آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » في ضيافةِ الإماراتي.. والضوء الأخضر الأميركي!

في ضيافةِ الإماراتي.. والضوء الأخضر الأميركي!

| فراس عزيز ديب

منذُ بدايةِ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وهذا الحدث يسرِق كلَّ الأضواء من الأحداثِ الجارية في هذا العالم، كان الجميع بانتظارِ حدثٍ، يكون أشبهَ بالقنبلةِ التي تصِل شظَاياها إلى كلِّ الأطراف المتصارعة والمتحاربة في هذا العالم، حدثٌ يستطيع ببساطة أن يتصدَّرَ العناوين ويسرِق من الحربِ الروسية سطوتها الإعلامية، لكن أحداً لم يتوقع بأن يكون الرئيس بشار الأسد هو صانعُ هذا الحدث، مع بدءِ تداولِ الصور والأخبار للزيارةِ التي قام بها إلى دولةِ الإمارات العربية المتحدة، ولقد بدا هذا الحدث وكأنهُ أشبهَ بالصدمةِ للجميع من دون استثناء، وخصوصاً للطرف المعادي أو غير المحب لسورية، الذي ببساطةٍ لا يريد رؤيتها تستعيد عمقها العربي، فانقسم هذا الطرف، بين ملتزمٍ للصمت أو منتقدٍ لحكَّامِ الدولة الشقيقة على كسرهم ما يسمونها العزلة على سورية، بعض الإعلام الفرنسي مثلاً لم يعرف كيف يبرِّر لجمهوره الذي يبث لهُ الأكاذيب عن «انتهاء دور الأسد» أو أنه «أشبهَ بإقامةٍ جبرية لا يستطيع الخروج حتى ضمن شوارع العاصمة دمشق»، ليرى هذا الجمهور بعينهِ هذا الرئيس يزور دولة شقيقة!

على الطرف الثاني، وتحديداً كل محب لسورية ولا يراها من دون عمقها العربي، فإن هذهِ الزيارة وإن كانت تلقى من قبلهِ كل الترحيب، لكنها ببساطةٍ تركت الكثير من التساؤلات، بعضها لا يستحق الرد عليه، وبعضها الآخر تبدو تساؤلاتٍ مشروعة، وهذه تساؤلات من قبلِ كل الأطراف يمكننا تلخيصها بالإجابة عن سؤالٍ جوهري:

هل يتصرف الجانب الإماراتي بضوءٍ أخضرَ أميركي؟ على اعتبارِ أننا اعتدنا في هذا الشرق البائس ربطَ كل حدثٍ بالأميركي، بل وإنَّ الجواب عن هذا السؤال يبدو فيه الكثير من الشرح لما ستكون عليهِ قادمات الأيام.

ببساطةٍ إن القول: إن ما يتم هو برضا أميركي ولولاه لما تم، فهذهِ تبدو إهانة لدولةِ الإمارات، حتى القيادة السورية لا تبدو بأنها تقبل بها، والسبب بسيط لأن الموقف الإماراتي في الأساس لم يكن بتلك الحدة، ولو عُدنا إلى الأشهر الأولى من هذهِ الحرب، فإن من حملَ رايةَ إسقاط الدولة السورية حتى عندما صمتَ بعض الأصدقاء عن دعم الرواية السورية التي تتحدث عن وجود جماعات إرهابية وليس ثوار، هما قطر وتركيا بالتحديد، بل إنهما تبرَّعتا بتقديمِ برنامجٍ للأميركيين يضمن حسبَ زعمهم، سقوط النظام خلال ثلاثةِ أشهرٍ، وهو ما اعترف بهِ رئيس الوزراء القطري المخلوع حمد بن جاسم، وقال: إنهُ نقلَ هذا الأمر للسعوديين تحديداً لأنهم كانوا خارج اللعبة، لم يكن وقتها هناك أي دورٍ سعودي أو إماراتي، معَ مرورِ الأحداث وبعدَ تحول الضغوطاتِ الأميركية إلى تهديداتٍ جديَّة تطول أي دولةٍ تقدِّم الدعم المباشر أو غير المباشر للدولةِ السورية، كانت بعض المواقف الإماراتية تحديداً تتم من مبدأ إنزال الأشرعة والسماحَ للعاصفةِ بالمرور، لكن هذا لم يمنَع حكام الدولة الشقيقة من التعاطي مع الدولة السورية من مبدأ: ليس كل شيء في السياسة قابِل للنشر!

هنا سيسأل البعض، إذن ما يتم هو خارج الرضا الأميركي؟ وما يدعم هذه الفكرة تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي قال: إن الولايات المتحدة تشعر بخيبةِ أملٍ من الزيارة، وتطلب من كل الأصدقاء عدم إعطاء ما سماها شرعية للنظام الحالي، الجواب أيضاً لا، وبمعنى آخر لماذا علينا ربط الحدث بالأميركي سواء أكان يرفُض أم يقبل؟ قد تكون التصريحات الأميركية متفقٌ عليها مثلاً، مع التذكير هنا بأن الاتهامات ذاتها الموجهة لسورية، توجَّه لإيران، لكن لماذا لم يطلب الأميركي مثلاً من الإمارات أو عُمان قطعَ العلاقةِ مع إيران؟ لماذا لا نفكِّر باتجاهٍ آخر، اتجاه يُخرجنا من التحليلات المُعلبَّة التي لا ترى بالطرفِ الآخر إلا ما اعتادت على تكرارهِ، مع أن تتابع الأحداث السياسية يتسرب من بين أيدينا وما زلنا نكرِّر العبارات ذاتها التي لم تعُد تصلح والشعارات الصدامية التي لم تعد مفيدة والأمثلة كثيرة.

