|أحمد الحاج علي
موسكو | تكتسب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا زخماً جديداً، مع ظهور تغييرات نوعية في الضربات المُوجّهة إلى المقرّات الحربية الأوكرانية، فضلاً عن تعزيز موسكو عمليات التحشيد، في ما يبدو تمهيداً لوصل الجبهتَين الجنوبية والشمالية من الدونباس، توازياً مع استمرار تركيزها على إسقاط مدينة ماريوبول في أقرب وقت. والظاهر أن تلك التغييرات ستترك تأثيراتها على جبهة كييف، وفق ما يعتقد الخبراء العسكريون، الذين يؤكدون استهداف المكان الذي كانت تنطلق منه صواريخ «غراد» و«سميرتش» لتعيق تقدّم القوات الروسية. وفي موازاة هذه التغييرات، تراوح المفاوضات الروسية – الأوكرانية مكانها، إذ تؤكد موسكو أن أيّ انفراجة كبيرة، لم تحدث بعد
مقالات مرتبطة
«العولمة السعيدة» لا تمنع حرباً: العالم على عتبة الانشطار وليد شرارة
تتحضّر القوات الروسية لما يبدو أنها ضربات كبرى على محاور مختلفة من جبهات القتال في الدونباس، وتحديداً في شمال المنطقة وجنوبها الغربي. وعرض التلفزيون الروسي، أمس، عملية إنزال قوات ومعدّات حربية في ميناء بريديانسك البحري، فيما تتوالى منذ أيام مقاطع الفيديو حول تقدّم أرتال المعدّات الحربية من ميليتوبول إلى جبهة زاباروجيا جنوب الدونباس، وأخرى من الجنوب باتجاه الشمال، استعداداً للالتفاف حول مدينة كوراخوفا، ومن ثمّ الالتقاء مع جبهة خاركيف، أي القيام بعملية وصل بين الجبهتَين الجنوبية والشمالية للدونباس. وفي ضواحي خاركيف، تتحدّث مصادر استخبارية أميركية وأخرى أوكرانية عن تركّز كبير للتشكيلات الروسية هناك، وهو ما يعتقد الخبير العسكري، يوري بادالياكا، أنه يستهدف الدفع نحو انهيار شامل في جبهات «جمهورية دونيتسك». وتسعى القوات الروسية، عشيّة البدء بهذه العملية، لحسم سيطرتها على مدينة ماريوبول البحرية الاستراتيجية، بعدما وجّهت قيادة القوات المسلحة الروسية إنذاراً أخيراً إلى المسلّحين المتمركزين، لإلقاء السلاح قبل ساعة الحسم مقابل إعطائهم الأمان، لكن كما كان متوقّعاً أتت الأوامر من نظام كييف بأنه «لا يمكن الحديث عن أيّ تسليم للسلاح، عليكم بالقتال حتى النهاية».
اللافت في الأسبوع المنصرم، هو التغيير في تكتيك توجيه الضربات الروسية للأهداف العسكرية الاستراتيجية الأوكرانية، وخصوصاً في ميريفا، بوليغون، يافروفسكي، نيقولايف، أوبروتش، وروفينسكايا، حيث تفيد المعطيات بأن الوحدات الأوكرانية فقدت فعاليتها القتالية تحت وطأة تلك الضربات. وهو ما وقع أيضاً في شمال العاصمة كييف، بعد استهداف المكان الذي كان تنطلق منه الضربات الصاروخية والمدفعية الأوكرانية خلال الأسابيع الماضية، بدليل وقوع سلسلة انفجارات متتالية في المكان، استمرّت حتى ساعات الفجر. ويشير بادالياكا إلى أن الصواريخ المدمّرة من طراز «غراد» و«سميرتش» كانت تعيق تقدّم القوات الروسية على محاور شمال كييف في الفترة الماضية، ولكن بعد ضربات أمس «لم يَعُد لها أثر في هذا المكان، ولن تشكّل عائقاً»، بحسب الخبير الذي يَتوقّع أن تتقدّم العملية «بشكل أكثر فعالية» هناك، خصوصاً مع استمرار استخدام صاروخ «كينجال» برؤوس حربية تقليدية، طبق ما أكدت موسكو أمس، مُعلِنةً أن هذا الصاروخ، الذي تفوق سرعته سرعة الصوت أصاب ترسانة في أوكرانيا من مدى يزيد عن ألف كيلومتر.
