرق محتلة وبنيتها التحتية محطمة وكل ذلك ببترودولارات العرب وجهلهم واخطاء سابقة لنظام شمولي . نصف الشعب السوري تحت مستوى الفقر وليس له ما يخسره سوى فقره .
-
العراق يطفو على بحر من النفط وبحر من الماء والانهار ولا يستطيع تأمين الماء والكهرباء والهواء النظيف والوظائف لمواطنيه بل ويرزح تحت مديونية تزداد يوما بعد يوم بالرغم من ايراداته من تصدير النفط وقد اهمل الزراعة والصناعة بالرغم من اراضيه الخصبة ومياه انهاره .
-
النفط وعائداته البترودولارية خرجت ولم تعد ولن تعود والعجوزات ونضوب الصناديق السيادية وارهاق كاهن المواطنين بالضرائب على قدم وساق . يخافون من بلد يؤمن بأركان الاسلام الخمسة ويتحالفون مع كيان وصفه القرآن الكريم بأنهم أشد عداوة للمؤمنين !
-
في الضفة الغربية من فلسطين عصابة تعمل لخدمة الاحتلال وغزة يحاصرها في قوت يومها الاشقاء قبل الاعداء وفي الوطن العربي اصبحت الخيانة وجهة نظر .
على الصعيد الدولي :
-
الولايات المتحدة تتصرف كالثور الهائج وهي تعاني من ازمة نظام على رأسه احمق . لولا مطابعها للدولارات المزيفة بلا غطاء لأعلنت افلاسها قبل سنين . تعاني من ازمة صحية لم ترتق منظومتها الصحية الى مستوى دولة من العالم الثالث لمجابهة تلك الجائحة . اقتصادها في ازمة يقول الخبراء الامريكان انها غير مسبوقة او على الاقل لا تقل عمقا عن ازمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي . بنت نظام العولمة وهي اليوم تهدمه بمعول العقوبات والرسوم الجمركية . خاضت حروبا ضد مقاومات هنا وهناك ولم تربح اي حرب منها . استراتيجيتها الاساس التي قامت عليها كل سياساتها وهي سياسة طيف الهيمنة الكامل الاحادية القطبية على العالم قد تآكل واصبح جزءا من الماضي . مدنها اليوم ولاطول مدة في تاريخها تشهد اضطرابات ومظاهرات بين فئات مختلفة من المجتمع وبين بعض تلك الفئات والقوات الفيدرالية وتبدو المدن وكأنها ساحات حرب يجوب شوارعها مسلحون من السود ومسلحون من البيض العنصريين وينقسم المجتمع افقيا وعموديا بشكل يذكّر وكأنه بداية حرب اهلية . بل وتعتقد اكبر صحيفتين امريكييتين بأن احتمال دونالد ترامب رفض نتائج خسارته في الانتخابات القادمة امراً محتملا ً لتصبح الديمقراطية الامريكية شأنها شأن ديمقراطية زامبيا . فصار العالم بلا رأس ويعيش في حالة اللانظام وبين عصرين احدهما يتهاوى وآخر في صعود .
-
في منطقتنا هناك محوران محور الولايات المتحدة ورأس جسرها فلسطين المحتلة واتباعهما ومحور المقاومة الذي بدأ من ايران في ثورتها الاسلامية الايرانية التي بدلتها من مشيخة وكلب حراسة الى دولة ذات سيادة فتذكّر (حلفاء ) الولايات المتحدة فجأة بأن ايران يسكنها فرس ومجوس وأن ديانتهم هي الكفر بعينه وأن اليهود محتلي المسجد الاقصى هم ابناء عمومتنا وكأنه اكتشاف يعوضهم عن البحوث العلمية والولوج الى الفضاء . ونسوا أن تحرير الاقصى بل أي بلد محتل هو فرض عين على كل مسلم .
اما الكيان المحتل نفسه فهو مأزوم كما لم يكن يوما منذ نشأته . فنظامه السياسي وتكوينه الديمغرافي قد اوصله الى طريق مسدود لم يستطع خلال سنتين من مجرد تكوين حكومة .