هناك مثلاً من يرى بالمملكة العربية السعودية شراً مطلقاً، لكن لماذا علي أن أراها كذلك؟ إذا ما استثنينا الحربَ على اليمن، والتي يجب أن تتوقف، لننظر مثلاً إلى ما تمَّ من إصلاحاتٍ في المملكة وهي حُكماً شأن داخلي لا علاقةَ لنا بهِ، لكنها بالنهاية أحببنا أم كرهنا، فهي تنقل المملكة من مكانٍ إلى آخر، وهو أمر يستحق الاحترام فيما تكون نظرةَ البعض لهذه الإصلاحات بأنها إيعاز أميركي ولولا الأميركي لما قاموا بها، متى سنخرج من هذهِ الاتهامات؟ واللافت هنا أن كل هذا الضغط بالاتجاه السعودي يقابلهُ صمت حيال ما قام ويقوم بهِ القطري، أين المشكلة إذن؟

المشكلة هي بقتل الواقعيةِ السياسية لدينا، والاستناد في التحليل إلى العاطفة، علماً أن أشد عدو لأي تحليلٍ سياسي هي «كمشات» العواطف التي تحول أي تحليلٍ سياسي إلى أشبهَ بخطابٍ انتخابي يتلاعب بالمشاعر ويتجنب الحقائق، فكيف ذلك؟

منذُ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا قُلنا إن ما قبلَ هذهِ الحرب ليسَ كما بعدها، غرق الناتو في البحر الأسود، وسيحتاج لعقودٍ من العملِ لتبييض هذا العار، لم يكن موقف أصدقاء روسيا وفي طليعتهم سورية، مفاجئاً، لأن ردَّ الدَّين من شيم الدولة السورية، لكن المفاجئ كان موقف كل من المملكة العربية السعودية والإمارات حتى الآن تحديداً، بما يتعلق برفعِ إنتاج النفط لتعويض الناقص النفطي الروسي، لدرجةِ أن هناك من طالبَ الرئيس الأميركي جو بايدن إما بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران على وجهِ السرعة أو القيامَ برفعٍ جزئي للعقوبات على إيران وفنزويلا لتعويض النقص، لكن اللافت بأن كل تلك المواقف التي أبدتها هذه الدول كانت تُلاقى بتحليلات تقزّمها بطريقةٍ غير مفهومة، لدرجةٍ تشعر معها وكأنَّ رجال الحكم في هذه الدول يتساءلون ماذا نفعل؟

أن تتفق أو تختلف مع نظامَ حكمٍ شيء، وأن تبخسَ حقه بما حققه من نهضةٍ اقتصادية وعمرانية شيء آخر، واليوم وفي ظل ما نعيشه من تغيراتٍ في هذا العالم المجنون، فهناك فعلياً من يرى بواقعيةٍ عليكَ أن تحترمها بمعزلٍ إن اتفقت معها أم لا، ولكي تتضح الصورة أكثر فإننا نحن اليوم أمام تحولاتٍ كثيرة، وبعض هذه التحولات أساسها الصمود السوري، لكن بعضها الآخر هو استشعار البعض بتشتت الموقف الأميركي، البعض لا يرى مثلاً أن دول الخليج تحاول الخروج من هذهِ العباءة فيما لا تزال دول ترى نفسها عريقة كأوروبا، تسير الهوينة خلف الأميركي، اللافت أيضاً أن من لا يرى من الغربال ينتقد الدول الأولى ويصفها بالتابعة ويتغنى بالثانية ويصفها بالدول العصرية، من هنا علينا فعلياً أن نجهز أنفسنا لطريقةِ تعاطٍ جديدة مع المتغيرات، من دون أن ننسى بأن كلاً من سورية والإمارات قادرتان على جمعِ المتناقضات عبر الوساطة التي تُعيد الاستقرار للمنطقة.

في الأسبوع الماضي تحدثنا عن بلورةِ تلاقٍ سوري – سعودي – إماراتي – مصري يُعيد لهذه الأمة ألقها ويجعلها تلتقط الأنفاس بعد ما ضربَ هذا الشرق فيروس الإخوان المجرمين، قد لا نبدو بعيدين عن بلورتهِ، بالسياق ذاته لا يبدو بأن هذا الوقت هو وقت التشفي، ولا يبدو بأن هذا الوقت هو وقت التمييز بين من عادَ إلى سورية أو لمَن عادت سورية، الوقت الآن هو للتطلعِ نحو الأمام فشعوب هذه المنطقة تستحق كل الخير، ولا خيرَ أجملَ من عودةِ سورية إلى عمقها العربي، أعجبنا هذا الكلام أم لم يعجبنا، لكنه حقيقة لا نستطيع الهروب منها، والأهم اليوم ليسَ العودة فحسب لكن الأهم هو النظر لهذا العمق بطريقة جديدة تُراعي ما حدث وتراعي التوازنات في هذه المنطقة.

(سيرياهوم نيوز3-الوطن20-3-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن إعادة التموضع.. ودور النُخَب

      بقلم :بسام هاشم   هفي مرحلة ما بعد الانتصار على الإرهاب، وفي سياق إعادة بناء الدولة الوطنية، تجد سورية نفسها أمام تحديين ...