سيطرت القوات الروسية على مركز قيادة وتحكّم تحت الأرض في ضواحي كييف
ووفق مصادر وزارة الدفاع الروسية، فقد سيطرت القوات الروسية في قرية نيكولايفكا في ضواحي العاصمة الأوكرانية، على مركز قيادة وتحكّم تحت الأرض، بعدما استسلم الضباط والجنود الأوكران المتواجدون هناك بشكل طوعي. كذلك، تقدّمت القوات الروسية لمسافة 4 كلم إضافية، لتُحكم السيطرة على تجمّع سلادكويا السكني، بينما تستكمل قوات «جمهورية دونيتسك» عملية القضاء على ما تبقّى من اللواء الميكانيكي الثالث واللواء الخمسين المدرّع التابعَين للقوات الأوكرانية، توازياً مع استحداثها هجوماً متفرّعاً باتجاه تجمّع نوفوميخايلوفكا. وأعلنت وزارة الدفاع، أيضاً، عن هجمات صاروخية باستخدام الصواريخ الجوّالة المجنّحة من طراز «كاليبر» العالية الدقة، ضدّ مركز تدريب واستقطاب للمقاتلين الأجانب في معسكر نوفاياليبوميركا الكائن في مقاطعة ريفني. كما اتّهمت الوزارة القوات الأوكرانية في محيط مدينة إيزيوم في ضواحي خاركوف، بتنفيذ «عمل تخريبي» أدّى إلى تسرّب مادة الأمونيا من مصنع سوميكيمبروم، قبل أن تتّجه السحابة الناتجة منه – بواسطة الرياح – إلى خارج نطاق المناطق السكنية في المدينة. وحمّل المتحدّث باسم «الدفاع»، اللواء إيغور كوناشينكوف، نظام كييف المسؤولية المباشرة عن أيّ حوادث محتملة تطاول مرافق تخزين المواد السامة.
على المستوى الدبلوماسي، يبدو أن المفاوضات التي استؤنفت، يوم أمس، بين الوفدَين الروسي والأوكراني، لم تُسفر عن أيّ انفراجة كبيرة بعد، على حدّ تعبير الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الذي رأى أن المحادثات “ربما تكون دون المستوى المطلوب، ودون ما يتطلّبه الوضع بالنسبة إلى الجانب الأوكراني”، مشيراً إلى أن الجانب الروسي يُظهر رغبة في العمل بسرعة، وعلى نحو بنّاء. وعن إمكانية وقف إطلاق النار، قال إن موسكو “لا تنظر في هذا الموضوع أثناء المفاوضات بينها وبين كييف”، مشترطاً أيضاً إحراز “تقدُّم جوهري أولاً”، قبل عقد قمّة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وفي الأثناء، وبعد دعوته بكين إلى اتخاذ موقف و”إدانة الهمجية الروسية”، وجّه وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، دعوة جديدة إلى الصين لـ”لعب دور مهمّ” في النزاع القائم. وكتب في تغريدة: “منذ عقود، ترتكز العلاقات الأوكرانية – الصينية على الاحترام المتبادَل والتفاهم. نتشارك موقف بكين حول ضرورة إيجاد حلّ سياسي للحرب على أوكرانيا، وندعو الصين، كقوّة دولية، إلى لعب دور مهمّ في هذه الجهود”.
(سيرياهوم نيوز3-الاخبار22-3-2022)