آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » العلويون في سوريا

العلويون في سوريا

|نبيه البرجي

   في التسعينات من القرن  الفائت , جمعتنا مأدبة عشاء مع الكاتب الانكليزي باتريك سيل , صاحب الكتاب الشهير عن الرئيس حافظ الأسد . سألته ما اذا كان قد عثر في شخصية الرجل عن أي آثار , أو ترسبات , طائفية .

   أخبرته بأنني أجريت سلسلة من الأحاديث مع وزير الدفاع مصطفى طلاس حول مرحلة الشباب في حياة رفيقه في الكلية العسكرية . لم ألاحظ أي لمسة , أوثغرة , طائفية في شخصية الأسد . سيل ضحك وقال “ربما غصت أكثر من غيري من الصحافيين في تلك الشخصية المتعددة الأبعاد . هذا الرجل بالكاد تتسع سوريا لأحلامه القومية , كيف يمكن له , وهو الممتلئ بفكرة الوطن العربي , أن يكون رهين , أو حبيس , طائفة أو منطقة ؟” .

   وقال ” سوريا تنتهي حين يصبح السوري سنياً , أوعلوياً , أو مسيحياً , أو درزياً , أو اسماعيلياً . وتبقى طالما بقي السوري سورياً …” .

   في لقاءاتي مع طلاس , كنت أتساءل عن نقاط التقاطع بين الشخصيتين اللتين جمعتهما صداقة طويلة . لعله نقاء الهواء , ونقاء الجذور , في الريف السوري .

  وزير الدفاع يحدثك كيف كان يعود الى الفندق وثيابه ملطخة بالوحول بعد ليلة حمراء في احدى غابات موسكو , وعن هدايا الممثلة الأميركية جين مانسن له , ناهيك عن الغراميات الجنونية للملكة في احدى الدول العربية .

    هذا الوزير الذي صاهر تاجر السلاح الملياردير أكرم عجة “أنتج” مناف طلاس , العميد في الحرس الجمهوري والذي فرّ الى تركيا ليقدم نفسه الى السلطان العثماني كبديل عن بشار الأسد قبل أن يرمى في الظل . آنذاك وصفه وليد جنبلاط ساخراً بـ”جون ترافولتا” (مغني الروك) .

   الشخصية المقابلة بعيدة كلياً عن الشخصية الأولى . المتقشف , الخجول , الحالم , الشديد الصلابة من الداخل , والشغف بالقراءة , وبالتجارب التاريخية الكبرى .

    في هذا البيت ترعرع أولاده . كان الصراع الطائفي في لبنان يشاهد حتى من احدى نوافذ قصر المهاجرين . وكانت الخشية , والذئاب تتربص ببلاده , أن ينتقل ذلك الفيروس القاتل الى سوريا . الحرب الكونية ضدها بدأت من هنا .

   لا شك أن الأداء الفوضوي , والبعيد كلياً عن أخلاقيات الرئيس , للعديد من العلويين الذين أسندت اليهم مسؤوليات حساسة , أو حتى عادية , أساءت كثيراً الى صورة النظام , كذلك الى صورة الطائفة . هذا لا يمنع من القول أن النواة الصلبة للنظام كانت سنّية , وقومية , ولا علاقة لها , بتلك الأوبئة التي فتكت , في وقت لاحق , بالبنية السوسيولوجية للدولة السورية .

    من هذه الثغرة بدأ تسلل “الاخوان المسلمون” , الى جماعات اسلامية تطبخ , عادة , في الغرف السوداء , في حين كان رجب طيب اردوغان الذي رأى في المعارضة السورية  النيوانكشارية للنيوعثمانية , يعتبر أن ساعة الخلافة قد دقت . البداية من القاهرة ودمشق , ودون أن تدرك دول عربية ما يخطط له الرجل الذي وضعت بين يديه مليارات الدولارات لتغيير النظام , وارساء سلطة تكون تابعة لها . تابعة لمن ؟؟

   تلك النواة الصلبة هي التي حمت , وعلى مدى أربع سنوات هائلة , الدولة السورية من عشرات آلاف المقاتلين الآتين من العصر الحجري . علماً بأن العلويين يشكلون نسبة محدودة في الخارطة الديموغرافية للبلاد .

   مثل الأب , لا أثر للطائفية في شخصية الرئيس بشار الأسد . ومن يتجول في مناطق العلويين يلاحظ أن العلوي , سواء كان نخبوياً , أو سائق تاكسي , أو فلاحاً , أو بائع خضار , مسكون بالقومية العربية . القضية المركزية فلسطين . والهموم  تمتد من ضفاف المتوسط الى ضفاف البحر الأحمر , ومن الفسطاط الى القيروان .

   لا امتيازات انمائية على الاطلاق لتلك المناطق . على العكس تماماً . بلدات وقرى متعبة , وتغص بصور القتلى . هؤلاء سقطوا من أجل الدولة لا من أجل الطائفة .

   هل كان أدونيس يفكر علوياً ؟ وهل كان محمد الماغوط يفكر اسماعيلياً ؟ وهل كان نزار قباني يفكر سنياً ؟ وهل كان حنا مينا يفكر مسيحياً ؟ السؤال ينسحب على الدرزي ممدوح حمادة , صاحب “الضيعة ضايعة” و”الخربة” .

   كلهم فكروا سورياً , وقومياً . هكذا , هكذا فقط , تعود سوريا …

(سيرياهوم نيوز3-الديار19-3-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هذا هو المُنتصر الأكبر والحقيقي في الانتخابات الأمريكيّة وليس ترامب.. إليكم وجهة نظر مُختلفة جدًّا في هذا السّيرك ونتائجه

عبد الباري عطوان الانتصار الأكبر الذي أفرزته الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة الأمريكيّة التي جرت يوم الثلاثاء الماضي ليس فوز ترامب، وإنّما “تأديب” الكتلة الانتخابيّة العربيّة والإسلاميّة ...