ووصل الجهلة من ذلك المجتمع ليصبحوا الاكثرية التي توجه دفة الدولة وعلى رأسها فاسد مرتشي سيء الامانة حسب وصف قضية الشرطة ضده . ويقف الشعب اليوم مطالبا بعزله ويرسل حزبه عصابة المافيا التابعة له للاعتداء على المتظاهرين تماماً . كان الكيان يزمجر ويختال تيهاً بأن يده الطولى تصل الى اي مكان وكانت حروبه يتم حسمها خلال ساعات ضد دول فأصبحت تحسم ضده خلال شهور . عقيدته العسكرية اصبحت من الماضي والتي كانت تعتمد على الحروب القصيرة ودائما في ارض العدو فأصبحت اليوم حروبا طويلة تطال كل بقعة في ارضه المحتلة واصبحت كلفتها اكبر مما يستطيع ان يتحمل بحيث ان كلفتها ستسبب ايضا هجرة معاكسة لنصف شعبه الى حيث اتى حيث ما زال يحتفظ بجوازات سفر بلدانهم الحقيقية والتي هي ليست فلسطين .
عندما ننظر الى هذا الكوكتيل العجيب من التناقضات في دول فاشلة او شبه فاشلة في منطقتنا وننظر الى كل هذه التناقضات يتراءى للمرء ان احتمال خروج الاوضاع عن السيطرة هو امر محتمل . اما لو اردنا تحليل الموقف بشكل موضوعي فالمحور الامريكي الصهيوني وتوابعه مأزوم وليس في مصلحته ان يخوض حربا وهناك ازمات اقتصادية وسياسية واجتماعية في العنصرين الرئيسيين في ذلك المحور اي الولايات المتحدة وفلسطين المحتلة والذي يقبع 10 الاف جندي من جيشها النظامي تحت الحجر الصحي . فهم يريدون الحرب لكنهم يخشونها. اما المحور الصاعد الاخر والذي استطاعت دولة المحور المحلي الرئيسية ( ايران ) ان تتشارك معه استراتيجياً فهو لا يخشى الحرب لكنه لا يريدها خاصة وانه يعتقد ان الوقت يسير في صالحه.
غبار الركام ودخان حرائق الحروب قد يحجب الرؤيا للمستقبل بل وقد تغطي عليها السوداوية . فإذا اخذنا صورة فوتوغرافية للمشهد اليوم فهي لا تسرّ. لكن لو قسنا التغييرات خلال ربع قرن نجد اننا بين عصرين ، دعني اسمي احدهما عصر مجزرة قانا ، والاخر الوضع اليوم . اراد شمعون بيريز ان يقوي حظوظه الانتخابية سنة 1996 كرجل الامن القوي فقصف احد مراكز قوات الامم المتحدة وقتل وجرح 216 لبناني حمل منهم 18 لقب ( مجهول الهوية ). اذن كانت ارواح اللبنانيين لا تساوي نقطة في معركة انتخابية لدولة الاحتلال .
اليوم في 2020 بعد ربع قرن اصبح اصابة لبناني واحد اسمه علي كامل محسن تهزّ كيان الاحتلال ويحلف الاحتلال الف يمين انه لم يقصد اصابته ويوسّط الوساطات و يبرر انه لم يكن يعلم بوجوده .
هكذا اصبحت قيمة اللبناني اليوم بما في ذلك اللبناني الذي يُحارب ذلك التغيير الذي جعل من قيمته انساناً بعد ان كان صفراً .
كذلك كانت الولايات المتحدة تُدافع على حق ( اسرائيل ) بالدفاع عن نفسها .
وتعليقاً على حرب اسرائيل على نفسها في مزارع شبعا مؤخراً اصبحت امريكا تدافع عن حق ( اسرائيل بالدفاع عن اوهامها) . وانحدرت بذلك الى هذا الدرك الاسفل من التبعية الى الصهيوامريكية ورأس جسرها في فلسطين . كان وكلاء الولايات المتحدة في المنطقة ( وكذلك حكام الكيان المحتل ) يخادعون ويناورون فانكشف القناع عن وجوههم .
فهل نحن في وضع افضل مما كنا فيه ؟
الجواب واضح وميزان القوى يسير بثبات نحو من أحدثوا هذه التغييرات خلال ربع قرن فقط وهي كلمة من ثماني حروف ( ا ل م ق ا و م ة ). وهي مشروع ليس حزب الله سوى احد أركانه .
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 29/7/2020